شرح تشريح القانون لابن سينا/القسم الأول/الجملة الثانية/الفصل الخامس عشر

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
​شرح تشريح القانون لابن سينا​ المؤلف ابن النفيس
القسم الأول
الجملة الثانية - الفصل الخامس عشر



الفصل الخامس عشر

تشريح عضل الصدر


والكلام في هذا الفصل يشتمل على ثلاثة مباحث: البحث الأول العضلات التي تبسط الصدر قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه العضل المحركة للصدر منها ما.... إلى قوله: وأما العضل القابضة للصدر فمن ذلك ما تقبض.

الشرح لما كان التنفس إنما يتم بانبساط يجذب معه الهواء لاستحالة الخلاء وانقباض تندفع معه فضول الروح وما يسخن من الهواء الوارد لأجل ضيق المكان واستحالة تداخل الأجسام فلا بد من عضلات تفعل ذلك ولما كان الغرض بالصدر أن يكون وقاية لما يحويه من القلب والرئة ونحوهما من الأعضاء الكريمة لم يمكن أن تكون عظامه بحيث تزول عن مواضعها عند هذه الحركات، وإلا كان يكون تركيبه واهياً فلا بد وأن تكون هذه الحركات عسرة فلذلك لا بد وأن تكون بعضلات كثيرة جداً، وخصوصاً وهذا المتحرك وهو الصدر عضو عظيم وهذه العضلات منها ما ينبسط فقط، ومنها ما ينقبض فقط، ومنها ما يفعل الأمرين. أما التي تنبسط فقط، فمنها ما هي بتحريك الصدر خاصة، ومنها ما ليس كذلك.

والثانية: زوج: كل فرد منه مضاعف يتصل أعلاه بالرقبة من قدامها ومنشؤه من أجنحة فقار الرقبة خاصة الثانية منها، وتبلغ إلى الإبط، وتصير إلى الضلع الخامس، وربما ما بين السادس، وملتحم بجزء من الخامس بالضلع الأول الذي هو عند الترقوة وهو إلى الاستدارة مع طول، وله فعل بجزئه المتصل بالرقبة، وهو جذبها إلى قدام، وفعل بالأجزاء المتصلة بالصدر وهو بسطه. وبسط هذا الزوج للصدر ظاهر بين، ولا كذلك تحريكه للرقبة فقط. فلذلك يعد في عضلات الصدر دون عضلات الرقبة وسبب ذلك أنه لما أريد منه بسط الضلع الأول بسطاً ظاهراً احتيج أن يكون متصلاً بالرقبة حتى إذا تشنج جذب ذلك الضلع إلى فوق وقدام فبسطه، وإنما يتم ذلك بقوة قوية فاحتيج أن يكون هذا الزوج عظيماً متصلاً بالرقبة كلها من قدامها، فلزم ذلك أن يكون تشنجه موجباً لانجذابها إلى أسفل. ولم يكن ذلك مقصوداً منه أو لاً، فلذلك لا يكون لها ظاهراً.

قال جالينوس: وهو يحني الرقبة مع تأريب.

أقول: إن ذلك إنما يكون إذا كان المتحرك أحد فردي هذا الزوج، وأما إذا تحركا معاً فإن جذبه للرقبة يكون على الاستقامة، وسبب ذلك أن ليفه يتصل من جانبي الفقرات بالأجنحة وينحدر إلى الإبطين، فإذا تشنج أحد فرديه كان جاذباً للرقبة إلى أسفل وإلى ناحية الإبط. ويلزم ذلك أن يكون جذبه لها مؤرباً. وأما إذا تشنج الفردان جميعاً فإن انجذاب الرقبة إلى أحد الجانبين يبطله انجذابها إلى الجانب الآخر، وإنما لم يمتد هذا الليف من سناسن الفقرات لئلا يلزم عند تشنج أحد الفردين ميل العنق إلى جهة ذلك الفرد ويلزم ذلك ضيق قصبة الرئة، وهو مضاد للغرض من بسط الصدر المقصود بحركة هذا العضل. إذا الغرض من بسط الصدر هو جذب الهواء إلى داخله وضيق قصبة الرئة معسر لذلك والأولى وهي العضلات التي تحرك الصدر وتبسطه وهذه فيها ما فعلها كذلك متفق عليه عند المشرحين. ومنها ما ليست كذلك.

