صفحة:زعماء الإصلاح في العصر الحديث (1948) - أحمد أمين.pdf/64

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
– –

-09- من عهد أن تولى السلطان عبد الحميد، وهو لا يأمن جانب مدحت ، ومن لف لفه ، ويخشى جد الخشية أن يعيدوا معه تمثيل دور عبد العزيز ؛ و بلغت به الخشية حد الهوس ، فكل قوى المملكة من مال ورجال وسمع و بصر مسخرة للمحافظة على شخصه ، ومراقبة مدحت وأمثاله ، لأن من قدر على البدء كان أقدر على الإعادة. وأخيراً اهتدى هو وأعوانه - للقضاء على مدحت وأصحابه - إلى هذه التهمة ، فدبّرت محاكمتهم ، ورتبت شهودهم ، ورسمت خطة الإيقاع بهم . و بعد محاكمة صورية حكم عليهم بالإعدام . فتوسط الإنجليز و بعض سفراء الدول فاستبدل بالإعدام النفى ، ووضعوا في باخرة سارت بهم إلى جدة ومنها إلى الطائف . وأهينوا من يوم خروجهم من الآستانة بالتضييق عليهم في ماكلهم وملبسهم ومنامهم ؛ وسجنوا في قلعة الطائف ثلاث سنين ، وأجرى عليهم العذاب ألواناً ؛ وكلما مر عليهم زمن وهم أحياء زادوهم تضييقاً حتى يموتوا ؛ ومن اشتد من الضباط عليهم رقى ، ومن أخذته الشفقة عليهم أبعد . ومدحت يرسل الكتب إلى أهله يطلب منهم مالاً يقتات به ، ويبذل كثيراً من الحيل فى إيصالها إليهم ، فإذا أرسلوا مالاً لم يصل إليه . وثمانية من سادة القوم منهم مدحت مدحت يعيشون على صحن من مصنوع من الماء وورق الحساء (1) الفجل في الصباح ، ومثله فى المساء ، يريدون بذلك أن يميتوهم جوعاً ولكنهم لا يموتون . وأخيراً ضاق ولاة الأمور بهم ذرعاً فقرروا أن يسموهم ، ولكن مدحت وصحبه يكتشفون المؤامرة . فلما أعينهم الحيل أوعزوا بخنق مدحت فخنق . وكان آخر ما كتب كتاب إلى أهله جاء فيه : « سيكون هذا المكتوب آخر ما أكتب فيما أظن. فقد أخذوا منا الأقلام والمداد والورق ، وضيقوا علينا الخناق ، وقصدوا (1) الحساء : ما يحسى ، أي : يصرب .