شرح تشريح القانون لابن سينا/القسم الأول/الجملة الثانية/الفصل التاسع عشر

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
​شرح تشريح القانون لابن سينا​ المؤلف ابن النفيس
القسم الأول
الجملة الثانية - الفصل التاسع عشر



الفصل التاسع عشر

تشريح عضل أصابع اليد


والكلام في هذا الفصل يشتمل على ستة مباحث: البحث الأول كلام كلي في هذه العضلات قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه العضل المحرك للأصابع... إلى قوله: فالباسطة عضلة موضوعة على.

الشرح قوله وكلما بعدت الرسغيات، يريد التي تمر أو تارها بالرسغ لا أنها موضوعة، فإن هذه موضوعة على الساعد.

قوله: فحصنت بأغشية تأتيها من جميع الجوانب معناه: فحصنت من جميع الجوانب بأغشية تأتيها لأن التحصين هو من كل جانب لأن تلك الأغشية تستدير عليها فتحيط بها من كل جانب لأن الأغشية تستدير عليها فتحيط بها من كل جانب وأما إتيانها إليها فليس من كل جانب بل لكل نوع منها جانب ما يأتي الأغشية منه كما نذكره. وإنما حصنت من جميع الجوانب لتوقي ضرر كل مؤذ إما من خارج كالمصادمات والصلابات الملاقية بعنف، وإما من داخل كالعظام المؤلمة لها لصلابتها وخلقت هذه الأوتار مستديرة لتكون أبعد عن قبول الآفات. فإذا وصلت إلى حيث تلاقي العضو استعرضت لتصل بأجزاء أكثر حال حركته فيكون المتحرك بها غير قلق في وضعه وجميع الباسطة موضوعة على الساعد لأنها لا بد أن تكون من جهة ظاهر الكف وهو يجب أن يكون قليل اللحم جداً كما نبينه فيما بعد.

قوله: وكذلك المحركة إياها إلى أسفل. هذا مشكل فإن بعض ما يميل إلى أسفل موضوع في باطن الكف على ما تدري من بعد والله ولي التوفيق.

البحث الثاني تشريح العضلة الباسطة لغير الإبهام

من الأصابع قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه فمن الباسطة عضلة موضوعة... إلى قوله: وأما المميلة إلى أسفل فثلاث.

الشرح لقائل أن يقول: لم خلق لبسط الأصابع الأربع عضلة واحدة وخلق لانقباضها عضلات كثيرة. وكان ينبغي أن يكون بالعكس لأن إشالة الثقيل أعسر من حطه.

وجوابه: إن الحركة القوية التي تحتاج إليها الأصابع عند الأعمال إنما هي حركة الانقباض وذلك في مثل الإمساك القوي وجر الأثقال ونحو ذلك.

وأما حركة الانبساط فهو في الحقيقة كترك العمل بالأصابع فلذلك إنما يحتاج أن تكون القوة فيه بقدر يقوى على رفع الأصابع فقط وهي قليلة الثقل فلذلك تكفي فيها قوة يسيرة، فلذلك كفى الأربعة عضلة واحدة، وهذه العضلة تحتاج أن تكون قوتها قوية، لأنها تحرك أربعة أعضاء، فلذلك خلقت عظيمة، ومنشؤها من الجزء المشرف من الرأس الوحشي من الطرف السافل للعضد، ويمتد في وسط وحشي الساعد. أعني ما بين أعلى ذلك الجنب وأسفله، وإنما خلقت كذلك ليكون ما يتوزع منها من الأوتار آخذاً إلى الأصابع على الوجه العدل، فلا تكون بعض الطرفيات أقرب إليها من مقابلها من الطرف الآخر. والله ولي التوفيق.

البحث الثالث العضلات المميلة للأصابع إلى أسفل لموضوعة على وحشي الساعد قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه وأما المميلة إلى أسفل فثلاث... إلى قوله: وأما القابضة فمنها ما على الساعد.

