رحلة الصيف إلى بلاد البوسنة والهرسك

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
​رحلة الصيف إلى بلاد البوسنة والهرسك​ المؤلف محمد علي توفيق
ملاحظات:


بسم الله الرحمن الرحيم

سبحانك اللهم أبدعت هذا العالم على أجمل صنع وأكمل نظام، وأودعت مشاهده من سر وجودك ما عرفك به جميع الأنام، فما من شيء إلا يسبح بحمدك وينزهك عن موارد الخيالات ومخاطر الأوهام، وجعلت في كل جوهر وعرض من بارع المبتدع ورائع المخترع ما لا يُحصى من الآيات على وجوب وحدتك، وما لا يُستقصى من البرهانات على تخصيص التأثير بقدرتك، فلك الحمد ومنك التوفيق إليه، ولك الشكر وبك الاستعانة عليه، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي ناضد للحق وجاهر، وجاهد في الله وهاجر، وأوضح الطريق القويم، وهدى الصراط المستقيم، وعلى آله وصحابته ومن درج على طريقه وسنته.

(وبعد)، فكثيرًا ما ارتحلتُ إلى البلاد الأوروبية وجبت أقطارها، وزرت عواصمها وشارفت مدائنها، حتى أدركني السأم من معاودتها، والملل من الترداد عليها، والاختلاف إليها، ولما لم يكن لي بدٌّ من السياحة لترويح النفس وتبديل الهواء واستطلاع ما تحويه جوانح البلدان من مجالي الطبيعة ومناظرها، ومجانيها البديعة ومخابرها، والوقوف على أخلاق الناس المتبايني العناصر والعوائد، والمتفاوتي المشارب والعقائد، وكنت أجد من نفسي جنوحًا عظيمًا وميلًا أكيدًا إلى زيارة الأقطار الشرقية، فرأيت أن أتمم رحلتي في عام ١٩٠٠ بما يبلغ بعض ذلك المأرب، ويحقق إن شاء الله من تلك الأمنية، ولقد كان وصل إليَّ من قبل أن بلاد البوسنة والهرسك قد أصابها قسط من الحضارة العصرية، وأن قد أنشئت فيها السكك الحديدية، وأقيمت في مدائنها الفنادق والمطاعم وغير ذلك مما يجد المسافر معه وسائل الراحة ووسائط الرفاغة ما ربما لم يجده في كثير من البلاد الشرقية، بَيْدَ أنها مع ذلك لا تزال ناقصة أمورًا كثيرة مما نشاهده في بلادنا وفي غيرها، فإن من قصد إلى الموازنة بين فنادق تلك البلاد وغيرها من المدن المتحضرة تجلى له الفرق محسوسًا سواء كان في ضخامة البناء أو وثارة الأثاث أو وفرة المعدات أو غضارة المشاهد ونضارة المناظر والمعاهد، كما أنه لو عمد عامد إلى المقايسة بين الخطوط الحديدية في تلك الأصقاع وبينها في مصر مثلًا لوجد أنها لم تبلغ في تلك ما بلغته في هذه من تمام الاستعداد وكمال النظام؛ إذ ينقصها ما هو في السكك الحديدية اليوم أشبه شيء بالضروريات كالعربات الخصيصة بالنوم والمعدَّة للأكل، وقد نجد مثل هذا الفرق في المطعومات أيضًا، وإذا كان ذلك في أهم ما يعتني بشأنه عادة فلان يكون في غيره أولى، ولكني بالرغم عن كل ما ذُكر، بل وعن كل ما عساه أن يعترضني من المتاعب ويعروني من المشاق، كنت أشعر دائمًا بزيادة الميل ومضاعفة الرغبة إلى ما أزمعت الرحلة إليه من تلك البلاد، حتى إن صادف أني كنت وجناب السير «رنل رود» نائب جناب «اللورد كرومر» المندوب البريطاني في مصر على ظهر اليخت «اسبرن» وتجاذبنا أطراف الحديث فيما يختص برحلتي إلى تلك البلاد «بلاد البوسنة والهرسك»، وكاشفته بميلي إلى ذلك، فما هو إلا أن شرح لي من محاسن هذا السفر وفوائده ما استخلف الميل بالعزم واستبدل التردد باليقين والجزم. وقد زاد ذلك تعضيدًا أني كنت كلما تحدثت مع أحد في هذا الشأن أجده مرتاحًا إليه باعثًا بالمشورة عليه، وإنما قصدت أولا إلى بلاد البوسنة والهرسك دون غيرها من سائر البلاد الشرقية لأجد منها عونًا على اجتياز البلاد الأخرى التي هي أدنى منها حضارة وأقل مدنية، بل وأقشف منها إهابًا وأخشن جلبابًا، ولكي تكون أول سُلَّم أتدرَّج به إلى ما قصدت له واعتزمت عليه.

هذا ومما أذكره مقرونًا بالأسف أني كنت قبل هذه العزيمة كلفًا بزيارة بلاد المغرب من نحو الجزائر وتونس وإسبانيا، وخصوصًا أن الموسيو «كوجردان» الذي كان معتمدًا سياسيًّا لفرانسا في مصر قد كان طلب إليَّ أن أتطوف بهاتيك الجهات، أراد أن يكون ذلك بصفة رسمية؛ حيث التمس ذلك من حكومته التي أجابته إلى طلبته، غير أنه عرض لي إذ ذاك من الموانع ما استدعى تأجيل هذه السياحة إلى فرصة أخرى إن شاء الله، وأذكر من تلك الموانع أن الرعايا المسلمين في تلك البلاد كانوا وقتئذٍ مُهتاجين على حكومتهم، ولو أني وجدت فيما بينهم وهم يعرفون أني أمير مسلم وشقيق الجناب العالي الخديوي؛ لكان يُخشى أن تدب حمية البداوة في أعراقهم وتثور ثائرة نفوسهم، ولا سيما أن العوائد الشرقية حاكمة على الشرقيين بما عساه يخالف العوائد الغربية، من نحو وجوب الرعاية عند اللياذ، والحماية وقت العياذ.

