صفحة:بشير بين السلطان والعزيز، الجزء الثاني (الجامعة اللبنانية، الطبعة الثانية).pdf/21

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
١٣٥
الفصل السابع: الاضطرابات والقلاقل

رغبته في الاستقلال. وكتب هؤلاء إلى حكوماتهم بذلك فجاء الرد بالرفض ونصحته بريطانية بالعدول عن مشروعه لأن حالة أوروبة السياسية لا تسمح له بتحقيق أمنيته. فأرجا العزيز البحث لفرصة أخرى1. ولكن طلبه هذا أقلق البريطانيين وأقض مضجعهم لأنهم رأوا في طموح العزيز تهديداً لسلم طالما أنشدوه وسبباً لتدخل الروس وتطبيق معاهدتهم المشؤومة. وذهب بعضهم إلى أبعد من هذا فقال بوجود تفاهم ضمني بين العزيز وبين الروس2.

وهكذا فإننا نرى الإنكليز يوفدون إلى بيروت في مطلع السنة ١٨٣٥ أحد موظفي سفارتهم في الآستانة ليتصل بالشهابي الكبير ويفرق بينه وبين العزيز فيحد من مطامع هذا ويبعد إمكانية التدخل الروسي. اتصل السر ريتشارد وود هذا ببشير الثاني فأبان له الخطر الذي يحيق بشخصه من جراء تفاهمه مع العزيز وأشار إلى فصل بر الشام عن مصر وإلحاقه ثانية بالسلطنة، فأجاب الشهابي بأنه مستعد للتعاون مع السلطان وأنه بإمكانه أن يضع تحت تصرفه أربعين ألف لبناني ولكنه رأى أن ذلك سيؤدي حتماً إلى حرب طاحنة لا يجـد الأتراك بعدها في بر الشام إلا الحجارة. فغزا الرسول البريطاني هذا التردد في نفس الأمير إلى نفوذ فرنسة عليه وراح يفتش عن زعيم لبناني آخر يمكنه الركون إليه. فاتصل بالأمير بشير قاسم وفاوضه بما فاوض بشير الثاني به فوعد بشير قاسم بالتعاون مع البريطانيين شرط إمداده بأربعة عشر ألف بندقية. ثم قام الرسول البريطاني ببث دعايته ضد العزيز بين الموارنة وبين الدروز فأظهر رغبة لتعلم اللغة العربية وانتقى لنفسه مدرساً الخوري أرسانيوس الفاخوري أوسع كهنة الموارنة ثقافة وأقواهم حجة وأعلاهم رتبة وجاهاً وأخذ يدرس العربية عليه ويلقنه السياسة فتمكن من إبعاد الموارنة عن فرنسة كما سنرى فيما بعد. ثم اتصل هـذا الرسول بأعيان الدروز فأبان لهم خطأهم في الابتعاد عن الدولة العثمانية وأكد لهم عودة الأتراك إلى الحكم. وبعد أن تم له هذا كله رفع تقريراً به إلى سفيره في الآستانة فأمره هذا بالتوجه إلى شمالي سورية وحدود كردستان لدرس الموقف في تلك المنطقة والوقوف على قوة الجيش العثماني المرابط فيها ولا سيما أمانة قائده محمد رشيد باشا للسلطان ولي أمره. ففعل وعاد إلى لبنان بعد موقعة نزب كما سنرى فيما بعد3.


  1. محمد علي باشا إلى أبراهيم باشا: المحفوظات ج ٢ ص ٤٤٩
  2. إبراهيم باشا إلى سامي بك: المحفوظات أيضاً ج ۳ ص ۹۹
  3. عن تقرير له رفعه إلى وزارة الخارجية عام ١٨٤٥ راجع ذيل كتاب الدكتور هارولد تمبرلي بريطانية والقرم ص ٤٨١-٤٨٢