الشرح إن الإنسان يحتاج في أعماله إلى تمييل أصابعه تارة إلى أسفل، وتارة إلى فوق، وتارة إلى تمييل بعضها إلى أسفل وبعضها إلى فوق وذلك عند إرادة القبض على شيء عظيم لأن جملة الأصابع تكون حينئذٍ كالمحيطة بالممسوك وتحتاج أن تكون هذه الحركات قوية لتقوى الأصابع حينئذٍ على شدة إمساك ما تحتوي عليه ورفع ثقله، فلذلك خلق لها عضلات كثيرة، وحاجة المميلة إلى أسفل إلى قوة شديدة أشد لأن الأصابع حينئذٍ تحتاج إلى قوة الإحاطة مع قوة رفع ثقل الممسوك، فلذلك احتيج لها إلى عضلات قوية جداً، فاحتيج أن تكون بعض عضلاتها كبارا جداً، فاحتيج أن يكون تلك على الساعد إذ الكف لا يحتمل ذلك لأجل صغره، ولا كذلك إذا كانت مائلة إلى فوق لأنها حينئذٍ إنما تحتاج إلى قوة الإحاطة فقط. وكان ينبغي أن تكون هذه العضلات على عدد الأصابع المتحركة بها، لكن الإبهام لما كانت قوتها تحتاج أن تكون قوية حتى تكون في قوة إصبعين، وجعل لها عضلة واحدة وكفى لكل إصبعين من الباقية عضلة واحدة فلذلك صارت هذه العضلات ثلاثاً، وخلقت من جانبي العضلة الباسطة لأن تلك لما كانت حركاتها مؤربة كان أحسن أو ضاعها الطرفان، ولما كان تأريب هذه الحركات إلى جهة ظاهر الكف خلقت عضلها من الجهة الوحشية. وخلق للإبهام وحدها عضلة واحدة والباقي لكل إصبعين عضلة لأن الإبهام يحتاج إلى قوة قوية تقارب ضعف قوة كل واحدة من الأصابع الأخرى، وخلقت المحركة للخنصر والبنصر أعظم من المحركة للوسطى والسبابة وذلك لأمرين: أحدهما: ضيق المكان على المحركة للوسطى والسبابة لأنها تحتاج أن تكون من جهة أعلى الجانب الوحشي من الساعد، وفي ذلك الجانب العضلة المحركة للإبهام أيضاً فضاق المكان عليهما فاحتيج أن تكونا صغيرتين وأن يكون الاتصال بينهما كثيراً، فلذلك قد يظن أنهما عضلة واحدة ولا كذلك مكان المحركة للخنصر والبنصر فإن مكانهما لا يزاحمهما فيه غيرهما. فأمكن أن تكون عظيمة.

وثانيهما: أن هذه الحركة تحتاج أن يكون الخنصر والبنصر أقوى لما قلناه فيحتاج أن يكون عضلهما أعظم .

قوله: فثلاث منها يتصل بعضها ببعض. أما اتصال المحركة للإبهام بالمحركة للوسطى والسبابة فذلك ظاهر وشبيه ما قلناه، وأما الأخرى فظاهر أنها إنما تتصل بالوسطى الباسطة للأصابع الأربع لأنها مجاورة لها بخلاف المميلة للوسطى والسبابة. والله ولي التوفيق.

البحث الرابع العضلات القابضة للأصابع الموضوعة على أنسي الساعد قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه وأما القابضة فمنها ما هي على الساعد... إلى قوله: وأما العضلة الثالثة فليست للقبض ولكنها تنفذ.

الشرح

لما كانت العضلات القابضة للأصابع تحتاج أن يلاقيها من باطنها لا جرم فإن وضعها من تلك الجهة. ولأن هذه الحركة تحتاج أن تكون قوية فلذلك جعل لها عضلات أكثر مما للباسطة كما قلناه، ولذلك أيضاً جعل بعضها موضوعاً على الساعد للحاجة فيه إلى أن يكون عظيماً.

وهذا الموضوع على الساعد عند جالينوس عضلتان فقط.

وأما الثلاثة فليست عنده للقبض كما ظنه بعض الأقدمين بل لفوائد أخرى سنشير إليها ولكنها عدت مع القابضة بناء على قول الأقدمين، وإنما كانت هذه العضلات موضوعة في وسط أنسي الساعد أعني وسط ما بين أعلاه وأسفله للسبب الذي له خلقت الباسطة في وسط وحشي الساعد، وقد ذكرناه هناك.

ولما وجب أن تكون كلها في الوسط لم يكن بد من أن يكون بعضها فوق بعض أعني بالفوق ها هنا ما يكون فوقاً إذا كان الساعد ملقى على ظهره، ولزم ذلك فائدة وهي أن يكون بعضها مستوراً بالبعض ليكون المستور محروساً بالساتر، فلذلك كان أشرفها الذي يلاقي العظم لأنها محروسة بالباقي وإنما كانت هذه أشرف لأن تحريكها اشرف لأنها تحرك مفصلين من الأصابع، ولا كذلك الأخرى، ولذلك جعلت هذه أعظم مع أن المجلل ينبغي أن يكون أعظم مما يجلله.

