صفحة:سر النجاح (1922) - صموئيل سمايلز.djvu/54

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
٤٦
في الخزافين العظام

في رسم ما يريد نقشهُ وإذا خاف على رجليهِ من برد الليل القارس وضعهما في سلة ملأى من النشارة. وما ذلك بعجيب لأني أرى الناس الذين لا يتعوَّدون احتمال مشقة البرد والحرّ والجوع والعطش وما أشبه لا يمكنهم أنْ ينجحوا. والذين يظنون أنهُ يمكنهم أنْ ينجحوا ويشتهروا إذا كانت كلُّ أمورهم مسهلة يخدعون أنفسهم لأن النجاح والشهرة لا يُنالان بالنوم والراحة بل بالسهر والتعب. وما أحسن ما قالهُ أبو الطيب المتنبي:

تريدين إدراك المعالي رخيصة
ولا بُدَّ دون الشهد من إبر النحل

إلَّا أنَّ لوقا هذا لم يقدر أنْ يكسب من صناعة النقش ما يقوم بحاجاته مع كلِّ ما كان عليه من الاجتهاد فخطر له أنْ يجد مادةً أقل ثمناً وأسهل مراساً من الرخام لعمل التماثيل فأخذ يصطنعها من الطين وكان همهُ الأكبر أنْ يشويها ويدهنها دهناً ثابتاً لكي تقوم مقام الرخام. وبعد تعبٍ شديد وتجارب كثيرة اكتشف مادةً إذا دَهَن الطين بها وعرَّضهُ لحرارة شديدة جدّاً ذابت وصارت دهاناً ثابتاً. ثم اكتشف طريقة لتلوين هذا الدهان بألوان مختلفة وبذلك ازداد جمالهُ جمالًا. فامتد صِيتهُ في كلِّ أوربا وانتشرت مصنوعاتهُ في أقطار فرنسا وإسبانيا وغيرهما وكانت تُباع بأثمان فاحشة. ولم يكن يُصنع في ذلك العصر في فرنسا إلَّا جرار وقدور بسيطة خالية من الدهان ودام الحال على هذا المنوال إلى أنْ ظهر فريد عصرِه ونابغة دهره الشهير بالسي الذي حارب الصعوبات بعزم وهمة تستفز كلَّ مُطَّلِع على حياته إلى العجب والانذهال كيف لا وهو رجل

هيهات أنْ يأتي الزمان بمثلهِ
إنَّ الزمان بمثله لبخيلُ

وهاك طرفاً من ترجمة هذا الرجل وما احتملهُ من المتاعب وكابدهُ من المشاق إلى أنْ نال الغاية التي شمَّر لها الذيل.

وُلد بالسي في جنوبي فرنسا نحو السنة العاشرة بعد الخمس