صفحة:بشير بين السلطان والعزيز، الجزء الثاني (الجامعة اللبنانية، الطبعة الثانية).pdf/122

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
٢٣٦
بشير بين السلطان والعزيز

وابن محدثها وعالمها وابن عالمها» فإنه أخذ عن شيوخ أجلاء منهم والده الشمس محمد الكزبري «وكان جميع انتفاعه منه وغالب مروياته عنه حضر دروسه في داره وفي المدرسة السليمانية وتحت قبة النسر وبين العشائين في الجامع الأموي»1. وما يصح عن دمشق من هـذا القبيل يصح عن غيرها من المدن الشامية.

وانحصر التعلم والتعليم ومعها الفكر والتأليف في اللغـة كأداة وفي القرآن والحديث والفقه كوسيلة لكسب رضى الله تعالى وضمان الآخرة. وأصبحت دراسة هذه المواضيع جامدة تحفظ عن ظهر قلب بعد أن كانت موضع دراسات مستفيضة. وقلَّ الاهتمام في علوم الحياة إلا ما كان ضرورياً منها لحساب المواريث وضبط المواقيت وتحديد مواعيد الصلاة. وقامت كلها على النقل دون العقل. وما قاله شيخ الأزهر عن زملائه في مصر ينطبق كل الانطباق على معاصريه في بر الشام وعلى خلفائهم في النصف الأول من القرن الماضي. قال المؤرخ الجبرتي: كان الوزير أحمد باشا كور المتولي على مصر سنة ١١٦١ يميل إلى دراسة العلوم الرياضية. فلما استقر بمصر قابله كبار العلماء ومنهم الشيخ عبدالله الشبراوي شيخ الأزهر، فتكلم معهم في الرياضيات فقالوا لا نعرف هذه العلوم. فتعجب وسكت. وقال الباشا يوماً لشيخ الأزهر: المسموع عندنا بالديار الرومية أن مصر منبع الفضائل والعلوم وكنت في غاية الشوق إلى القدوم إليها فلما جئتها وجدتها كما قيل تسمع بالمعيدي خيراً من أن تراه. فقال له الشيخ هي كما سمعتم معدن العلوم والمعارف. فقـال أين هي وأنتم أعظم علمائها وقد سألتكم عن بعض العلوم فلم تجيبوني وغاية تحصيلكم الفقه والوسائل ونبذتم المقاصد. فقال الشيخ نحن لسنا أعظم علمائها وأنما نحن المتصدرون لقضاء حوائجهم وأغلب أهل الأزهر لا يشتغلون بالرياضيات إلا بقدر الحاجة الموصلة إلى علم المواريث كعلم الحساب والغبار، فقال له وعلم الوقت ذلك من العلوم الشرعية بل من شروط صحة العبادة كمعرفة دخول الوقت واستقبال القبلة ووقت الصوم وغير ذلك. فقال الشيخ نعم فروض الكفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين. وهذه العلوم تحتاج إلى آلات وصناعات وأمور ذوقية كرقة الطبع وحسن الوضع والخط والرسم. وأهـل الأزهر غالبهم فقراء وأخلاط مجتمعة من القرى والآفاق فيندر فيهم القابلية لذلك»2. هذا ولم يبـدأ الأخذ بأساليب أوربة الحديثة في سورية وفلسطين إلا بعد أن صدرت الأوامر به في أواخر


  1. المرجع نفسه ص ۱۳۹-١٤٠
  2. عجائب الآثار في التراجم والأخبار ج ۱ ص ۱۹۳