والثانية: هي التي تسمى عضل الترقوة وهي زوج تحت كل ترقوة عضلة خفية إنما تدرك إذا شيلت تلك الترقوة وهي لحمية تتصل بالترقوة وبالضلع الأول.

واتصالها بالترقوة بالجزء الأصغر المتصل منها بالقص وبالجزء الذي يصعد إلى رأس الكتف، وقد وقع في فعل هذا الزوج خلاف بين المشرحين.

والذي ذهب إليه جالينوس، وهو الحق، أنه ليسط الصدر يجذب الضلع الأول الصغير إلى قرب حد الذي أكبر منه والأولي وهي التي بسطها للصدر متفق عليه فمنا زوج.

قال جالينوس فيه: من شاء أن يجعله عاماً للصدر والكتف فله ذلك، ومن شاء أن يجعله خاصاً بالصدر فله ذلك، وذلك لأن هذا الجزء الزوج ينشأ كل فرد منه من قاعدة الكتف، ويمتد على الصدر حتى يبلغ إلى ضلعين من أضلاع الخلف عند قرب منشأ الأجزاء الغضروفية منها، والجزء من هذا العضل الذي عند قاعدة الكتف متوار حتى إنما يرى بعد شيل الكتف وأجزاؤه التي على الصدر غير ملتحمة بل كأنها تنقسم عند كل ضلع إلى عضلة. وهذا الزوج يبسط الصدر بسطاً عظيماً، وذلك بسبب اتصاله بأضلاع كثيرة منه وجذبه لها إلى قدام، وإلى الجانب الوحشي، ومن هذه العضل ما ليس كذلك، فمن ذلك ما يسمى باسم آخر غير العضل وهو الحجاب، وسنذكره في موضعه. ومنها ما ليس كذلك، وهي الزوج الذي ينشأ من الفقرة السابعة من فقار العنق. ومن الفقرة الأولى والثانية من فقار الصدر، ويتصل بأضلاع القص، وللصدر زوجان آخران يبسطانه، أحدهما يبتدئ من الفقرة الثانية من فقار الرقبة ويمتد إلى أضلاع الخلف، ويمر بالموضع المقعر من الكتف. وثانيهما: أصغر من هذا يبتدئ من الفقرة الأولى من فقرات العنق، وتمتد إلى الضلع الخامس، ويمر إلى قدام الكتف. والله أعلم.

البحث الثاني العضلات التي تقبض الصدر قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه وأما العضل القابضة للصدر فمن ذلك...إلى قوله: وأما العضل التي تقبض وتبسط معاً فهي العضل.

الشرح العضل التي تقبض الصدر ولا تبسطه منها ما تنسب إلى البطن وهي الأجزاء العالية من العضلات الشاخصة من عضلات البطن وستعرفها. ومنها ما ليس كذلك فمنها ما هو ممتد مع عضلات الصلب عند أصول الأضلاع وهذه إذا تشنجت جمعت هذه الأصول بعضها إلى مقاربة بعض وشدتها، ومنها ما هو ممتد في جنبي عظام القص من داخل من أو له إلى آخره.

فإذا تشنجت ضمت أطراف الأضلاع المتصلة به بعضها إلى مقاربة بعض، ومنها العضل الذي يجذب الأضلاع الأخيرة إلى أسفل. وإنما كانت العضلات القابضة أقل من الباسطة لأن البسط يفتقر فيه إلى تمديد العظام ومفاصلها وذلك لا محالة عسر فلذلك إنما يتم بقوة أخرى، وأما القبض فيتم بضم العظام إلى مفاصلها، وذلك أسهل من تمديدها إلى خارج لأنه على وفق فعل الأربطة والتمديد على ضد فعلها. ولما كان القبض يتم بضم العظام إلى مفاصلها لا جرم كان وضع عضله بقرب تلك المفاصل.

قوله: فمن ذلك ما يقبض بالعرض، وهو الحجاب إذا سكن القابض حينئذٍ ليس هو الحجاب بل الصدر هو بطبيعته لأن القاسر له على الانبساط إذا بطل فعله عاد هو بنفسه إلى طبيعته. وأما سكون الحجاب فهو شرط لا سبب ولو صح أن يقال إنه يقبض بالعرض لصح أن يقال ذلك في العضلات الباسطة أيضاً فإن سكون كل واحد منهما شرط في انقباض الصدر بالطبع. والله ولي التوفيق.

