ونزل وغطس، ثم عالج إلى أن خلَّصَها وأطلعها على البر، فوجد فيها زيرًا كبيرًا، وهو ملآن برَمْلٍ وطين، فلما رأى ذلك تأسَّفَ، وأنشد قول الشاعر:
ثم إنه رمى الزير، وعصر شبكته ونظَّفها، واستغفر الله وعاد إلى البحر ثالث مرة، ورمى الشبكة وصبر عليها حتى استقرت، وجذبها فوجد فيها شقافة وقوارير، فأنشد قول الشاعر:
ثم إنه رفع رأسه إلى السماء وقال: اللهم إنك تعلم أني لم أَرْمِ شبكتي غير أربع مرات، وقد رميت ثلاثًا. ثم إنه سمَّى الله ورمى الشبكة في البحر، وصبر إلى أن استقرت وجذبها، فلم يطق جذبها، وإذا بها اشتبكت في الأرض، فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله. فتعرى وغطس عليها، وصار يعالج فيها إلى أن طلعت على البر، وفتحها فوجد فيها قمقمًا من نُحاس أصفر ملآن، وفمه مختوم برصاص عليه طبع خاتم سيدنا سليمان، فلما رآه الصياد فرح، وقال: هذا أبيعه في سوق النحاس، فإنه يساوي عشرة دنانير ذهبًا. ثم إنه حرَّكَه فوجده ثقيلًا فقال: لا بد أني أفتحه، وأنظر ما فيه، وأدَّخره في الخرج، ثم أبيعه في سوق النحاس. ثم إنه أخرج سكينًا، وعالج في الرصاص إلى أن فكَّه من القمقم، وحطه على الأرض، وهزَّه ليَنكبَّ ما فيه، فلم ينزل منه شيء، ولكن خرج من ذلك القمقم دخان صعد إلى عَنان السماء، ومشى على وجه الأرض، فتعجب غاية العجب، وبعد ذلك تكامل الدخان واجتمع، ثم انتفض فصار عفريتًا رأسه في السحاب ورجلاه في التراب، برأس كالقبة، وأيدٍ كالمداري، ورجلين كالصواري، وفَمٍ كالمغارة، وأسنان كالحجارة، ومناخير كالإبريق، وعينين كالسراجين، أشعث أغبر، فلما رأى الصياد ذلك العفريت ارتعدت فرائصه، وتشبَّكت أسنانه، ونشف ريقه، وعمي عن طريقه، فلما رآه العفريت قال: لا إله إلا الله، سليمان نبي الله. ثم قال العفريت: يا نبي الله، لا تقتلني؛ فإني