التالي أحمد بك ابن الكنج يوسف باشا وكيل العزيز في دمشق قام إلى داريا يخبر إبراهيم باشا بواقع الحال، فأوعز إبراهيم إلى صديقه الشهابي الكبير أن يقوم إلى الشام بجميع رجاله ففعل وتبعه إبراهيم على رأس ألاي الغارديا فحيته القلعة بالمدافع وبات الجميع تلك الليلة في المرجة خارج دمشق وفي سراي الحكومة داخلها. وفي صباح اليوم التالي نودي بأحمد بك هذا المشار إليه متسلماً على دمشق وبتشكيل مجلس «للمشورة» مؤلف من عشرين عضواً منهم المسلم والنصراني واليهودي فخرج علي آغا عرمان محافظ القلعة ومثل بين يدي الباشا وسلمه مفاتيح القلعة. وعند الظهر قام الباشا بشخصه وحده إلى الجامع الأموي لحضور صلاة الجمعة. فاحتار العلماء والأئمة باسم من يخطبون باسم السلطان أو باسم العزيز. فأجابهم الباشا إني لا أزال عبداً للسلطان فاخطبوا باسم السلطان وادعوا للعزيز1.
وعرض القائد الفاتح جنوده وأجرى بعض المناورات العسكرية فخرجت دمشق بأسرها لحضور العرض. «وكان الوزير والأمير بشير واقفين قدام الخلق» فتقدم بعض الآغاوات الذين فروا مع علوش باشا و«تراموا» على الأمير اللبناني فتشفع بهم أمام القائد وقبلت شفاعته وعفي عنهم - المفتي والنقيب ومحمد آغا كيلار أمين ورشيد آغا الشوملي2. ونفى القائد أولاد الزعماء الباقين الذين نكثوا بوعودهم وفروا مع الوالي وأبعد عن دمشق كل من خشي أمره3.
وترك هذا الفتح اليسير أثراً بالغاً في نفس إبراهيم فإنه كتب إلى الديوان الخديوي يقول: «على المصريين ألا ييأسوا من دخول الجنة فالجنة نفسها قد دخلت تحت حكمنا4. وأعلن نبأ دخوله إلى دمشق في مرسوم وجهه إلى أعيان حلب وأهاليها قال فيه: «ومن ثم أتينا الشام ذات الابتسام فلاقتنا بوجه عبوس وأرادت محاربة عساكرنا الشوس فلم يكن أقـل حتى دخلوا جميعاً تحت نير الإطاعة فدخلناها بسلام بعد التسليم وتلا سيفنا على نار فتنة هذه الأقطار ﴿يَٰنَارُ كُونِى بَرْدًا وَسَلَٰمًا عَلَىٰٓ إِبْرَٰهِيمَ﴾»5. ولمس العزيز أثراً لهـذه
- ↑ مذكرات تاريخية بقلم معاصر حكومي نشرها الجوري قسطنطين الباشا ص ٤٨-٥٨ كذلك كادالغان وبارو ص ۱٥۲-۱٥٥
- ↑ المرجع نفسه ص ٥۸-٥۹
- ↑ محمد علي باشا إلى إبراهيم باشا ٢٦ محرم سنة ١٢٤٨٨ (حزیران ۱۸۳۲): المحفوظات ج ۲ ص ۲۸ و۳۲ و٣۸
- ↑ ۲۱ محرم سنة ۱٢٤٨ (حزيران ۱۸۳٢): المحفوظات ج۲ ص ۲٥
- ↑ غير مؤرخ الأصول العربية ج۲ ص ۱۱-۱۲