صفحة:على السفود (1930) - العقاد.pdf/21

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
15

يصلح لشيء ولا يصلح لشيء آخر، يصلح ليقرأ اليوم ويُلقى، ولا يمكن أن يصلح للغد والاحتفاظ به ليكون ثروة للغة والبيان.

وأنت تقرأ شعر العقاد فتجد فيه شيئين متباينين – بل متناقضين – الأول بعض أبيات حسنة لا بأس بها ، والثاني ألوف من الأبيات السخيفة المخزية التي لا قيمة لها، لا في المعنى ولا في الفن ولا في البيان، فعلام يدلُّك هذا؟ يدلك بلا شك أن الأبيات الحسنة مسروقة جاءت من قريحة أخرى وطبيعة غير هذه الذي تعصف بالغبار والأقذار، فإن الشاعر القوي لا بد أن يتسق كلامه في الجملة على حذو الألفاظ ومقابلة المعاني، وإذا نزل بعض كلامه لعارضٍ ما، لم ينزل إلا طبقة واحدة أو ما دونها. أما العقاد فيتدحرج!! من مائة درجة عندما يسمو — أعني عندما يسرق في بيت أو بيتين!

نحن نفتح الآن ديوان هذا السخيف كما يتفق ونُخرج لك ما نصادفه. وكن واثقًا أنك لن تفتح صفحة دون أن تقع على سخافات كثيرة. انظر قوله صفحة ٢٠: «لسان الجمال»:

يا من إلى البعد يدعوني ويهجوني
أسكِت لسانًا إلى لقياك يدعوني
اسكت لسان جمال فيك أسمعه
في كل يوم بأن ألقاك يغريني

هذان البيتان لا بأس بهما، ثم يتدحرج بعدهما نازلًا. وفي الشطر الأول غلطٌ ككلام الجرائد والروايات السخيفة حين تقول: (دعاه إلى أن يبتعد)، ولا معنى لكلمة دعاه هنا، لأنها لا تفيد إلا الإقبال، وهو يريد ضدَّه. وكان الأفصح أن يقول فيهجرني، ليكون الهجر مرتبًا على رغبة صاحبه في إبعاده، فيصور أجزاء المعنى بألوانها. والبيت الثاني كله تكرار لنصف البيت الأول. وقد تَجوَّز العرب

في قولهم: «نطقت الحالُ بكذا» على اتساع الكلام، لأن المنظر كالمنطق1


  1. يعللون مثل هذا بقولهم: إن الحال أذنت بأن لو كان لها جارحة نطق لقالت كذا