سلم على الدار بذي تنضب

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

سَلِّمْ على الدَّارِ بِذِي تَنْضُبِ

​سَلِّمْ على الدَّارِ بِذِي تَنْضُبِ​ المؤلف بشار بن برد


سَلِّمْ على الدَّارِ بِذِي تَنْضُبِ
فشطِّ حوضى فلوى قعنبِ
واسْتَوْقِفِ الرَّكْبَ عَلَى رَسْمِهَا
بل حلَّ بالرَّسمِ ولا تركبِ
لَمَّا عَرَفْنَاهَا جَرَى دَمْعُهُ
مَا بَعْدَ دَمْعِ الْعَانِسِ الأَشْيَبِ
طالب بسعدى شجناً فائتاً
وهل لما قد فاتَ من مطلبِ
وصاحبٍ قد جنَّ في صحَّةٍ
لاَيَشْرَبُ التِّرْيَاقَ مِنْ عَقْرَبِ
جافٍ عنِ البيضِ إذا ما غدا
لم يبكِ في دارٍ ولم يطربِ
صَادَيْتُه عَنْ مُرِّ أخْلاَقِهِ
بحلوِ أخلاقي ولم أشغبِ
حتَّى إذا ألقى علينا الهوى
أظفارهُ وارتاحَ في الملعبِ
أصفيتهُ ودِّي وحدَّثتهُ
بالْحَقِّ عَنْ سُعْدَى وعَنْ زَيْنَبِ
أقول والعينُ بها غصَّةٌ
مِنْ عَبْرَةٍ هَاجَتْ ولَمْ تَسْكُبِ:
إِنْ تَذْهَبِ الدَّارُ وسُكَّانُهَا
فَإِنَّ ما فِي الْقَلْبِ لَمْ يَذْهَبِ
لا غَرْوَ إِلاَّ دَار سُكَّانِنَا
تمسي بها الرُّبدُ معَ الرَّبربِ
تنتابها سعدى وأترابها
فِي ظِلِّ عَيْشٍ حَافِلٍ مُعْجِبِ
مرَّ علينا زمنٌ مصعبٌ
بَعْدَ زَمَانٍ لَيْسَ بالْمُصْعَبِ
فَاجْتَذَّ سُعْدَى بِحَذَافيرِهَا
غيرَ بقايا حبِّها المصحبِ
قد قلتُ للسَّائلِ في حبِّها
لمَّا دنا في حرمةِ الأقربِ:
يا صاحِ لا تسأل بحبِّي لها
وانْظُرْ إِلَى جِسْمِي ثم اعْجَبِ
من ناحلِ الألواحِ لو كلتهُ
في قلبها مرَّ ولم ينشبِ
شتَّانَ مجدودٌ ومن جدُّهُ
كالكعبِ إن ترحل بهِ يرتبِ
أغرى بسعدى عندنا في الكرى
مَنْ لَيْسَ بِالدَّانِي ولا الْمُصْقَبِ
مكِّيَّةٌ تبدو إذا ما بدت
بالميثِ من نعمانَ أو مغربِ
علِّقتُ منها حلماً كاذباً
يا ليتَ ذاكَ الحلمَ لم يكذبِ
وملعبِ النُّونِ يرى بطنهُ
من ظهرهِ أخضرَ مستصعبِ
عَطْشَانَ إِنْ تأَخُذُ عَلَيْهِ الصَّبَا
يَفْحُشْ عَلَى الْبوصِيِّ أو يَصْخَبِ
كأنَّ أصْوَاتاً بِأرْجَائِه
من جندبٍ فاضَ إلى جندبِ
ركبتُ في أهوالهِ ثيِّباً
إِلَيْكَ أوْ عَذْرَاءَ لَمْ تُرْكَبِ
لمَّا تَيَمَّمْتُ عَلَى ظَهْرِهَا
لمجلسٍ في بطنها الحوشبِ
هيَّأتُ فيها حينَ خيَّستها
مِنْ حَالِكِ اللَّونِ ومِنْ أصْهَبِ
فأصبحت جاريةً بطنها
مَلآنُ مِنْ شَتَّى فَلَمْ تُضْرَبِ
لا تشتكي الأينَ إذا ما انتحت
تهدى بهادٍ بعدها قلَّبِ
رَاعي الذِّرَاعَيْنِ لِتَحْرِيزهَا
من مشربٍ غارَ إلى مشربِ
إِذَا انْجَلَتْ عَنْهَا بِتَيَّارِهِ
وارْفَضَّ آلُ الشَّرَفِ الأَحْدَبِ
ذكَرْتُ مِنْ هِقْلٍ غَدَا خَاضباً
أو هقلةٍ ربداءَ لم تخضبِ
تصرُّ أحياناً بسكَّانها
صَرِيرَ بَاب الدَّار فِي الْمِذْنَبِ
بمِثْلِهَا يُجْتَازُ فِي مِثْلِهِ
إِنْ جَدَّ جَدَّتْ ثُمَّ لَمْ تَلْعَبِ
دُعْمُوصُ نَهْرٍ أنْشَبَتْ وَسْطَهُ
إن تنعبِ الرِّيحُ لها تنعبِ
إِلى إِمَام النَّاسِ وَجَّهْتُهَا
تَجْرِي عَلَى غَارٍ مِنَ الطُّحْلُبِ
إِلى فتًى تَسْقِي يَدَاهُ النَّدَى
حيناً وأحياناً دمَ المذنبِ
