صفحة:على السفود (1930) - العقاد.pdf/19

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
13

هذه هي منزلة الرجل يعالنه بها أديب من أكبر الأدباء. وماذا تظنه فعل حين سمع هذا؟ قال له دمُه في داخل ضميره: صحيح صحيح!! فسكت ثم قام، وكاد الباب يبصق في وجهه نيابة عن الأديب المعتدى عليه وعلى أخلاقه الكريمة.

الأمر كله وهم وخداع، كالحمار يلبس جلد الأسد … فلما رأى القراء هذا العقاد لا يكتب إلا سبابًا وحقدًا ولؤمًا وتطاولًا على الناس ودعاوى فارغة وتضليلًا وإيهامًا بإيراد آراء الفلاسفة وزعمه مناقشتها، ظنوا من تتابع كل هذا ما لا بد أن يظنه الضعفاء ويتأثروا به من عمل التكرار. وقد قيل إن الذئب إذا واثب إنسانًا ضلل حواسه، فجعل يثب بغاية السرعة أمامه وخلفه ويمينه وشماله وفوقه، ليخيل إليه من تتابع هذه الحركة السريعة أنه ذئاب كثيرة لا ذئب واحد، وبعبارة أخرى ليدير أمام عينيه «فِلْم» ذئاب سنماتوغرافيا كاذبًا لا حقيقة له، وهكذا يفعل هذا الذئب الأدبي العقاد.

ومن أين كل هذا؟ وما سببه؟ نحن لا نجري إلا على أحداث قواعد النقد، وهذه القواعد تقضي بأن الأفكار راجعة إلى أحوال عصبية، وأن ما في داخل الإنسان هو الذي يصنع ما في خارجه، وكذلك الكاتب في كتابته، فأنت لا تصل إلى حقيقتها إلا بعد أن تقف على حقيقة مشاعره وأخلاقه وطباعه وأصله وفصله، هي وحدها تفسيره وتفسير ما يكتب وما يعمل.

على هذا الأصل يجب أن يعرف الناس هذا المخلوق المسمى العقاد … وإذا صح ما كتبته عنه جريدة «الأخبار» وعن منبته — فإن من يصح فيه مثل ذلك — يظل العالم كله في نظره كالشارع الذي يلقى فيه لقيط، المكان والسكان والعالم وأهله في ناحية، واللقيط وحده في الناحية الأخرى، فهو يكره الوجود من أجل نفسه، ويكره نفسه من أجل الوجود، والمنفعة المادية وحدها هي دنياه وأهله وناسه.

سل الأطباء ما الذي يؤثر في الجنين أشد تأثير، ويخرجه شرسًا حقودًا لئيمًا بالغريزة إذا خرج كذلك؟ إنهم يجيبونك إن المنبت مصنع الطباع والأخلاق، فكل