صفحة:الآراء والمعتقدات (1926) - غوستاف لوبون.pdf/41

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تم التّحقّق من هذه الصفحة.
–٤١–

تشاهد تلك التقلبات على الخصوم عندما يطرأ اختلال عظيم على ما بين البيئة الاجتماعية التي تغيرت فجأة وبين المشاعر من توازن، والوقوف على التوازن بين البيئة التي تكتنفنا والعناصر التي تتألف منها انما هو على جانب عظيم من الأهمية، فهذا التوازن لا يختص بعلم النفس وحده بل يتناول علم الكيميا وعلم الطبيعة وعلم الحياة أيضاً، فالجسم - سواء أكان جماداً أم كان من ذوات الحياة - ينشأ عن توازن بينه و بين بيئتهِ، ويتبدل هذا الجسم بتبدل البيئة، فقد تمكن سبيكة الفولاذ أن تصبح بخاراً خفيفاً إذا كانت في بيئة ملائمة.

وكذلك فان اقطاب السياسة يقدرون عند الحاجة على تغيير ما بين عناصر الخلق القومى من توازن وذلك يجعلهم ما هو ملائم منها لمقتضيات الزمن يتغلب على الأخرى.

١ – تقلبات الذات

تبين من الملاحظات السابقة أن الذات قد تتحول، وتشتق هذه الذات كما رأينا من عاملين لازمين هما الموجود نفه ثم بيئتهُ، والقول بأن ذات الانسان متحولة لا يلائم الأفكار التقليدية التي تزعم ثبات الذات ووحدتها.

حقاً إن ذات الإنسان تتألف من خليات لا يحصى عديدها، وكل خلية تشترك في تكوين وحدة الذات اشتراك الجندى في تكوين وحدة الجيش والتجانس الواقع بين الألوف من الرجال الذين يتألف الجيش منهم ناشئ عن اتحاد حركتهم الذي قد تقضي عليه علل كثيرة.

ولا طائل تحت الادعاء بأن الذات تظهر ثابتة على وجه العموم، فالذات إذا لم تتغير فذلك لعدم تحول البيئة الاجتماعية، ولو تحولت البيئة فجأة – كما يقع أيام الفتن – لتبدل الاشخاص أنفسهم تماماً، فقد شوهد في دور الهول الأكبر رجال من أبناء الطبقات الوسطى اشتهروا في الماضي بدماثة أخلاقهم ولين طبائعم قد اصبحوا سفاكين متعصبين، و عندما هدأت الزوبعة وعادت البيئة السابقة رجعت الى أولئك الرجال شخصيتهم السلمية، ولقد فصلت هذه النظرية منذ زمن بعيد فأثبت أن حياة رجال الثورة الفرنسوية تظل سراً غامضاً بدونها.