البحث الثالث العضلات التي تبسط الصدر وتقبضه قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه وأما العضل التي تقبض وتبسط معاً... إلى آخر الفصل.

الشرح كل ضلعين فلا بد وأن يكون بينهما عضل يسد الخلل بينهما ويشد كل واحد منهما بالآخر حتى يكون وضعهما محفوظاً موثقاً. وهذا وإن أمكن أن يكون بغير العضل إلا أن العضل أولى لأن لها مع ذلك نفع في فعل الصدر. وهو الانبساط والانقباض وينبغي أن يكون هذا العضل آتياً من فقار الصلب واصلاً إلى عظام القص ليكون ساداً لجميع ما يقع بين الضلعين، ولكن وضع هذا الليف يجب أن يكون في وضعه مخالفاً لو ضع العضل لأن هذا العضل آخذ من خلف إلى قدام. وأما الليف فيجب أن يكون آخذاً من فوق إلى أسفل ليكون واصلاً بين الضلعين.

وينبغي أن يكون سلوكه كذلك بتوريب. فإنه لو كان منتصباً لم يكن قابلاً للتمدد الذي يوجبه بسط الصدر قبولاً سهلاً ضرورة أن يكون حينئذٍ على أقصر الطرق الواصلة بين الضلعين وينبغي أن يكون سلوكه كذلك بتوريب فإنه لو كان منتصباً لم يكن قابلاً للتمدد الذي يوجبه بسط الصدر قبولاً سهلاً ضرورة أنه يكون حينئذٍ على أقصر الطرق الواصلة بين الضلعين وينبغي أن لا يكون كله على وضع واحد بل على وجه مقاطع بعضه بعضاً ليكون بعضه مرتبطاً ببعض فيكون تأليفه قوياً فلذلك تكون هيئته على صورة كتابة السين في كتابة اليونان.

قال جالينوس: وعدد هذه العضلات اثنتان وعشرون عضلة إذ بين كل ضلعين عضلة واحدة، وليس بين الطرفين، وبين غيرها هذا النوع من العضل، وعدد الأضلاع أربعة وعشرون ضلعاً فلذلك تكون هذه العضلات اثنتين وعشرين عضلة.

وأما صاحب الكتاب فقد جعل كل واحدة من هذه العضلات أربع عضلات فيكون عددها ثمانياً وثمانين عضلة. واحتج على ذلك بأن هيئات الليف في كل واحدة منها على أربعة أحوال وذلك لأن كل واحد من هذه كلها أجزاء تلي الصلب. وهو حيث الأضلاع منحدرة من فوق إلى أسفل وجزء يلي القص وهو حيث الرؤوس الغضروفية. والليف في كل واحد من الجزأين ما كان منه إلى خارج الصدر فهو على خلاف هيئة ما هو فيه إلى داخله، فلذلك تكون ألياف ما بين كل ضلعين على أربعة أو جه. فيكون ذلك أربع عضلات.

ونحن نقول: إن الأمر كذلك لا لأن هذه الألياف مختلفة الوضع فقط بل لأن فعلها مختلف أيضاً. وذلك لأن الألياف التي من جهة الصلب ما كان منها إلى خارج الصدر فهو باسط، وما كان منها إلى داخله فهو قابض، والألياف التي من جهة القبض بالعكس، أعني ما كان منها إلى خارج الصدر فهو قابض. وما كان منها إلى داخله فهو باسط، واختلاف الأفعال لا شك في دلالته على اختلاف العضل.

وقال جالينوس: إن مع هذه العضلات زوج صغير يجذب الضلع الأول إلى فوق كما تجذب عضلتان أخريان الضلع العاشر والحادي عشر إلى أسفل، وأما الضلع الثاني عشر فهو خارج من الحجاب ويلتحم بالعضلة الصغيرة من العضل المؤرب الذي على البطن.

وربما رأينا مراراً كثيرة عضلة خاصة صغيرة تجذبها إلى أسفل. والله ولي التوفيق.