إذا دنا العيشُ فمعروفهُ
دَانٍ بِعَيْشِ الْقَانِعِ الْمُتْرِبِ
زينُ سريرِ الملكِ في المغتدى
وغرَّةُ الموكبِ في الموكبِ
كأنَّ مبعوثاً على بابهِ
يدني ويقصي ناقداً يجتبي
إذا رماهُ النَّقرى بامرئٍ
لاَنَ لَهَ الْبَابُ وَلَمْ يُحْجَبِ
دأبتُ حتَّى جئتهُ زائراً
ثمَّ تعنَّيتُ ولم أدأبِ
ما انشقَّتِ الفتنةُ عن مثلهِ
في مشرقِ الأرضِ ولا مغربِ
أطبَّ للدِّينِ إذا رنَّقت
عيناهُ من طاغيةٍ مجربِ
ألقى إليهِ "عمرٌ" شيمةً
كَانَتْ مَوَارِيثَ أبٍ عَنْ أبِ
قوْدَ الْمَطَايَا بِعَمَى مَارِقٍ
عوتبَ في الله فلم يُعتبِ
إنَّ يزيداً فادنُ من بابهِ
في الضيقِ إن كانَ أو المرحبِ
أجْدَى عَلَى النَّاسِ إِذَا أمْحَلُوا
يوماً وأكفى للثأى المنصبِ
دعامةُ الأرضِ إذا ما وهت
سماؤهُ عن لاقحٍ مقربِ
الْجَالِبُ الأُسْدَ وأشْبَالَهَا
يزرنَ من دورينِ في المجلبِ
بِعَسْكَرٍ ظَلَّتْ عَنَاجِيجُهُ
في الْقودِ مِنْ طِرْفٍ ومِنْ سَلْهَبِ
مجنوبةَ العصرينِ أو عصرها
بسيرِ لا وانٍ ولا متعبِ
يتبعنَ مخذولاً وأشياعهُ
بالْعَيْنِ فالرَّوْحَاء فالْمَرْقَبِ
حَتَّى إِذَا اسْتَيْقَنَ مِن كَبْوَةٍ
وكُنَّ مِنْهُ لَيْلَة الْمِذَّبِ
خَرَجْنَ من سَوْدَاءَ في غِرِّةٍ
يردينَ أمثالَ القنا الشُّرَّبِ
لَمَّا رَأوْا أعْناقَهَا شُرَّعاً
بالموتِ دونَ العلقِ الأغلبِ
كانوا فريقينِ فمن هاربٍ
ومقعسٍ بالطّعنِ لم يهربِ
مثل الفزاريِّ الَّذي لم يزل
جَدَاهُ يَكْفِي غَيْبَةَ الْغُيَّبِ
أنزلنَ عبدَ الله من حصنهِ
إذ جئنهُ من حيثُ لم يرهبِ
وانْصَعْنَ لِلْمَخْدُوع عَنْ نَفْسِهِ
يَذُقْنَ ما ذَاقَ فَلَمْ يُصْلَبِ
وَلَوْ تَرَى الأَزْدِيَّ فِي جَمْعِهِ
كانَ كضلِّيلِ بني تغلبِ
أيَّامَ يهززنَ إليه الرَّدى
بكُلِّ مَاضِي النَّصلِ والثَّعْلَبِ
حتَّى إذا قرَّبهُ حينهُ
منها ولولاَ الحينُ لم يقربِ
خاضَ ابنُ جمهورٍ ولو رامها
مطاعن الأسدِ على المشربِ
وزرنَ شيبانَ فنامت بهِ
عَيْنٌ ولَمْ تَأرَقْ عَلَى مُذْنِبِ
أجْلَى عَنِ الْمَوْصِلِ مِنْ وَقْعِهَا
أو خرَّ من حُثحُوثها المطنبِ
هُنَاكَ عَادَ الدِّينُ مُسْتَقْبَلاً
وانتصبَ الدّينُ على المنصبِ
وَعَاقِدُ التَّاجِ عَلَى رَأسِهِ
يبرقُ والبيضةُ كالكوكبِ
لا يضعُ الَّلأمةَ عن جلدهِ
وَمِحْمَلَ السَّيْفِ عَنِ الْمَنْكِبِ
جلاَّبُ أتلادٍ بأشياعهِ
قلتُ لهُ قولاً ولم أخطبِ
لَوْ حَلَبَ الأَرْضَ بأخْلاَفِهَا
دَرَّتْ لَكَ الْحَرْبُ دَماً فَاحْلُبِ
يا أيها النَّازي بسلطانهِ
أدللتَ بالحربِ على محربِ
الْغِيُّ يُعْدِي فاجْتَنِبْ قُرْبَهُ
واحْذَرْ بُغَى مُعْتَزَلِ الأَجْرَبِ
أنهاكَ عن عاصٍ عدا طورهُ
وألهبَ القصدَ على الملهبِ
لاَ تَعْجَلِ الْحَرْبَ لَهَا رَحْبَةٌ
تغضبُ أقواماً ولم تغضبِ
إن سرَّكَ الموتُ لها عاجلاً
فاستعجلِ الموتَ ولا ترقبِ
مَا أُحْرِمَتْ عَنْكَ خَطَاطِيفُهُ
فَارْقَ عَلَى ظَلْعِكَ أوْ قَبْقِبِ
إِنَّ الأُلَى كَانُوا عَلَى سُخْطِهِ
من بينِ مندوبٍ ومستندبِ
لمَّا دنا منزلهُ أطرقوا
إِطْراقَةَ الطَّيْرِ لذِي الْمِخْلَبِ