ثم حط الخرج تحت رأسه وفرش البساط ونام فی مكان والغيظ غالب عليه ثم انه بات فی ذلك المكان فلما أصبح الصباح ركب وصار يسوق البغلة الى ان وصل الى مدينة حلب فنزل فی بعض الخانات وأقام ثلاثة أيام حتى استراح وأراح البغلة وشم الهواء ثم عزم على السفر وركب بغلته وخرج مسافرا ولا يدری أين يذهب ولم يزل سائرا الى ان وصل الى مدينة البصرة ليلا ولم يشعر بذلك حتى نزل فی الخان وانزل الخرج عن البغلة وفرش السجادة وأودع البغلة بعدتها عند البواب وأمره ان يسيرها فاخذها وسيرها فاتفق ان وزير البصرة كان جالس فی شباك قصره فنظر الى البغلة ونظر ما عليها من العدة لمثمنة فظنها بغلة وزير من الوزراء أو ملك من الملوك فتأمل فی ذلك وحارعقله وقال لبعض غلمانه ائتنی بهذا البواب فذهب الغلام الى البواب وأتي به الی الوزير فتقدم البواب وقبل الارض بين يديه وكان الوزير شيخا كبيرا فقال للبواب من صاحب هذه البغلة وما صفاته فقال البواب يا سيدی ان صاحب هذه البغلة شاب صغير ظريف الشمائل من أولاد التجار عليه هيبة ووقار فلما سمع الوزير كلام البواب قام على قدميه وركب وسار الى الخان ودخل على الشاب فلما رأى نور الدين الوزير قادما عليه قام علی قدمیه ولاقاه واحتضنه ونزل الوزير من فوق جواده وسلم عليه فرحب به وأجلسه عنده وقال له يا ولدی من أين أقبلت وماذا تريد فقال نور الدين يا مولای اني قدمت من مدينة مصر وكان أبی وزيرا فيها وقد انتقل الى رحمة الله وأخبره بما جرى من المبتدأ الى المنتهى ثم قال وقدعزمت على نفسی أن لا أعود أبدا حتى انطر جميع المدن والبلدان فلما سمع الوزير كلامه قال له يا ولدی لا تطاوع النفس فترميك فی الهلاك فان البلدان خراب وأنا أخاف عليك من عواقب الزمان ثم انه أمر بوضع الخرج عن البغلة والبساط والسجادة وأخذ نور الدين معه الى بيته وانزله فی مكان ظريف وأكرمه وأحسن اليه وأحبه حبا شديدا وقال له يا ولدی أنا بقيت رجلا كبيرا ولم يكن لی ولد ذكر وقد رزقنی الله بنتا تقاربك فی الحسن ومنعت عنها خطابا كثيرة وقد وقع حبك فی قلبی فهل لك أن تأخذ ابنتی جارية لخدمتك وتكون لها بعلا فان كنت تقبل ذلك اطلع الى سلطان البصرة وأقول له انه ولد أخی وأوصلك اليه حتى أجعلك وزيرا مكانی والزم أنا بيتی فانی صرت رجلا كبيرا فلما سمع نور الدين كلام وزير البصرة أطرق برأسه ثم قال سمعا وطاعة ففرح الوزير بذلك وأمر غلمانه أن يصنعوا له طعاما وان يزينوا قاعة الجلوس الكبرة المعدة لحضور أكابر الامراء ثم جمع أصحابه ودعا أكابر الدولة وتجار البصرة فحضروا بين يديه وقال لهم انه كان لی أخ وزير بالديار المصرية ورزقه الله ولدين وانا كما تعلمون رزقنی الله بنتا وكان أخی أوصاني أن أزوج بنتی لأحد أولاده فاجبته الى ذلك فلما استحقت الزواج أرسل الی أحد أولاده وهو هذا الشاب الحاضر فلما جاءنی أحببت ان أكتب كتابه على بنتی ويدخل بها عندی فقالوا نعم ما فعلت ثم شربوا السكر ورشوا ماء الورود وانصرفوا وأما الوزير فانه أمر غلمانه أن ياخذوا نور الدين ويدخلوا به الحمام وأعطاه الوزير بدلة من خاص ملبوسه وأرسل اليه الفوط والطاسات ومجامر البخور وما يحتاج اليه فلما خرج من الحمام لبس البدلة فصار كالبدر ليلة تمامه ثم ركب بغلته ولم یزل سائرا حتی وصل الی قصر
صفحة:ألف ليلة وليلة.djvu/70
المظهر