رحلة جرجي زيدان إلى أوربا/ثالثاً: سويسرا

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة










ثالثاً - سويسرا









ضاق المقام عن الإفاضة في وصف سويسرا وقد زرنا منها جنيف ولوزان وإيفيان. وهي من أحسن مصايف العالم لوقوعها حول بحيرة من أكبر البحيرات تحف بها الشواطئ المكسوة بالغابات الغضة والقرى العامرة. وكنا لما زرنا الآستانة منذ بضعة أعوام أدهشنا بوسفورها بما على شاطئيه من التلال المكسوة بالأشجار والقصور وقلنا إنها فريدة في العالم فلما شاهدنا جنيف وضواحيها إذا هي كثيرة الشبه بالبوسفور من حيث مناظره الطبيعية.

وفي جنيف بعض المتاحف والمعارض. وفيها جامعة شهيرة وكذلك لوزان فإن جامعتها كبيرة. وأما إيفيان فقد عرفت بمائها العذب يحمل بالقناني المختومة إلى أنحاء العالم المتمدن.

ونختم كلامنا عن هذه الرحلة بفائدة اجتماعية فلسفية شاهدناها في فرناي بجوار جنيف وهي القرية التي قضى فولتير أعوامه الأخيرة فيها ومنزله هناك معروض للفرجة بما فيه من الأثاث والأدوات في غرفة للنوم والمكتب والمائدة مما يبعث على التفكير في مصير الإنسان. وإنما أثر في خاطرنا على الخصوص تمثال لفولتير نصبه أهل القرية في مدخل قريتهم فوق قاعدة من الرخام نقشوا عليها بالفرنساوية ما ترجمته:

«إلى فولتير المحسن لفرناي وقد عمر لأهلها أكثر من مائة بيت وبنى لهم كنيسة ومستشفى وحوضاً للماء وسبيلاً وكان يقرضهم النقود بلا ربا وقد جفف المستنقعات وأنشأ أسواقاً للبيع والشراء وأطعم أهلها في مجاعة سنة ١٧٧١»

وقفنا عند هذا التمثال برهة ونحن نعيد قراءة ما نقش عليه. وإن ما أدهشنا منه قوله «وبنى لهم كنيسة». والقراء يعرفون فولتير ونظره في الكنائس وما يتبعها فكيف يبني للناس كنيسة؟ إنه لم يبنها لما يرجونه هم منها لأخراهم بل بناها لاعتقاده أنها من أهم أسباب سعادتهم وأنهم لا يستغنون عن الدين في معاملاتهم. وفي ذلك عبرة للذين يتوهمون استغناء الناس عن الدين.