انتقل إلى المحتوى

رسالة سليم الأول إلى قانصوه الغوري بخصوص نيته الزحف على الصفويين مرة أخرى

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
​رسالة سليم الأول إلى قانصوه الغوري بخصوص نيته الزحف على الصفويين مرة أخرى​ المؤلف سليم الأول
ملاحظات: وردت هذه الرسالة بِاللُغة العربيَّة في المُجلَّد الأوَّل من كتاب «مجموعة مُنشآت السلاطين» لأحمد فريدون بك، الصادر سنة 1275هـ في دار الطباعة العامرة بإستانبول. صحيفة 419 - 421. رابط تحميل نسخة من الكتاب. النسخة الواردة أدناه من تصحيح وتعليق أ.د. فاضل بيات، في المُجلَّد الأوَّل من موسوعة «البلاد العربيَّة في الوثائق العُثمانيَّة». أرسل السُلطان سليم رسالته هذه من مدينة آق شهر، وهدف من ورائها إحاطة السُلطان الغوري علمًا بالإنجازات العسكريَّة التي حقَّقها العُثمانيين على الصفويين.


بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين

الحمدُ لله الذي أعزَّ عبده، ونصر جُنده، لِيكون لِلعالمين نذيرًا، وأيَّده بِالتوفيق لِيجعل لهُ من لدُنَّهُ سُلطانًا نصيرًا، وصيَّر لمعان حُسامه في إزالة الكُفر، وظلامه شمسًا وقمرًا مُنيرًا، وجعل نقمته لِلأشرار مشبوبة، ونعمته لِلأخيار مصبوبة، فمن اعتصم بِحبل مُتابعته نال مناه، ومن انتظم في سلك مُشايعته حاز مُبتغاه، وصار من القوم الذين لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون، والصلوٰة والسَّلام على من اقتدينا بآثاره واهتدينا بأنواره، مُحمَّد الذي منَّ الله على المُؤمنين به، إذ بعث فيهم رسولًا، أرسله بِالهدي ودين الحق لِيُظهره على الدين كُلِّه ولو كره المُشركون، وعلى آله وأصحابه الذين هُم قاموا لِحماية الدين، ونُصرة الإسلام والمُسلمين، ﴿أُوْلَٰٓئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ ۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ، وبعد؛

فإنَّا أصدرنا هذه المُفاوضة الشريفة، مُخبرة عن خُلُوص نيَّتنا، والمُكاتبة اللطيفة مُعربة عن صفاء طويتنا، إلى الحضرة العليَّة الأكرميَّة الأفخميَّة الأعظميَّة الأعلميَّة الأعدليَّة الأكمليَّة الأكفليَّة الأفضليَّة العونيَّة الغوثيَّة، وهو الذي شمل المحاسن كُلُّها، وجرت عليه المفاخر ذيلها، وألقت لديه المعالي مقاليدها، وأُرجعت إليه المكارم أسانيدها، حامي الحرمين المُكرَّمين المُحترمين المُبجلين المُعظمين، ناصر الإسلام والمُسلمين، ظهير أمير المُؤمنين، لا زالت خواطره الشريفة مسرورة، ومواد ابتهاجه موقورة، وأياديه مشكورة، ومحاسنه مذكورة، ولا خلا من عزَّةٍ يتمهَّد أساسها، ونعمةٍ يتجدَّد لباسها، وحشمةً يرتفع شراعها، ودولةً يلتمع شعاعها، ما سبح سمك وسبَّح مَلَك، نهدي إليه سلامًا يجمع القُلُوب على حُبِّه وولائه، ويرفع الكُرُوب عن عراض الصُدُور بِطلائع صدقه وصفائه، وثناءٌ يرفع غياهب التناكر عن مجالس الأُنس بِنوره وسنائه، ويتضح المناهج القويمة والمعارج المُستقيمة إلى منازل القُدس بِتلألُؤ نُجُوم سمائه، ونُبدئ لِخواطره الكريمة:

