انتقل إلى المحتوى

صفحة:طبقات الأمم (صاعد الأندلسي).pdf/10

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
١٠
كتاب طبقات الأمم

[الباب الرابع: الأمم التي عُنيت بالعلوم]

أمَّا الطبقة التي عُنيت بالعلوم فهم صفوة الله من خلقهِ ونخبتهُ من عبادهِ لأَنَّهم صرفوا عنايتهم إلى نيل فضائل النفس الناطقة الصانعة لنوع الإنسان والمقوّمة لطبعهِ وزهدوا فيما رغب فيهِ الصين والترك ومن نزع منزعهم من التنافس في أخلاق النفس الغضبيّة والتفاخر بالقوى البهيميّة إذ علموا أن البهائم تشركهم فيها وتفضلهم في كثير منها إما في الصنعة وإحكام التصوير1 وإتقان التشكيل فكالنحل المُحكمة لتسديس2 مخازن قوتها والعنكبوت المتقنة الخيوط بيوتها وتجويد تناسب الدوائر المُقاطِعة لها وغيرها من البهائم التي ظهرت منها الصنائع العجيبة والأفاعيل الغريبة حتى ضربت العرب بها الأمثال فقالت: «أَصْنعُ من السُرْفة» وهي دودة تكون في الحمص ويبلغ من صنعها أن تصنع بيتاً مربَّعاً من دقائق العيدان. وقالوا: «أَصنع من تَنَوُّط3 وهو طائر يبلغ رفقهُ في صنعهِ عشَّهُ متدلياً من الشجرة. وأما في الجرأة والشجاعة (7) فكالأسد والنمر وغيرهما من السباع التي تغاضى الإنسان إقدامها ولا يدّعي بسالتها. وكذلك أيضاً سائر القوى الحيوانيَّة من الجود والبخل وغيرهما فإنّ لبعض البهائم فيها مزيّة على الانسان. وكذلك ضربت العرب الأمثال فقالت: أَنخى من ديك واجرأ من ليث ومن ذباب وأَختل من ذئب وأخبث من ثعلب ومن ضبّ وأخشع من كلب وأظلم من حيّة وأكسب من ذَرَّة ومن نملة ومن دبّ وأجبن من نعامة وأهدى من قطاة وأحذر من عقعق وأبخل من كلب وأَلَحُّ من الحمَّى وأجبن من صِفْرد وأروغ من ثعلب وأصبر من عَود وأحنُّ من ناب

وكذلك قوى الأجسام وصدق الحواس لا ينكر أحد أن حظ بعض البهائم منها أوفر من حظ الانسان. وكذلك قالت العرب في أمثالها: أبصر عن عُقاب ومن فرس وأصحُّ من ذئب ومن ظليم وأضبط من نملة فإنَّها تحمل النواة وهي أضعافها وأسمع من قراد ومن سِمْع ومن فَرَس بيهماء وأسمعُ من دُلدل وهو القنفذ الضخمة، وأسرع من فرس. وسوى هذا مما ضربوا فيه الأمثال بأنواع البهائم


  1. في الأصل التصوّر
  2. في الأصل «فكل النحل … لتشديش» وهو غلط
  3. في الأصل قنوط وهو غلط وكذلك وقع بعض أغلاط في الأمثال الآتية أصلحناها