صفحة:الآراء والمعتقدات (1926) - غوستاف لوبون.pdf/111

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
– ١١١ –

٤ – زيادة تأثير الجموع الحاضرة في تكوين الآراء و نتائج ذلك.

لما كان تأثير سلطان الجموع الزائد أحد العوامل التي لا مناص منها في الحياة الحديثة فانه يقتضى أن نعرف كيف نعانيه، وقد سلم ( باسكال ) بذلك حيث قال : « لماذا تتبع الأكثرية ؟ ألأنها اكثر عقلاً ؟ لا، بل لأنها أعظم قوة» .

و بناء على ما في العدد من قوة أوعلى ما أعطى قادة العدد من سطوة تعتقد الجماعة التي هي العدد قادرة على فعل كل شيء، وبذلك زاد عدد مصانعيها حتى أصبح الوزراء والمشترعون عبيداً لها، وما أضعف رجال السياسة امام صخب الجموع وهزيزها، فاكثرهم اعتدالاً يذعنون لها وفرائصهم ترتعد فرقاً، ولا يتأخرون - كما لوحظ في بر است - عن التوقيع على بيان لترويج مرشح للبرلمان مجرد عن الوطنية اذا أمرتهم بذلك لجان الانتخاب الساقطة.

على أن تلك العبودية هي الناموس السائد لجميع الأجيال، فمتى طمع شعب في الحرية أو تقهقر الى الاستعباد فانه يجد أساتذة ومحامين يبررون اندفاعاته تبر برا عقليا مهما تكن هذه الاندفاعات خطرة ذات أهوال، واليوم آراء الجموع هي التي تملى على المشترعين أمر من القوانين، وبما أن الاهواء الموقتة لا الضرورة هي مصدر القوانين المذكورة فان عاقبتها القضاء على الحياة الصناعية والاجتماعية والاقتصادية في البلاد، وأما أولو الأمر الإداريون فانهم يقتصرون على اتباع تقلبات الرأي لشعورهم بالعجز عن تكييفه فيزيدون ضغنا على إيالة.

يشاهد وقوع ذلك كل يوم، ومن الأمثلة المحزنة في هذا البـاب هو اعتصاب الملاحين الأخير الذي كاد يقضى على تجارة بلاد الجزائر، فمنذ إعلان الاعتصاب المذكور أصبحت الجزائر في حالة حصار بحري، وهكذا قطعت المواصلات بين الجزائر والاقطار الأخرى ثلاثة أشهر سنة ١٩٠٤ وشهراً واحداً سنة ١٩٠٧ وشهرين سنة ١٩٠٩ وقد كان يكفى لمعالجة ذلك الحصار أن تعدل الدولة موقتا عن نظام احتكار الملاحة الفرنسوية لبلاد الجزائر وأن تسمح للمراكب الأجنبية بأن تكون صلة اتجار بين الجزائر وفرنسا لأجل معين، غير أن ميل النواب الى مداراة النواتي ذوى الحق في الانتخابات النيابية أوجب عدم اكتراثهم لخسارة الجزائر التي تقدر بملايين كثيرة.