صفحة:رحلة جرجي زيدان إلى أوربا.pdf/67

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
- ٥٧ -

العظيم إلا الاعتبار والتأمل فيما أنفقه القوم في تعظيم ضريحه وما نصبوا حوله من الأعلام والتماثيل. إن الدهشة تستولي على المتأمل من ميل البشر إلى تعظيم الفاتحين. لا تقدر وأنت واقف بين يدي ضريح هذا النابغة إلا الصمت والذهول لما يتجلى على المكان من الوقار كأنك ترى بونابرت واقفاً بين قواده ووزرائه وكلهم مطرقون رهبة وإجلالاً - وقفنا برهة ونحن نراجع تاريخ صاحب هذا الضريح فتبين لنا أنه أكثر القادة طمعًا في السيادة وأقدرهم على القيادة وأشدهم استهواء لرجاله حتى كانوا يلقون أنفسهم في النار تفانيًا في طاعته ولا يبالون. قضى نابليون أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر وهو يحارب ويجالد، فقلب العروش ودوخ المماليك ونثر التيجان وقتل النفوس وقد مضى على سقوطه قرن ولا يزال العلماء مختلفين في تقديره كأن الدهشة لا تزال آخذة بعقولهم. أما الذي نعلمه ولا خلاف فيه فهو أن نحو مليونين من الناس قتلوا في سبيل له أو عليه. وعقب تلك الحمى الاجتماعية رد فعل عاد ببعض النفع للمجتمع البشري لا نظنه يعوض تلك الخسارة.

أما الضريح فإنه قائم تحت منتصف القبة على قاعدة من الرخام في حجرة من الرخام مستديرة كالحفرة قطرها ١١ متراً وعمقها ستة أمتار لا غطاء فوقها. وفي وسط الحجرة قبر نابليون يحتوي على بقاياه التي نقلت من جزيرة القديسة هيلانة سنة ١٨٤٠ وقد بني ذلك