شرح تشريح القانون لابن سينا/القسم الأول/الجملة الثانية/الفصل الحادي والعشرون

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
​شرح تشريح القانون لابن سينا​ المؤلف ابن النفيس
القسم الأول
الجملة الثانية - الفصل الحادي والعشرون



الفصل الحادي والعشرون

تشريح عضل البطن


قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه الشرح قد ذكر الشيخ لهذا العضل ثلاث منافع: إحداها: المعونة على عصر ما في الأحشاء من البراز والبول والأجنة ليسهل خروج ذلك، وإنما احتيج في خروج هذه إلى هذا العضل: أما البراز فلأن الأمعاء بعضها تلتف، ومع ذلك يعرض لها الجفاف كثيراً لأجل جذب الماساريقا ما فيه من الرطوبات الغذائية. ولأجل حرارة الأحشاء وإذا كان كذلك كانت قوة الأمعاء الدافعة يعرض لها العجز عن دفعه فيحتاج إلى الاستعانة بعصر هذه العضلات.

وأما البول: فلأنه وإن كان رقيقاً سهل الانفصال إلا أن عنق المثانة الذي فيه المجرى موضوع إلى فوق فإنما يخرج البول بانعصار شديد من المثانة حتى يضيق تجويفها على البول، فيضطر إلى الصعود إلى ذلك المجرى، ومثل هذا الانعصار مما لا يستغنى فيه عن الاستعانة بهذا العضل.

وأما الجنين فلأن خروجه إنما يتم بتمديد شديد ليتسع منفذه إلى خارج ومع ذلك فلا يمكن أن يبلغ في الاتساع إلى حد يخرج منه الجنين بثقله فقط أو بدفع يسير يقوي عليه الرحم، فلا بد من الاستعانة بعصر هذا العضل ليشتد ذلك الدفع فيسهل خروج الجنين.

وثانيتها: لأن هذه العضلات تدعم الحجاب عند إخراج النفس وهو المراد بالنفخ، وذلك عند الانقباض، وذلك لأن هذه العضلات إذا انقبضت حينئذٍ أعانت الحجاب على انقباض الصدر، ودعمته أي قوته على هذه الحركة. وإنما احتيج إلى ذلك لأن تحريك الصدر عسر بسبب وثاقة مفاصل عظامه، وإنما احتيج إلى هذه المعونة في الانقباض دون الانبساط لأن عضلات انقباض الصدر أقل من عضلات انبساطه على ما بيناه هناك.

وثالثتها: إن هذه العضلات تسخن المعدة والأمعاء بإدفائها. وإنما احتيج إلى ذلك لأن المعدة مع كونها مطبخ الغذاء يكون الغذاء فيها مجتمعاً فيكون انفعاله عسراً ومع ذلك فإنها تحتاج أن تكون كثيرة العصب لأجل شدة حاجتها إلى قوة الحس لأجل الجوع وأن تكون حرارتها غير مفرطة لأن ذلك مانع من الشهوة المقصودة من المعدة. وأما الأمعاء فلأن جرمها عصبي وهي مع ذلك محتاجة إلى قوة الهضم ليكمل هضم ما فات المعدة هضمه.

أقول: ولهذه العضلات منافع أخر: إحداها: أن يكون لجرم البطن ثخانة فيقل تضرر الأحشاء التي فيه من الحر والبرد.

وثانيتها: أن يكون جرم محيط هذا التجويف قوياً فلا تقوى الرياح التي تحدث فيه والامتلاءات المحدودة له على خرقه، ولتكون الأحشاء في ركن وثيق.

وثالثتها: أن يكون البطن مناسباً للصدر في كثرة اللحم عليه، فتكون صورة البدن أحسن. ولا كذلك لو كان بغير تكون هذه العضلات فإنه حينئذٍ كان يكون مهزولاً قحلاً، ويجب أن تكون هذه العضلات ممتدة طولاً وعرضاً وورباً من الجانبين لأن هذا التأليف أو فق في نفسه وأوفق في قوة ضمه لما في داخله، ويجب أن يكون الطول أكثر لحمية لأنه فوق المعدة والأمعاء المحتاج فيهما إلى الإدفاء كما قلناه. ويجب أن يكون العرضي تحت الكل لأنه هو المقاوم لتمديد الأحشاء فيجب أن يكون بالقرب منها، وأن يكون المؤرب أعلى الكل ليكون الطولي ملاقياً للعرضي فيكون مقوياً له شديد الحفظ لو ضعه، وإنما كان هذا في الطولي أكثر من المؤرب لأن المؤرب لا ينافي ميل أجزاء العرضي إلى فوق وأسفل منافاة كثيرة بخلاف الطولي. ويجب أن تكون هذه العضلات عند المقاطع أقل لحمية لئلا يكون لذلك الموضع نتوء مستقبح. والله ولي التوفيق.