صفحة:تاريخ الآداب العربية في الربع الأول من القرن العشرين (1926) - لويس شيخو.pdf/52

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

48 الآداب العربية في الربع الأول من القرن العشرين

يستدعي بعض الأدباء إلى مواجهته من رسالة: ( ... إني وإن لم أكن أسعدت من قبل باجتلاء طلعتك الزاهرة واجتناه مفاكهتك الغضة فقد دلني على الليث زئيره، وعلى النهر خريره، وعلى السيف جوهره، وعلى العقل أثره. ولئن لم يجمعنا لحمة النسب، فقد جمعتنا حرفة الأدب، أو لم يضمنا قبل مرتبع، فالطيور على أشكالها تقع، وشبه الشيء منجذب إليه، وأخو الفضائل هو المعول عليه، وهذه الرقعة وإن وصفت لك بعض ما أنا مطوي عليه من التهافت على رؤيتك والميل إلى صداقتك فقلما تنوب عن المشافهة أو تقضي حاجات في النفس طالما تردد صداها، وفي ظني أن سيدي يود ما أوده، وعما قليل يسفر صبح اللقاء، ونتجاذب أهداب المعرفة فأرى من سيدي فوق ما توسمته وسمعته) ويرى مني ما يرضيه والسلام.

والثاني (أحمد أفندي سمير) اشتهر أيضا بمكاتباته للأصحاب. فمن قوله بمعنى ما سبق للشيخ أحمد مفتاح في التعارف والتواد: (يعلم سيدي أن المودة لا تباع ولا تشري وإنما هي نتيجة الاجتماع والتعارف، وقد خلق الإنسان مضطرا إليهما لأن انتظام العمران عليهما موقوف. ولهذا شهد العيان بأن المنفرد بأعماله المستبد بآرائه عرضة للخطأ مظنة لعدم الثقة ... إذ لا جرم أن المرء كما قيل (قليل بنفسه كثير بإخوانه) وقد سمعت عن السيد وقرأت من آثاره المأثورة ما حببه إلي وشاقني التعرف به لنشترك في منفعة تبادل الأفكار ... ) .

وقد اغتالت المنية في وقت الحرب الكونية سنة 1917 أحج الأدباء اللغويين الأستاذ الجليل (حمزة فتح الله) كان في مصر مفتش اللغة العربية بنظارة المعارف العمومية. توفي ضريرا وله تآليف شتى بالنثر والنظم ونشر في جرائد الإسكندرية المقالات المتعددة وكان يحب أن يوصف كلامه بالألفاظ الغريبة دلالة على سعة معارفه بمفردات اللغة. ودونك مثالا من بعض رسائله في الشرق:

(مولاي أما الشوق إلى رؤيتك فشديد وسل فؤادك عن صديق حميم، وود صميم، وخلة لا يزيدها تعاقب الملوين وتألق النيرين إلا وثوقا في العرى، وإحكاما في البناء، ونماء في الغراس، وتشييدا في الدعائم. ولا يظنن سيدي إن عدم ازدياري ساحته الشريفة، واجتلائي طلعته المنيفة، لتقاعس أو تفسير، فإن لي في ذلك معذرة اقتضت التأخير، والسيد أطال الله بقاءه أجدر من قبل معذرة صديقه ... وبعد فرجائي من مقامكم السامي أن لا تكون معذرتي عائقا لكم عن زيارتي فلكم مننا طوقتموها ولكم فيها فضل البداءة وعلي دوام الشكران والسلام) .

هذا مجمل ما وقفنا عليه من أخبار أدباء مصر في هذه الحقبة الثانية إلى أواخر الحرب الكونية ولعله فاتنا بعض أخبارهم لانقطاعنا في تلك المدة عن عالم الأدب.