صفحة:الآراء والمعتقدات (1926) - غوستاف لوبون.pdf/33

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تم التّحقّق من هذه الصفحة.
–٣٣–

يتطور بها الذكاء، نعم يظهر أول وهلة أن التاريخ يناقض هذا الفكر، لأن التاريخ بدلنا على أن مشاعر جديدة تتولد مختلفة عن التي جاءت قبلا اختلافاً عظيماً، فالأمة التي ظهرت في وقت بمظهر المحب للحرب لا تلبث أن تصبح مسالمة، وكثيراً ما تجيء الحاجة الى المساواة بعد الحاجة الى التفاوت، وطوراً تحل الزندقة مكان الإيمان، إلا أن تحليل هذه الأمور يثبت لنا أن تطور تلك المشاعر ليس إلا ظاهرياً، فالحقيقة هى أن المشاعر لا تبدل سوی توازنها، وعلة هذا التبدل هو كون الانسان في المجتمع يضطر الى تكييف مشاعره حسب مقتضيات الوقت التي يلجىء إليها تعاقب الأحوال، فتستولى حينئذ بعض المشاعر التي كانت مزجورة على البعض الآخر

وقد يبدو أنا أحياناً أن المشاعر تغيرت مع أن هذا التغير لم يكن إلا موضعياً، فالأمل الجاذب الذي يقود العامل في الوقت الحاضر الى الحانات حيث يعده رسل الانجيل الجديد بجنة مقبلة هو عين المشاعر التي كانت تسوق آباءنا إلى الكنائس حيث كان يتراءى لهم من بخار لبُانها تفتحُ أبواب السعادة الأبدية.

٢ – مظاهر الحياة العاطفة : الانفعالات والمشاعر والحرص

يطلق المؤلفون على مظاهر الحياة العاطفة اسم الانفعالات أو اسم المشاعر، وعندى أن وصف تلك المظاهر يتطلب تقسيمها إلى ثلاثة أنواع : الانفعالات والمشاعر والحرص، فاما الانفعالات فهي مشاعر موقتة غير ثابتة وهي تنشأ عن احدى الحادثات الفجائية كالنازلة والمنعاة والوعيد والشتيمة، وتعد الغضب والخوف والهول من فصيلة الانفعالات، وأما المشاعر فهى حال عاطفية مستمرة كالحلم والرفق والدماثة الخ، وأما الحرص فصادر عن مشاعر شديدة قادرة على إبطال تأثير الأخرى كالحقد والحب الخ.

و يقابل هذه الأحوال النفسية تغير في وظائف الأعضاء مع أننا لا نعرف سوى بضع نتائج دالة على وقوع تلك التغيرات کاحمرار الوجه واضطراب الدورة الدموية الخ، فما يقع في الخليات العصبية من تبدل طبيعي أو كیماوی وما ينشأ عن هذا التبدل من مشاعر يثبتان لنا وجود صلة بين الطرفين لا نعرف عنها شيئاً سوی طورها النهائى،

(۳) – الآراء