خطبهِ تشهد لهُ أنهُ درس درساً مدققاً في كل ما تكلم بهِ أو كتب فيهِ. وكان من المفرطين في الشغل والمفرِّطين في صحتهم ومصالحهم لكي يتمم كل ما شرع فيهِ. وفاق كل معاصريهِ في قوة الحجة وسمو الأفكار والمقدرة على امتلاك عقول سامعيه. وكان كلَّما تقدم في السن ازدادت معارفهُ ولانت عريكتهُ واستمرَّ إلى آخر نسمة من حياته فاتحاً باباً في ذهنه لقبول الآراء الجديدة. وكان نفوراً من التطرُّف في المسائل إلَّا أنه لم يقع في ما وقع فيهِ غيرهُ من التعصب للآراء القديمة الذي هو فالج يصيب عقول الأكثرين عند تقدمهم في السن.
وممَّن يضرب بهم المثل في الاجتهاد وعدم الملل اللورد برَوَم الذي خدم جيلهُ أكثر من ستين سنة تعاطى فيها الفقه والأدب والسياسة والعلم وأتقن كل ما تعاطاهُ. قيل سُئل السر صموئيل روملي أنْ يعمل عملاً جديداً فاعتذر بضيق وقتهِ ثم قال عليكم بهذا برَوَم لأنهُ يخلقُ وقتاً لكل شيء. والسرُّ في ذلك أنَّ اللورد برَوَم لم يدَع دقيقة من وقتهِ تمضي سدى. ولما بلغ السن الذي يتنحى فيه الناس عن الأعمال شرع في عمل شاقّ إلى الغاية وهو البحث في نواميس النور فجاءت أبحاثه مكللة بالنجاح وشهد لهُ فيها أشهر علماءِ باريز ولندن. وكان آخذاً حينئذ في طبع كتابهِ الشهير في العلماء والأدباءِ الذين نبغوا في عصر الملك جورج الثالث وقائماً بعبء منصبه في مجلس الأعيان حتى قيل: إنَّ سدني سميث أشار عليهِ مرة أنْ يقتصر على أعمال لا يقدر على القيام بها أقل من ثلاثة رجال إلَّا أنه كان لا يستكثر أعماله مهما كثرت وشقَّت ناهيك عن أنه كان مطبوعاً على إتقان الأعمال حتى قال بعضهم: إنهُ لو كانت حرفتهُ صبغ الأحذية لصار أوَّل صبَّاغ أحذية في المسكونة.
ومنهم السر بلور لتُّون الذي قلَّ من ماثله في تعاطي أعمال كثيرة وإفلاحه فيها كلها لأنهُ كان شاعراً وراويّاً ومؤرخاً ومؤلفاً