شرح تشريح القانون لابن سينا/المقدمة/البحث الثاني

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
​شرح تشريح القانون لابن سينا​ المؤلف ابن النفيس
المقدمة - البحث الثاني



البحث الثاني

فوائد علم التشريح


انتفاع الطبيب بهذا العلم بعضه في العلم، وبعضه في العمل، وبعضه في الاستدلال.

وأما انتفاعه في العلم والنظر، فذلك لأجل تكميله معرفة بدن الإنسان، ليكون بحثه عن أحواله وعوارضه سهلاً.

وأما انتفاع بالعمل فمن وجوه: أحدها أنه يعرف به مواضع الأعضاء فيتمكن بذلك من وضع الأضمده ونحوها حيث يسهل نفوذ قواها إلى الأعضاء المتضررة.

وثانيها: أنه يعرف به مبادئ شعب الأعضاء ونحوها، ومواضع تلك المبادئ فيتمكن من عرض لها خروج عن ذلك بخلع أو نحوه.

ورابعها: أنه يعرف به أوضاع الأعضاء بعضها من بعض فلا يحدث عند البط ونحوه قطع شريان، أو عصب، ونحو ذلك.

وكذلك لا يقطع ليف بعض العضلات في البط ونحوه. وذلك لأجل تعرفه مذاهب ألياف العضل.

وأما انتفاع الطبيب بهذا الفن في الاستدلال، فذلك قد يكون لأجل سابق النظر، وقد يكون لغير ذلك.

أما الأول: فكما إذا احتاج الطبيب إلى قطع عضو، فإنه إن كان عالماً بالتشريح تمكن حينئذ من معرفة ما لزم ذلك القطع من الضرر الواقع في أفعال الشخص فينذر بذلك. فلا يكون عليه بعد وقوع ذلك الضرر لائمة.

وأما الثاني: فكما إذ كان يستدل به على أحوال الأمراض.

أما أمراض الأعضاء الظاهرة، فكما يستدل على أن ابتداء الرمد هو من السمة وذلك إذا شاهد الانتفاخ يبتدئ أولاً من الجفن.

وأما أمراض الأعضاء الباطنة، فإن الطبيب ينتفع به في الاستدلال عليها سواء كان ذلك الاستدلال من جواهر الأعضاء أو من أعراضها، أو منهما جميعاً.

أما الاستدلال من جوهر الأعضاء فإما أن يكون مما يبرز من البدن أو لا يكون كذلك.

والثاني: كما يستدل حين الآفة في هضم المعدة على أن الآفة في طبقاتها الخارجة، وأسافلها، وحين هي في الشهوة على أن الآفة في أعلى طبقتها الداخلة، وذلك لأن خارج المعدة وأسافلها لحمى، وهضمها باللحم وأعلى باطنها عصبي، والحس بالعصب.

والأول إما أن يكون بروز ذلك البارز من مخرج طبيعي أو لا يكون كذلك.

والثاني: كما يستدل بالقشور الخارجة مع القيء على قروح في المعدة أو المريء.

والأول: إما أن يكون ذلك المخرج هو مخرج الثفل كما يستدل بالقطع اللحمية الخارجة في اختلاف الدم على أنها أجزاء من الكبد أو هو مخرج البول، وذلك كما يستدل بالقشور النخالية الخارجة مع وجع المثانة على حرث فيها.

وأما الاستدلال من أعراض الأعضاء، فإما أن يكون بالأعراض التي هي للأعضاء في نفسها، أو التي لها بالقياس إلى غيرها أو بهما معاً.

أما الاستدلال بالأعراض التي هي للأعضاء في أنفسها، فكما يستدل بشكل العضو أو بلونه أو بمقداره. وأما بشكله فكما يستدل على أن الورم الذي يكون تحت الشراسيف اليمنى كبدي، بأنه معترض كرى الشكل أو هلالي وعلى أنه في العضلة التي فوقها بأنه متطاول أو معترض أو مؤرب وأما أن يكون بلون العضو فكما يستدل على أن الرمل الخارج ليس من المثانة بأنه أحمر، وعلى أنه ليس بأحمر، وذلك لأن تولد كل عضو إنما يكون من فضل غذائه، فيكون شبيهاً بلونه، وأما غلظ العضو، فكما يستدل على أن القشرة الخارجة مع البراز من الأمعاء الغلاظ بأنها كبيرة غليظة، وعلى أنها من الأمعاء الدقاق، بأنها صغيرة رقيقة.

وأما الاستدلال بالأعراض التي هي للأعضاء بالقياس إلى غيرها فكما يستدل بموضع العضو أو بوضعه أو اتصاله بغيره، أو بكونه منفصلاً أو بكونه مشاركاً لأجزاء، وليس بمشارك له.

أما الاستدلال بموضع العضو فكما يستدل على أن المغص في الأمعاء الدقاق بأنه في قرب السرة أو فوقها وعلى أنه في الأمعاء الغلاظ بأنه أسفل من السرة.

وأما الاستدلال بوضع العضو، فكما يستدل على أن المحتبس في إيلاوس ليس في المعاء الصائم بأن صفة هذا المعاء وضعه في طول البدن على الأسفل.

وأما الاستدلال باتصال العضو بغيره، فكما يستدل على أن هذا المحتبس ليس في الصائم لأنه يتصل به عروق كثيرة لامتصاص الغذاء ولدفع البراز.

وأما الاستدلال بكون العضو منفذاً، فكما يستدل بكون القضيب منفذا للبول ولما يخرج معه، على أن الخارج منه من الدم لا يلزم أن يكون من القضيب نفسه.

وأما الاستدلال بكون العضو مشاركاً أو ليس مشاركاً فإن الاستدلال بعدم المشاركة فكما يستدل بأن القطع اللحمة الخارجة مع البراز ليست من الكلى لعدم المشاركة بينها وبين الأمعاء، والاستدلال بالمشاركة فهو كما يستدل بحمرة العين وسخونتها على حرارة مزاج الرأس لمشاركة العين للرأس.

وأما الاستدلال بالأعراض التي هي الأعضاء نفسها وبقياسها إلى غيرها. فكما يستدل على أن فعل المعدة هضم الغذاء بتصغير أجزائه جداً بأن المريء يتصل فيها من فوق، والأمعاء والماساريقا من سفل تجويف واسع. ولولا أن تصغر الغذاء فيها لاستحال نفوذه في الماساريقا، ولا يمكن ذلك بالمريء، لأن الغذاء لا يدوم فيه مدة في مثلها يتصغر، ولا بالمعاء وإلا كانت زيادة تجويف المعدة عبثاً ولما كان يتصل بها شيء من الماساريقا وإذا ثبت أنه في المعدة فمتى لم يتم هذا الفعل علمنا أن فيها آفة.

وأما الاستدلال من جواهر الأعضاء، وأعراضها معاً. فكما يستدل على أن الرسوب اللحمي في البول من الكبد بأنه لحمى وحمرته إلى سواد، وعلى أنه من الكلى، بأنه مع لحميته إلى صفرة.

والله ولي التوفيق.