صفحة:رحلة جرجي زيدان إلى أوربا.pdf/39

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
- ٣٣ -

الاعتذار منه لئلا تتهم بالفظاظة ولكن هذه العادة آخذة بالزوال من بيننا في الطبقة الراقية.

واعتبر ذلك في صدق المواعيد فإنه تابع للشعور بالواجب وهو ينقصنا لكنه آخذ في الشيوع بين المتعلمين.

لا يعنيني

ومن الأخلاق الفرنساوية الشائعة في باريس اشتغال كل منهم بنفسه عن سواه فلا يتعرض أحد إلى شؤون جاره بالاستطلاع أو التجسس. وهو من طبائع أهل المدن الكبرى وطبيعي شيوعه في باريس وهي ثالثة مدائن العالم. وتجسس الأخبار والدخول في أحوال الآخرين يكثر في القرى الصغيرة لتفرغ أهلها للأحاديث ولأنهم مطلعون على عورات جيرانهم ولا يخلون من التحاسد أو التباغض وكلما اتسعت المدينة قلَّت تلك العادة فيها ولذلك كان أهل باريس من أكثر الناس بعداً عنها. فإن أحدهم يمشي وهمه نفسه ولا يلتفت إلى سواه. أو يجلس في القهوة ولا يلتفت إلى جليسه من هو وقد يكون بجانبه رجل وامرأة يتغازلان أو يتداعبان فلا يهمه ذلك. وهذا ما نعبر عنه بضعف الغيرة ولا يستطيع الشرقي احتماله. أما الفرنساوي فيتحمله ولسان حاله يقول «لا يعنيني».

ولكنه مع ذلك جنوح إلى النجدة وفيه أريحية إذا استحثته على منقبة اندفع إليها بكليته ولو جره ذلك إلى خسارة أو حمَّله مشقة.

رحلة جرجي زيدان

(٣)