قوله: متصلاً بالزند الأسفل سبب ذلك أن الزند الأعلى منحرف إلى الجانب الوحشي فيبقى وسط الجانب الأنسي في الزند الأسفل فقط. وهذه العضلة العظيمة القابضة خلق وترها يستعرض أو لاً ثم ينقسم إلى خمسة أو تار، وأما الباسطة فإن انقسام أو تارها يكون أو لاً وينقسم إلى أربعة أو تار فقط والسبب في ذلك أما الأول: فلأن هذه العضلة تعلوها عضلات أخر، فلو لم تستعرض أو تارها أو لاً جملة لكان موضعها يرتفع كثيراً إذ غير المستعرض يكون سمكه أكبر، ولا كذلك الباسطة، فإنها لا يعلوها غيرها من العضل، فتكون أو تارها معرضة للضرر والانفعال عن الملاقيات، فكان الأولى لها أن تكون مستديرة من أو ل بروزها. وأما الثاني فلأن هذه العضلة القابضة لما كانت تستعين على قبض الأصابع بعضلات أخرى أمكن تقسيمها على الخمس، ولا كذلك هذه الباسطة، فاقتصر بها على تحريك الأصابع الأربعة، وخلق للإبهام واحدة على حدة.

قوله: وقد جعل الإبهام مقتصراً في الانقباض على عضلة واحدة والأربع تنقبض بعضلتين عضلتين هذا إنما يصح إذا أراد بهذه العضلات، العضلات التي في الساعد وحينئذٍ لا تكون العلة المذكورة صحيحة. وإنما قلنا إنه إنما يستقيم إذا أريد ذلك لأن العضلات التي في باطن الراحة منها ثلاث عضلات تقبض الإبهام وثمان إذا اجتمع منها اثنتان اثنتان منها على الفعل قبضتا إصبعاً قبضاً مستوياً.

فلذلك أو تار هذه خمسة دون الباسطة. والله ولي التوفيق.

البحث الخامس تشريح العضلة المفروشة عل باطن الكف قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه وأما العضلة الثالثة فليست ... إلى قوله: وأما العضل التي في الكف نفسها فهي.

الشرح هذه العضلة هي أرق العضلات التي على الساعد وفوق جميع ما في وسط أنسي الساعد حتى تماس الجلد، ويمتد لها أو لاً وتر مدور من فوق الرسغ بكثير إذا تجاوز الرسغ استعرض وانفرش والتحم بجلدة باطن الكف، وقد قال بعض قدماء المشرحين إنها ثلثي الأصابع كلها.

وجالينوس ينكر ذلك، وقد ذكر لها منافع: إحداها لتفيد الموضع حساً، وينبغي أن يعني بذلك، أنها تجعل ما تحت الجلد الذي هناك حساساً حتى لو فسد حس ذلك الجلد قامت مقامه في الحس وإنما اختص هذا الموضع بذلك لأن الحاجة إلى الحس في باطن الكف أكثر مما في باقي الأعضاء، مع أن الأعمال التي تحاولها اليد أكثرها مفسدة لحس ذلك الجلد، وذلك كحمل الأثقال ونحو ذلك مما يغلظ له هذا الجلد.

ولقائل أن يقول: لو كان الأمر كذلك لكانت خلقة هذه العضلة معطلة لأن الحس إنما يكون بالعصب فيكون خلط ذلك العصب بالرباط وانتفاشهما وحشو خللهما لحماً وغير ذلك مما يتم به يكون العضل معطلاً لا فائدة فيه.

وثانيتها: أنها تمنع نبات الشعر هناك. والفائدة في ذلك أن يبقى حس ذلك الموضع قوياً لأن الحاس اللمس إذا لقي المحسوس كان إدراكه له شديداً.

وثالثتها: أنها تدعم ما تحت الجلد وتقويه حتى لا يتضرر بصلابة ما يمسك بقوة ونحو ذلك.

والله ولي التوفيق.

البحث السادس العضلات الموضوعة في باطن الكف قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه

وأما العضل الذي في باطن الكف نفسها فهي... إلى آخر الفصل.

