انتقل إلى المحتوى

صفحة:ألف ليلة وليلة (الجزء الأول).pdf/146

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
ألف ليلة وليلة (الجزء الأول)

ذلك التفت أبو عجيب للخادم وقال له: يا كبير، لأي شيء لا تجبر خاطري وتدخل عندي، يا مَن كأنه قصطل أسود وقلبه أبيض، يا مَن قال فيه بعض واصفيه كذا من المدح. حتى ضحك الخادم، وقال: أي شيء تقول؟ فباللّٰه قُلْ وأوجز. فأنشد في الحال هذين البيتين:

لَوْلَا تَأَدُّبُهُ وَحُسْنُ ثِقَاتِهِ
مَا كَانَ فِي دَارِ الْمُلُوكِ مُحَكَّمَا
وَعَلَى الْحَرِيمِ فَيَا لَهُ مِنْ خَادِمٍ
مِنْ حُسْنِهِ خَدَمَتْهُ أَمْلَاكُ السَّمَا

فتعجَّبَ الخادم من هذا الكلام، وأخذ عجيبًا ودخل دكان الطباخ، فغرف حسن بدر الدين زبدية من حب الرمان، وكانت بلَوْزٍ وسكرٍ، فأكلوا سواء، فقال لهم حسن بدر الدين: آنستونا، كلوا هنيئًا مريًّا. ثم إن عجيب قال لوالده: اقعد كُلْ معنا لعل الله يجمعنا بمَن نريد. فقال حسن بدر الدين: يا ولدي، هل بُلِيتَ على صِغَر سنِّكَ بفرقة الأحباب؟ فقال عجيب: نعم يا عم، أُحرِق قلبي بفراق الأحباب، والحبيب الذي فارقني هو والدي، وقد خرجتُ أنا وجَدِّي نطوف عليه البلاد، فوا حسرتاه على جمع شملي به. وبكى بكاءً شديدًا، وبكى والده لبكائه، وتذكَّرَ فرقة الأحباب، وبُعْده عن والده ووالدته، فحنَّ له الخادم وأكلوا جميعًا إلى أن اكتفوا، ثم بعد ذلك قامَا وخرجَا من دكان حسن بدر الدين، فأحسَّ أن روحه فارقَتْ جسده وراحت معهم، فما قدر أن يصبر عنهم لحظةً واحدة، فقفل الدكان وتبعهم وهو لا يعلم أنه ولده، وأسرع في مشيه حتى لحقهم قبل أن يخرجوا من الباب الكبير، فالتفت الطواشي وقال له: ما لك يا طباخ؟ فقال حسن بدر الدين: لما نزلتم من عندي كأن روحي خرجَتْ من جسمي، ولي حاجة في المدينة خارج الباب، فأردتُ أن أرافقكم حتى أقضي حاجتي وأرجع. فغضب الطواشي وقال لعجيب: إن هذه أكلة مشئومة، وصارت علينا مكرمة، وها هو تابعنا من موضع إلى موضع. فالتفت عجيب فرأى الطباخ، فاغتاظ واحمرَّ وجهه، ثم قال للخادم: دَعْه يمشي في طريق المسلمين، فإذا خرجنا إلى خيامنا وخرج معنا وعرفنا أنه يتبعنا نطرده. فأطرق رأسَه ومشى والخادم وراءه، فتبعهم حسن بدر الدين إلى ميدان الحصبا، وقد قربوا من الخيام، فالتفتوا ورأوه خلفهم، فغضب عجيب، وخاف من الطواشي أن يخبر جده، فامتزج بالغضب مخافة أن يقولوا إنه دخل دكان الطباخ، وأن الطباخ تبعه، فالتفت حتى صارت عيناه في عين أبيه وقد بقي جسدًا بلا روح، ورأى عجيب عينه كأنها عين خائن، وربما كان ولد زنا، فازداد غضبًا، فأخذ حجرًا وضرب به والده، فوقع الحجر على جبينه فبطحه، فوقع حسن بدر الدين مغشيًّا عليه، وسال الدم على وجهه، وسار عجيب هو والخادم إلى الخيام. وأما حسن بدر الدين فإنه لما

١٤٦