صفحة:الآراء والمعتقدات (1926) - غوستاف لوبون.pdf/175

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
– ١٧٥ –

فلكي نصل إلى بعض النتائج يقتضى تجديد طريقة البحث في الحوادث التي يجدر اتخاذها أصلاً لبعض المعتقدات ، وبما أن هذا الموضوع يخرج قليلا من دائرة هذا الكتاب فانني اكتفى بايجاز السبب في كون الطرق المزاولة حتى الآن لا قيمة لها مبينا المواضيع التي تفيد فيها طريقة الاختبار العادي .

ونلاحظ قبل كل شيء أن المؤمنين بحوادث السحر يقولون انها لا تقع متى اردنا ، إذ ليس على الآلهة الموجبة لها أن تسير حسب أهوائــا ، فالمشترى يرسل الصواعق متى شاء وإله البحر يثير الموج ويسكنه غير ملتفت الى دعاء الربابنة والملاحين .

غير أن استحالة التنبؤ باحدى الحادثات لا يمنع الانسان من فحصها فحصا علميا عند ظهورها ، ولذا نرى أن الصعوبة التي لاحظناها ليست على جانب عظيم من الأهمية بالنسبة الى الصعوبات التي سوف نلمع اليها .

۲ – قيمة الشهادة والاختبار في البحث في المعتقدات

الشهادة هي أصل البحث في التاريخ ، والاختبار هو المرشد الهادى في مسائل العلم ، وأما في أمور السحر فـلا قيمة للشهادة ولا ينتفع بالتجربة والاختبار الا في أحوال مستثناة ، فما هو السبب في رفض الشهادة حتى عند تواتر الروايات وتوافقها ؟

أجيب عن ذلك بأن تاريخ أغلب حوادث السحر يثبت لنـا أن الوفا من الشهود ذكروا أنهم شاهدوا وقوع أمور ظهر بعدئذ أن مصدرها تهوس الأفراد أو الجموع ، ومن تلك الحوادث اتفاق الشهادات – في دعاوى قضائية عديدة أقيمت في القرون السابقة – بأن كتائب السحرة اجتمعت بالجن بين الرياح ، فمع أن حوادث التاريخ قلما تجد دعائم مثل تلك تستند اليها لإثبات صحتها فإنه لا يجرؤ اليوم أحد على المناضلة عن حوادث السحر ، وليس الآن حظ المعجزات التي شاهدها مئات من الناس في القرون الغابرة بأحسن من حظ تلك من حيث صحتها وثبوت وقوعها .

وعليه يجدر بنا أن لا نعتمد على الشهادات ولاعلى الاختبار الفردي في درس الحوادث الخارقة ، فالتلقين هو المصدر الدائم لهذه الأمور ، ويؤثر التلقين