شوقي

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

شوقي

​شوقي​ المؤلف علي محمود طه


هجر الأرض حين ملّ مقامه
و طوى العمر حيرة و سآمه
هيكل من حقيقة و خيال
ملك الحبّ و الجمال زمامه
ألهم الشعر أصغريه فرفّا
في فم الدّهر كوثرا و مدامه
سلسبيل من حكمة و بيان
فجّر الله منهما إلهامه
تأخذ القلب هزّة من تسا
قيه و ينسى بسحره آلامه
غمر الأرض رحمة و سلاما
و جلا الكون فتنة و وسامه
مالئا مسمع الوجود نشيدا
علّم الطّير لحنه و انسجامه
ماله و الزّمان مصغ إليه
ردّ أوتاره و حطمّ جامه؟
روّع الطّير يوم غاب عن الأيـ
ـك و سالت جراحها الملتامه
ما الذي شاقه إلى عالم الرّو
ح؟ أجل تلك روحه المستهامة!
راعها النّور و هي في ظلمة الكو
ن فخفّت إليه تطوي ظلامه
هي بنت السّماء و هو من الأرض
سليل نما التّراب عظامه
فاهتفوا باسمه فما مات لكنّ
آثر اليوم في السّماء مقامهّ
حدثتني الرّياض عنه صباحل
ما لصدّاحها جفا أنغامه؟
و شكا لي النّسيم أول يوم
لم يحمّله للحبيب سلامه
و تسمّعت للغدير ينادي
ما الذي عاق طيره و حيامه؟
أتراه ترشفّ الفجر نورا
أم شفى من ندى الصّباح أوامه
و رأيت الجمال في شعب الوادي
ينادي بطاحه و إكامه
صارخا يستجير شاعره الشّا
دي و يدعو لفنّه رسّامه
فتلفّت باكيا و بعيني
شبح تخطر المنون أمامه
هتف القلب بالمنادين حولي
لقي الصّداح الطّروب حمامه
فاذكروا شدوه بكلّ صباح
و ارقبوا من خياله إلمامه
و املأو الأرض و السّماء هتافا
عله لم ير الصّباح فنامه
لم يرعني من جانب النّيل إلاّ
كرمة فةقها ترفّ غمامه
تحت ساجي ظلالها زهرة تبـ
ـكي و في فرعها تنوح حمامه
عرفتها عيني و ما أنكرتها
من ظلام و وحشة و جهامه
قلت يا كرمة ابن هاني سلاما
ليس للمرء في الحياة سلامه
نحن لو تعلمين أشباح ليل
عابر ينسخ الضّياء ظلامه
و الذي تلمحين من لهب الشّمـ
ـس غدا يطفئ الزّمان ضرامه
و الذي تبصرينه من نجوم
فلك يرصد القضاء نظامه
و المراد المدلّ الورد زهوا
كالذي أذبل الردّى أكمامه
عبثا تنشد الحياة خلودا
و نرجّي الصّبا و نبغي دوامه
إنّما الأرض قبرنا الواسع الرّحـ
ـب و في جوفه تطيب الإقامه
أودع القلب في آلامه الكبـ
ـرى و ألقى ببابه أحلامه
نسي النّاعمون فيه صباهم
و سلا المغرم المشوق غرامه
فامسحي الدّمع و ابسمي للمنايا
إنّ دنياك دمعة و ابتسامه!!
أيّها المسرح الحزين عزاء
قد فقدت الغداة أقوى دعامه
ذهب الشّعر الذي كنت تستو
حي و تستلهم الخلود كلامه
واهب الفنّ قلبه و قواه
و المصاب فيه ودّه و هيامه
ربّ ليل بجانبيك شهدنا
قصّة الدّهر روعة و فخامه
أسفر الشّعر عن روائعه فيها
و ألقى عن الخفاء لثامه
فأعد عهده و أحي لياليـ
ـه و جدّد على المدى أيّامه
و لك اليوم همّة في شباب
ملأوا العصر قوّة و همامه
نزلوا ساحة يشيدون للمجـ
ـد و شقّوا الحياة زحامه
فاذكروا نهضة البيان بأرض
أطلعت في سمائه أعلامه
إنّها أمة تغار على الفنّ
و ترعى عهوده و ذمامه
لم تزل مصر كعبة الشّعر في الشّر
ق، و في كفّها لواء الزّعامه
إنّ يوما يفوتها السّبق فيه
لهو يوم المعاد يوم القيامه!!