صفحة:عقلاء المجانين (1924) - النيسابوري.pdf/63

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
ما حال من سكن الثرى ما حاله
أمسى وقد رت هناك حباله
أمسي ولا روح الحياة يصيبه
أبدا ولا لطف الحبيب يناله
أمسي وقد درست محاسن وجهه
وتفرقت في قبره أوصاله
واستبدلت منه المحاسن غبرة
وتقسمت من بعده أمواله
ما زالت الأيام تلعب بالفتى
والمال يذهب صفوه وجلاله

قال ذو النون المصري رأيت سعدون في مقابر البصرة وهو يناجي ربه ويقول بصوت عال أحد أحد فسلمت عليه فرد علي، فقلت بحق من تناجيه ألا وقفت، فوقف، ثم قال: قل: قلت أوصني بوصية أحفظها عنك أو تدعو بدعوة فأنشأ يقول:

يا طالب العلم من هنا وهنا
ومعدن العلم بين جنبيكا
إن كنت تبغي الجنان تسكنها
فاسبل الدمع فوق خديكا
وقم إذا قام كل مجتهد
وادعه كي يقول لبيكا

ثم مضى وهو يقول: يا غياث المستغيثين، فقلت له ارفق بنفسك فلعله ينظر إليك برحمته فنزع يده من يدي، وهو يقول:

سلام على طيب المقام سلام
فليس لعين المستهام منام
ولو ترك الأغماض يوما لجفنه
لا يقظه مما يجن ضرام

ثم مضى وتركني. قال رباح القيسي: سمعت مالك بن دينار، يقول: أصاب الناس بالبصرة قحط شديد، فخرجنا نستسقي فإذا أنا بسعدون في بعض الخرابات فقلت له بالذي خلقك استسق لنا، فرفع رأسه إلى السماء وقال " يا فاطر الأشباح والأرواح ومنشئ السحاب والرياح وفالق الأصباح بحق ما جرى البارحة أن ترحم عبادك وبلادك ولا تهلك بلادك بذنوب عبادك " قال فما استتم كلامه حتى أرخت السماء غرابيلها وجادت بوابلها فخرج يخوض