من ألف وأربع مئة آقة وإنتاج لبنان بكامله إلف إلى إلف وخمس مئة قنطار وكان حله على دواليب خاصة تحرك باليد وتوضع قرب الينابيع، وقبيل الفتح المصري جاء إلى بيروت نقولا بورتاليس ابن إتيان بورتاليس الشهير فوجد الحرير اللبناني رخيصاً للغاية وعول على إنشاء معمل لحله بالطريقة الأوروبية ولكن الشهابي الكبير عارضه في ذلك. وعلى الرغم من هذا ابتاع الخواجه بورتاليس لنفسه قطعة من الأرض في قرية بتاتر في كنف المشايخ الملكيين. ثم أنشأ أخوه فورتوني أول معمل لحل الحرير فيها بالطريقة الأوروبية سنة ١٨٤١ وفي السنة ١٨٤٧ أنشأ مورك ذلك الإفرنسي ورفيقاه سليجان وكروزي معملاً أكبر من هذا في عين حمادة من قضاء المتن1.
وزاد عدد الأوروبيين في بر الشام وتجمعوا في بيروت مؤثرينها على غيرها لقربها من الشهابي الكبير مستظلين بأمنه وحزمه وعدله فبلغوا في أواخر النصف الأول من القرن الماضي الأربع مئة وجعلوا منها مركزاً لأعمالهم في بر الشام ناثرين عملاءهم الوطنيين في دمشق وحمص وحماة واللاذقية وطرابلس وصيدا وعكة ونابلس ويافة، واحتفظت حلب بجاليتها الإفرنجية القديمة ولكن ما ساد عاصمة الشمال من الاضطراب والفوضى من جراء تناحر الإنكشاريين والأسياد أبقى عدد الإفرنج فيها قليلاً جداً. أما دمشق وحمص وحماه فإنها لم تشجع هؤلاء على الإقامة فيها. وقل الأمر نفسه عن سائر المدن الشامية خارج لبنان2.
وأدى اهتمام الدول الأوروبية بالشرق الأقصى وبمصير الدولة العثمانية إلى تشجيع البحث والتنقيب عن بلدان الشرق الأدنى والأقصى والمتوسط وإلى إنشاء الجمعيات العلمية لهذه الغاية. فظهرت في السنة ١٨٧٨ الجمعية الهولندية الآسيوية في بتافية واقتصرت في أعمالها على ما يختص بالمستعمرات الهولندية. وقامت في السنة ١٧٨٤ جمعية بريطانية مماثلة في كلكوتة، وفي السنة ١٧٩٥ أنشأت الحكومة الفرنسية في باريز مدرسة لتعليم اللغات الشرقية الحية كان للعربية فيها نصيب وافر. وفي السنة ١٨٢١ أسس سلفيستر دي ساسي الجمعية الآسيوية الفرنسية وظهر بعدها في لندن وفي السنة ١٨٢٣ جمعية بريطانية العظمى وأرلنـدة الآسيوية الملكية. أما الجمعية الآسيوية الألمانية فإنها لم تبرز إلى حيز الوجود قبل السنة ١٨٤٥.
وكانت الأوساط الأميريكية الخالصة لا تزال مستمسكة بآراء دينية خاصة راغبة في