إنَّ علمه الشريف مُحيطٌ بِأنَّا لمَّا عُدنا من فتح الكماخ مصحوبين بِالسلامة، محفوفين بِالعزَّة والكرامة، بلغ الشتاء وبرد الهواء وجادت السماء، وتواصلت الأنواء، وتواترت الأنداء، واختلَّت مثابة القتال، وانحلَّت معاقد النزال، فقُلنا نستريح هذه الشتوة، ونستكمل الخُطوة، ونُواصل الغزوة، وبِيُمن صدق هذه العزيمة، والاستمرار في الجهاد على الشيمة، نزلنا بِدار سلطنتنا، فأقمنا فيها بِدولةٍ وارية الزناد، عالية العماد، مُطمئنَّة المهاد، راسية الأوتاد، إلى أن جاء الربيع، وعرض نسايم الأسحار صُفُوف الأزهار على مراكب الأشجار، وشارب النبت قد طرّ، وهارب البرد قد فرّ، فتفاضى عزيم عزمنا بإعلاء كلمة المُوحدين على المُلحدين، وتثبيت قُلُوب المُتقين على اليقين، وهذه العزيمة التي أصبحت بها كلمة الإيمان مُنتشرة، ووُجُود المُسلمين بها ضاحكة مُستبشرة، ووُجُوه المُشركين ﴿عَلَيْهَا غَبَرَةٌ ۝ تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ ۝ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْكَفَرَةُ ٱلْفَجَرَةُ، جهَّزنا الفيالق، ونشرنا البيارق، وحشرنا الرواعد والبوارق، وترنَّحت الصواهل، وتربَّحت الذوايل، فضُربت الكُؤوس، وسمت النُفُوس، فعبرنا البحر والنصر مُقبل والظَّفر مُتهلل، والميمنة والميسرة بِاليُمن مُمتدتان، والقلب لهُ من التأييد والتمكين جناحان، فتوجَّهنا إلى الديار الشرقيَّة، فحين مجيئنا بلدة آق شهر، وُقيت عن الآفة والقهر، ظهر شيءٌ من الاتفاقات النادرة، وإمارات السعادة الباهرة، وورد البشير من قبل ليثٍ خادر، وأسدٍ زاير، وهو أمير الأُمراء بِالديار البكريَّة مُحمَّد صانه عن المكاره الملك الأحد، فأخبر أنَّ إسماعيل المخذول بعد انفتاح الآمُدمُلاحظة 1 المحروسة والخربوت وسائر قلاعها وجبالها، جمع جمعًا كثيرًا كان مقداره عشرين ألفًا أو يزيدون، وجعل لهم قسيم رأسه المشهور بِقراخان أمير، وهو مُقدِّم جيشه فائق على أقرانه، وأرسل معهُ أمير بغداد وأمير همدان وأمير الحلَّة وأمير السُلطانيَّة وأمير الكلهور وأمير السعيد وأمير كشان وغزوينمُلاحظة 2، والأمير المزبور مع بعض الأُمراء من العساكر المنصورة انقضَّ عليهم انقضاض البُزاة على البُغاث، وصدَّهم عن الانبثاث والانبعاث، فلمَّا رأتهم الطائفة المذكورة، رتَّبوا الرجال وطلبوا الفُرسان، وأقام الصُفُوف على المُوازاة قلبًا كمُجتمع الليل، وميمنة كمُندفع السيل، وميسرة مشحونة بِأشاهب الخيل، وهاج الفريقان بعضهم في بعض كالجراد المُنتشر ضربًا، يُزيلُ الرؤوس عن العوانق، ويُبيِّن الزُنُود على المرافق، وطعنًا يهتك ودايع الصُدُور وبُره مشارق الغُمُوم والسُرور، ورشقًا يُصيب شواكل الأبصار، ويُطلب وراء القفار مضجع القرار، واشتدَّت الحرب حتَّى تقلَّصت الشفاه، وتغضَّنت الجباه، وتقطَّعت لهُ الأنفاس، وتخسَّرت الفُرسان والفراس، واغبرَّت الآفاق، واحمرَّت الحماليق والأخداق، وجلت دياجير النقع من لمعان الحديد السوافر الوافرة، واتصلت لِلمُوحدين من الملائكة المُسوَّمين إمداد النُصرة المُتواترة، فهبَّت نسمات الفتح المُبين من مهبّ ﴿فَأَيَّدْنَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ عَلَىٰ عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُواْ ظَٰهِرِينَ، خرقوا حجاب الصف، وفرَّقوا شمل الجمع المُلتف، حتَّى زُلَّت أقدامهم عن مقارها، وتهاوت الرقاب عن مزارها، وقضت الرماح من قلب العدُوِّ أوطارها، وبرَّدت المشرقيات أوارها، خُذل الضلال ونُصر الهُدى، فانقلبوا خاسئًا حسيرًا، وتنكَّص على عقبه ملومًا مدحورًا، فصمَّم الأُمراء المذكورة العزيمة على الهزيمة، فطاروا بين الأقطار كُلَّ مطار، وسقتهم ساقية الدمار والإدبار، فتطرَّق الفرق فيالقهم، وتلقَّاهم الفُرسان بِالسيف فحلُّوا عاتقهم، وفُرشت القتلى في الوهاد والجبال، وقُيِّدت الأسارى في الأصفاد والحبال، فلم يبقَ بعدها اثنان عند تنازل الأقران، وتناوُب الضرَّاب والطعَّان، ﴿ذَٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ وكذلك يفعل الله بِالظالمين. لم ينجح منهم إلَّا أقلُّ قليل أُسروا بِأسرهم، فذاقوا وبال أمرهم ﴿جَزَآءًۢ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ، فقُطع دابر القوم الذين ظلموا والحمدُ لله رب العالمين.

فلمَّا وصل إلينا أخبار هذه الفُتُوح المُترادفة والسعادات المُتضاعفة بِرُؤوس الأُمراء المذكورة، التي هي بِفضل الله تعالىٰ ومنِّه لِلفُتُوح سائقة، ولِأمثالها قائدةً وسائقة، وُجب أن نرُدَّ بها البُشرى والبَشرى إلى المجلس السامي أسماء الله عزَّ وعلا، لِيُسرَّ خواطرهم الشريفة وقُلُوبهم المُنيفة، ويُجدِّد المودَّة الأزليَّة والمحبَّة (الأبديَّة؟)، فلِذلك جهَّزنا الأمير الكبيري المُقرَّبي من خواص حضرتنا حسن رُزقت سلامته مع رأس قراخان، وحمَّلناه من السلام ما هو أزكى من عُرف الورد ونشر الخُزام، فالمُترقَّب من الألطاف العميمة أن يُنظر بِعُيُون الإكرام والعزَّة والاحترام ويُكثر في تبجيله وتعظيمه وتكريمه، والله تعالىٰ متَّعكم بِنيل السعادات، وبلَّغكم أقصى الأماني والمُرادات.

تحريرًا في أواخر شهر رمضان المُبارك سنة إحدى وعشرين وتسعُمائة.مُلاحظة 3

هوامش

  1. أي ما يُعرف اليوم بِمدينة ديار بكر.
  2. أي مدينة قزوين في إيران.
  3. المُوافق فيه 7 تشرين الثاني (نوڤمبر) 1515م.