انتقل إلى المحتوى

سعيت لهذا الملك بالهمة الكبرى

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

سَعَيْت لهذا المُلكِ بالهمَّة الكبرى

​سَعَيْت لهذا المُلكِ بالهمَّة الكبرى​ المؤلف عبد الغفار الأخرس


سَعَيْت لهذا المُلكِ بالهمَّة الكبرى
فأدركتَ أَفنائها الدَّولةَ الغَرّا
وسرتَ على نُبل الأسنّة للعلى
ومن رام إدراكَ العلى ركب الوعرا
لنيل المنى جُزتَ المسيرَ وإنّما
يخوض عباب البحر من يطلب الدرّا
إذا عارضت دون المرام بحيرة
من الحتف صيّرت الحديد لها جسرا
وإنْ رقمت فوق الأنام حنادسٌ
جليتَ من الرأي السديد لها فجرا
قَدِمتَ قدوم الليث غابة شبله
ونزّهت هذا الملك بالنيّة الخضرا
درى الملك يا مولاي أنت فؤاده
فضمّك منه حين أسكنك الصدرا
رقيتَ على كرسيّه فأزنته
فأصبحتَ كالتزريد في وجنة العذرا
فما هذه الفيحاء إلاّ قلادة
ونحرك من كلّ النحور بها أحرى
وما هي إلاَّ كاعبٌ قد تستَّرتْ
قد اتَّخَذَتْ خَيْسَ الأُسودُ لها خدرا
فجوزاء أفقٍ بالدراري تمنْطَقَتْ
مَخدّمة تَستخدم البيض والسُّمرا
لقد مطلت بالوعد عصراً وعاودت
فجادت بوصلٍ بعدما مطلت دهرا
تزَوَّجْتَها أَيْماً عجوزاً مُسِنَّةً
فأضحتْ لديك الآن كاعبةً بكرا
فحكتَ لها ثوب المفاخر بالندى
وألبستها من بأسك الحلَّةَ الخضرا
وهيَّأتَ من نقد العوالي صداقها
وأنقَدْتَ من بيض الحديد لها مهرا
قَدِمتَ لها من بعد كشف حجابها
فكنت لعوراء الزمان لها سترا
فعُدتَّ إليها بالتقرُّب بعدما
علاها قنوطٌ أنْ تعود لها أخرى
تدانيتَ منها كالهلال ولم تزل
تنقَّلُ حتى عدتَ في أفقها بدرا
وودَّعتها مكروبةَ الُّلبّ والحشا
وأُبْتَ وأَبْدَتْ من مسرَّتها البشرى
فإنْ طاوعتك اليوم جهراً وصالها
فقد كان هذا الأمر في نفسها سرّا
فكم مرَّ آنٌ وهي تكتم شوقها
إليكَ وتُحيْي ليلَها كلَّه سرّا
لأمر القضا كادت تفرّ إذا رأت
لوصلك وقتاً لم تجد دونه عذرا
لقد أَحْدَقَتْ بعد العمى بك عينها
وأحدثتَ في أجفانها الفتك والسحرا
وحلَّيتَ في سلك العزائم جيدها
ووشَّحتَ منها في صنعائك الخصرا
وزيَّنتها حتى حكى التبر تربها
ولو لم تكن في أرضها أصبحَتْ صفرا
فصِرْتَ بها لما حلَّلتَ بصدرها
كيوسُفَ إذ ولاّه خالقُه مصرا
فلم تجزِ أهلَ المكر يوماً بمكرهم
ولم تصطنع غدراً لمنْ صنعَ الغدرا
صفحتَ عن الجانين إلاَّ أقلَّهم
فأوسعتهم عفواً وأثقلتهم شكرا