شرح تشريح القانون لابن سينا/القسم الثاني/الفصل الثاني عشر

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة



فصل

تشريح المرارة


قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه إن المرارة كيس معلق... إلى قوله: إلى الأمعاء بإفراط أو رثت الإسهال المراري والسحج.

الشرح

لما كانت المعدة تدفع الغذاء إلى الأمعاء وتأخذ الكبد منه خالصه وصفاوته، ويبقى في المعاء ثفله وفاسده. وذلك لا محالة رديء شديد القبول للعفونة والفساد، وإذا فسد أفسد ما يجاوره من جرم الأمعاء. لا جرم أنعم الخالق سبحانه وتعالى وأجري على ظاهر جرم الأمعاء من داخل رطوبة لكن ذلك الثفل الفاسد وتلك الرطوبة لا محالة مع أنها تمنع وصول ضرر ذلك الثفل إلى جرم الأمعاء فهي لا محالة تمنع جرم الأمعاء عن إدراكه والشعور به وإلا كانت تتضرر لحدته ولذعه، وإذا كان كذلك لم يكن في الأمعاء ما يوجب الاهتمام بدفعه وإذا طال زمانه فيها تضرر خاصة الأعضاء العالية بما يتصعد منه من الأبخرة، فلذلك احتيج عند طول احتباسه وخوف التضرر ببخاره وعفنه أن يخالطه ما ينفذ إلى جرم الأمعاء ويلذعها ويحوجها إلى الاهتمام بدفعه وإنما يمكن ذلك إذا كان ذلك المخالط شديد الحدة واللذع رقيق القوام جداً يتمكن من قوة النفوذ وسرعته إلى جرم الأمعاء ويفعل فيها ذلك وليس في البدن سوى أعضاء وأرواح ورطوبات وهذا الذي يفعل ذلك لا يمكن أن يكون من الأعضاء ولا من الأرواح فهو إذاً من الرطوبات وليس في البدن رطوبة تفعل ما قلناه سوى الصفراء فلذلك لا بد عند الحاجة إلى إخراج الثفل من أن ينفذ إلى تجاويفها قسط من الصفراء ويخالط الثفل المحتبس فيها وينفذ إلى جرم الأمعاء ويلذعه ويحوجه إلى دفعه ودفع ما يخالطه من الثفل لأجل اختلاطه به وهذه الصفراء ليس يمكن أن يكون نفوذها إلى هناك من عروق البدن، ومن الأعضاء البعيدة وإلا كانت تنقطع عن النفوذ إلى تجاويف الأمعاء كثيراً لكثرة العوائق لها عن ذلك فلذلك احتيج أن يكون بقرب الأمعاء قسط متوفر من الصفراء مدخر لهذه المنفعة ونحوها. وتلك الصفراء لا بد أن تكون في وعاء يحفظها من التبدد والسيلان إلى وفق الحاجة إليها وذلك الوعاء هو المرارة فلذلك هذه المرارة لا بد منها في تنقية الأمعاء من الثفل الذي هو قد فسد واحتيج إلى إخراجه. ومع ذلك فإنها ينتفع بها في أمور أخر لتسخين المعدة والمعاء وتنقية الأمعاء أيضاً من الرطوبات اللزجة والبلغم ولذلك إذا امتنع نفوذ الصفراء من هناك إلى داخل الأمعاء حدث عن ذلك رياح وآلام شديدة كالقولنج ومع ذلك فإنها تجذبها الصفراء إليها لأجل ما ذكرناه من المنافع فإنها بهذا الجذب تنقي الدم من المرار الزائد على ما يحتاج إليه البدن ولذلك إذا بطل نفوذ الصفراء إلى المرارة كثر لذلك المرار في البدن وحدثت منها آفات منها اليرقان الأصفر.

قوله: وفم ومجرى إلى ناحية المعدة والأمعاء يرسل فيهما إلى ناحيتهما فضل الصفراء. هذا هو المشهور: وهو أن المرارة ينفذ منها إلى أسفل المعدة مجرى تصب الصفراء في أسفل المعدة وينفذ منها إلى الأمعاء مجرى آخر تنفذ منه الصفراء إلى تجاويف الأمعاء وهذا لا محالة باطل.

فإن المرارة شاهدناها مراراً، ولم نجد فيها ما ينفذ لا إلى المعدة ولا إلى الأمعاء وإنما تنفذ الصفراء منها إلى هذين الموضعين على سبيل الرشح. وذلك لأن هذه المرارة إذا كثرت فيها الصفراء وذلك عندما يأتيها الدم المراري من معقر الكبد يتمدد لذلك جرمها وتتسع مسامها فيرشح منها قسط كثير من الصفراء وينفذ من هناك في مسام التخلخل أسفل المعدة إلى داخلها ومن مسام الأمعاء إلى تجاويفها. فمن تكون هذه المرارة فيه مرتفعة قليلاً، أو يكون أسفل المعدة فيه شديد التخلخل كان ما ينفذ إلى داخل معدته من تلك الصفراء المترشحة من المرارة كثيراً جداً. وكان ما ينفذ منها إلى تجاويف الأمعاء قليلاً خاصة إذا كان جرم أمعائه مع ذلك مستحصفاً يقل نفوذها هذه الصفراء في خلله. ومن تكون هذه المرارة فيه منخفضة فإنه يقل جداً نفوذ ما يرشح منها من الصفراء إلى أسفل معدته، وأكثر ترشح تلك الصفراء يكون إلى تجاويف أمعائه وربما بلغ انخفاض المرارة في بعض الناس إلى أن لا يندفع منها إلى معقر المعدة شيء البتة وإنما لا يندفع من هذه الصفراء شيء ما إلى أعالي المعدة لان هذه المرارة ليست ترتفع إلى قرب أعالي المعدة فذلك فائدة فإن الصفراء لو نفذت إلى أعالي المعدة لأسقطت شهوة الطعام ولما كان أعالي المعدة لا يندفع إليه الصفراء بالطبع فهولا محالة يكثر فيه البلغم وغيره من الرطوبات فلذلك يحتاج إلى إخراج ذلك بالقيء فلذلك كان القيء من الأمور التي تكاد تكون ضرورية في حفظ صحة المعدة، وذلك شرط في حفظ صحة البدن كله فلذلك كان القيء من الأمور التي تكاد تكون ضرورية في حفظ الصحة. والله ولي التوفيق.