لها من العطش والجوع والبرد. وكان الشهابي الكبير قد كتب لهم مثل ما تقدم فقاموا بمعيته أربعون شيخاً بينهم ألف رجل. ومثلوا أمام الحكمدار وقدموا الطاعة اليه مشفوعة بسبع مئة بندقية من سلاحهم وألفي بندقية غنموها من الجيش. وتلا عليهم الحكمدار أمر العفو فعادوا إلى قراهم آمنين1.
وكتب السرعسكر إلى حسين باشا الباشمعاون في الرابع من آب سنة ١٨٣٨ يقول: حينما أصبح عصاة اللجاة في حالة النزاع والاحتضار ثار دروز راشيا وحاصبيا فسقنا عليهم أمير لواء الغارديا الثاني بأورطتين وعدد من فرسان الهنـادي فأبى اللواء أن يعسكر في العراء وتحصن في بيت كبير. ولما بلغنا هذا الخبر قمنا بنفسنا إلى راشيا فعلمنا أن اللواء خرج منها إلى بعلبك مشتتاً شمل جنوده. فعسكرنا في الساعة الثانية من ذلك اليوم في سهل راشيـا وشرعنا في القتال في غده. ففتحنا راشيا وقتلنا ثلاث مئة درزي واستعدنا المدافع والجبەخانة التي كانت قد وقعت في يد الثوار يوم إبراهيم بك. وقد جاء أكثر من ألفي رجل من جبل الدروز ليمدوا إخوانهم بالمساعدة. وكنا نحن قد طلبنا مصطفى باشا وعساكره فذهبنا إلى المضيق الذي سيمر منه الأشقياء فوجدنا شرذمة منهم وشرعنا في قتالها فهزمناها وألقينا في هاوية الجحيم أكثر من ألف منها. ثم علمنا أن العصاة يحتشدون في الجبال في شبعة على بعد خمس ساعات من راشيا فزحفنا عليهم ووجدناهم في مضيق متين يقع على بعد ساعة من هذه الناحية. فانهزموا في طرفة عين وأرسل كثير منهم إلى نار الجحيم. وجاء شيوخهم سحراً يتأمنون ويستسلمون قائلين «دخيلك» فأخذنا منهم أسلحتهم. وكان قد هرب فريق منهم إلى اللجاة وبلغ سليمان باشا خبرهم فاعترض سبيلهم وأهلك عدداً يزيد على المئة. ولما وصلنا إلى اللجاة بعثنا رسولاً إلى داخل البلد يبلغهم أنهم إذا لم يستسلموا قتلوا جميعاً بالسيف الصارم. فانتدبوا رجلاً من فورهم وجاءنا يقول دخيلك ويلتمس الأمان. ولقد آمناهم رحمة بأطفالهم ونسائهم وأخذنا أسلحتهم وسقناهم إلى قراهم. فنخبركم أن هذا الأمر قد تم وانتهى بحسن الخاتمة2.
هذا ولا يخفى ما في هذا كله من الإجمال والغموض والتبجح. وهو إن صدر عن السرعسكر نفسه فإنه لا يؤخذ على علاته.
بشير بين السلطان والعزيز ج ۲ – ۲