صفحة:الآراء والمعتقدات (1926) - غوستاف لوبون.pdf/130

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
– ١٣٠ –

إن ما في زي النساء من عناصر عقلية ناشئ عن مقتضيات الاقتصاد والمخترعات والحاجات الحديثة وحكم الوقت الخ ، وتلاحظ هذه المؤثرات في تبدل الأزياء الذي أوجبه استعمال السيارات ، فقد اضطرت المرأة في دورنا القائم على مبدأ السرعة الى مجاراة الرجل في غدوه ورواحه في الشوارع الكبيرة ، فعم لذلك الزي المشذب – الذي كان يخص بعض الألعاب الرياضية – مع قليل من التعديل ، وأما الاثواب الأخرى فقد ضيقت فيها أكمام الدرع لتنساب في الجرز بسهولة ، غير أن ذلك جمل نصف المرأة الفوقاني الذي خرج على هذا الوجه غير مستظرف ، ومن اجله نقص اتساع البذلة التحتاني وألفي الجيبان كي تبدو مكيفة ، ثم إن المرأة طمعا في إيقاظ شهوة الناظرين لم تأل جهداً في جعل بذلتها تلاصق جسمها ملاصقة تامة مبدية من وجودها ما يمكن الرجل أن يستدل به على ما بقى

ولا اعتراض على النساء اللواتي يقطن المدن اذا لبسن البسة حريرية خفيفة أيام الشتاء بعد أن تم تدفئة البيوت بالبخار ذي الحرارة المرتفعة ، والمرأة المتسربلة بالحرير تنال في ذلك الفصل ما تحتاج اليه من الحرارة من عباءة الفرو حينما لا تكون في بيتها.

تلك هي العناصر العقلية التي تؤثر في تكوين الزي ، فلتتكلم الآن عن العناصر العاطفية ذات الشأن في ذلك التكوين : نقول قبل كل شيء إن الذي هو كاللغات والأديان من عمل المجموع لا من عمل الفرد ، ولذلك يتعذر على أي رجل أن يوجبه على الآخرين ، والناس يظنون خطأ أن الخياطين والممثلين وعارضي الألبسة هم الذين يوجدون الزي بوجه عام ، نعم إنهم مخطئون في ظنهم لأن الواقع يدل على أن هؤلاء لا يفعلون بالحقيقة سوى التعبير عن مناحي الناس وميولهم التي هي نتيجة بعض الحاجات والأفكار والأحوال .

والأزياء وان كانت تختلف من فصل الى آخر لا يتحقق الأمل في تبديلها إلا ضمن دائرة محدودة ، أجل ، إن الذي لا يروق النفس إلا إذا استوقف النظر ولكن لا يتم نجاحه إلا إذا لم يبتعد من الزي الذي تقدمه ، وهـذا ما يوضح لنا السبب في كون الزي المبتكر من كل وجـه لا يدوم طويلاً ، ولا يستقيم