الشرح هذه العضلات هي أصغر عضلات اليد وبينها أيضاً خلاف كبير في العظم. والخمس التي تميل الأصابع إلى فوق تميلها أيضاً إلى الجانب الأنسي والمميلة للإبهام إلى أسفل يلزم فعلها ذلك أن يقربها من السبابة، والمميلة للخنصر إلى أسفل يلزم فعلها أن يبعدها من البنصر والمميلة لما سوى الإبهام من الخمس، وهن أربع منشؤهن من الغشاء المجلل لأوتار العضلة الكبيرة القابضة لجميع الأصابع، ولكل واحدة من هذه الأربع وتر دقيق مدور يتصل بجانب إصبع، وإذا تشنجت حركة تلك الإصبع الحركة المذكورة، وكذلك الوتر الذي ينتهي إليه الخامسة من هذه العضلات وهي المحركة للإبهام، ويلزم تحريكها لها هذه الحركة أن يبعدها عن السبابة بعداً كبيراً، والعضلتان الأخريان وهما المميلتان للإبهام والخنصر إلى اسفل أعظم من العضلات الخمس.

قال جالينوس: وإذا سلت هذه العضلات مع أو تارها ظهرت لك في المشط عضلات أخر لم يعرفها المشرحون، ولا عرفتها أنا أيضاً إلا بعد مدة طويلة. ومبدؤها من الرباط الذي يحتوي على عظام الرسغ في الموضع الذي ينتهي إليه الرسغ ثمان منها متصلة بعضها ببعض حتى ترى لكل إصبع عضلة. والله ولي التوفيق.

بحث مفرد تعديد عضلات الساعد والعضد على سبيل الاقتصار العضلات التي في الساعد منها ما هو على جانبه الأنسي، وهي سبع، ومنها ما هو على جانبه الوحشي وهي تسع. ومنها ما هو على حافته التي من فوق وهي الحافة الممتدة إلى الإبهام. وذلك أن العضلة الواحدة، جرت العادة بعدها في العضلات التي في الجانب الوحشي، وأما حافة الساعد التي من أسفل وهي التي فيها الخنصر فلم تخلق فيها عضلة البتة. فعلى هذا تكون العضلات المعدودة على الجانب لو حشي عشراً. واحدة موضوعة في وسطه وهي الباسطة للأصابع الأربع بأربعة أو تار تنشأ منها وعلى جانبها ثلاث عضلات متصلات بها. واحدة من أسفل وهي المحركة للخنصر والبنصر إلى أسفل بوترين ينشآن منها، والأخريان متوحدتان حتى يظنان واحدة إحداهما: تميل الوسطى والسبابة إلى أسفل بوترين.

وثانيتهما: تميل الإبهام إلى أسفل بوتر واحد، وعن جنبي هذه العضلات أربع عضلات، واحدة من أسفل تبسط الكف كابة له على وجهه بوتر يتصل بالمشط قدام الخنصر وعضلتان تتصلان حتى يظنا عضلة واحدة.

إحداهما تباعد الإبهام عن السبابة بوتر ينشأ منها.

وثانيتهما: تبسط الكف قالبة له على قفاه بوتر يتصل بالعظم الأول من عظام الرسغ عند الإبهام.

والرابعة هي التي تبسط الكف بسطاً مستوياً بوترين يتصل أحدهما قدام الوسطى. وثانيهما: قدام السبابة. وعضلتان مؤربتان وهما اللتان يقال: إنهما تقلبان الساعد على قفاه. فهذه عشر عضلات.

وقال بعضهم: إنها ثمان لظنه أن المميلة للإبهام إلى أسفل هي والمميلة للوسطى والسبابة عضلة واحدة، وأن المبعدة للإبهام عن السبابة غير الباسطة للكف مع قلب فتكونان عضلتين أو بالعكس، وأما العضلات التي على الجانب الأنسي من الساعد فهي سبع: واحدة في وسط هذا الجانب، وهي التي تبسط، وتنشأ منها خمسة أو تار لقبض المفصل الأول والثالث من الأصابع الأربع، والمفصل الثاني والثالث من الإبهام وأخرى فوقها، والمجللة، وأصغر منها وهي التي تقبض المفاصل الوسطى من الأصابع الأربع وتأتي منها شعبة إلى الإبهام، وفوق هاتين عضلة أخرى، والمجللة لهما، وهي التي تستعرض وتنفرش في باطن الكف، وهي أصغر من الثانية، وعضلتان على جنبي هذه الثلاث تقبضان الكف، أما السفلية فمع قلب له يسير وأما العلوية فمع كب يسير واتصالهما بعظام المشط، أما السفلية فأمام الخنصر وأما العلوية فأمام الإبهام والسبابة، وتحت هذه العضلات الخمس عضلتان مؤربتان، وهما اللتان تكبان الساعد فهذه عضلات الساعد، فأما عضلات العضد، فهي الأربع المحركة للساعد قبضاً وبسطاً، وقد بينا حالها أو لاً، فإذاً جميع العضلات التي في اليدين ثمان وستون عضلة لكل يد تسع وثلاثون عضلة. والله ولي التوفيق.