الشروع في السفر إلى بلاد البوسنة والهرسك

لما أن قضيت سياحتي في أوروبا عام ١٩٠٠ وانثنيت من باريس معرِّجًا على «ويانا» عاصمة بلاد النمسا، شرعت هناك في رسم خطة أسير على مقتضاها، فعنَّ لي أولًا أن أجعل مبدأ سيري إلى بلاد البوسنة والهرسك من «ويانا» إلى «بودابست» عاصمة بلاد المجر ثم منها إلى «بنيالوقا» ومنها إلى «ياسي»، فإلى «طراونيق» ومنها إلى «سراجيفو» عاصمة بلدان البوسنة، ثم أستأنف منها السفر إلى «مسطار» عاصمة الهرسك ثم منها إلى «منكوويتش» ومنها عن طريق البحر إلى «قطارو» كيما أشرف على مرائي الطبيعة البيضاء في بلاد الجبل الأسود وعلى الخصوص عاصمتها «ستينيا» لعلي أنفح الروح بنفثة من نورها البليل، وأتنسم جوَّها الصاحي ونسيمها العليل، ولكن مع الأسف لم يسمح لي الدهر من الوقت بأكثر مما يسع زيارتي لبلاد البوسنة وتجوُّلي في أطرافها ووقوفي بطرائفها، وإرسال النظرات إلى مجالي الطبيعة تتغادى بين الأنجاد والأغوار، وتتهادى بين الأغصان والأزهار.

من أجل ذلك أضربت عن السير على هذه الخريطة وتغانيت بالسياحة في بلاد البوسنة؛ إذ كان مبدأ سيري إليها من «ويانا» إلى «بودابست» ومنها إلى «زابتكا» فمنها إلى «بوسنه برود» ومنها إلى «سراجيفو» فإلى «طراونيق» فإلى «ياسي» ومنها إلى «بنيالوقا».

مبارحة فينَّا إلى بلاد البوسنة

في صباح اليوم الثامن من شهر سبتمبر عام ١٩٠٠ عزمنا بحول الله ومعونته على مغادرة فينا قاصدين إلى بلاد البوسنة والهرسك، التي كانت يومئذ محط رحالنا ومرامي آمالنا؛ وإذ ذاك ما كان أجدر فندق «امبريال» الذي أكرم منزلنا وأجمل مثوانا بنظرات وتأملات يصحبها الأسف على مفارقة مناخه الجميلز وكان في انتظارنا بالباب مركبة وهي وإن كانت من مركبات الكراء غير أنها لا تقل في حسن المنظر وجمال الزخرف عن غيرها من العربات الخصوصية، وما كدنا نمتطي متنها الوثير حتى أخذت تنهب بنا الأرض نهبًا، وعجيب أن تسير مثل هذا السير الحثيث على بلاط «ويانا» الذي عفت آثاره فأصبح من تقادم العهد عليه عوجًا وأمتًا! وما زالت كذلك تنتهب طرقات العاصمة وشوارعها حتى إذا لم يبقَ بيننا وبين «المحطة» إلا قيد عشرة أمتار رأينا الحوذي قد أبطأ في السير وقلل من السرعة ولا نعرف لذلك سببًا، اللهم إلا أن ميدان «المحطة» الفسيح كان مزدحمًا بجماهير الناس وغاصًّا بجماعات المسافرين، وقد قضى حسن نظام الحكومة أن تحفظ مع هذا التزاحم راحة المسافرين مما عساه يحدث لهم لو تركت العربات وسرعتها وخلت الحوذيين وشأنهم، وعند ذلك تقاضى الحوذي منا أجره وهو اثنان ونصف من الفولورينات، فأخذه وعلائم البشر تلوح على جبينه. وأذكر أننا قطعنا ما بين الفندق «والمحطة» في مدة لا تربو عن العشر دقائق بفضل السرعة التي ذكرناها آنفًا، ولما أن دخلنا المحطة وهي محطة الحكومة المسماة «استتابنهوف» التي منها يؤخذ الطريق إلى بلاد المجر، التفت فلمحت ترجمان الفندق الذي كان قد سبقنا مع الحاشية إليها، وهنا أذكر ما فات القارئ من تعرُّف من كان معي في تلك الرحلة، وهم صاحبي العزيز محسن بك راسم، وثلاثة من المهنة وهم محمد جعفر الشماشرجي، والخيال المشهور «دولت» الجركسي، ومحمد آغا الكروجي، وتخيرنا هذا الأخير؛ لأن أصله من الجبل الأسود وله إلمام بلغة السلاف ليكون ترجمانًا لنا فيما نحتاج إليه مما تتعاصى معرفته علينا من لغة القوم.

قطار السكة الحديد

وحينما وافت الساعة الثامنة والدقيقة الخمسون كان قطار الإكسبريس الذي يمرُّ في طريقه ببودابست متجهًا إلى بلاد البوسنة، متأهبًا للمسير متهيئًا للرحيل، وكنا أرسلنا ترجمان الفندق من قبل ليحجز لنا محلًّا من المحال الخصيصة في عربات ذلك القطار، بما لا يزيد عن ثلاث أنفس، ولكنه جاء بعد آسفًا وأخبرنا بأنها قد ضاقت على الراكبين بما رحبت، وأن ليس لنا مجال فيها ولا نصيب منها، أما حاشيتنا فإنها سكنت إلى الدرجة الثانية، وأما أنا وصاحبي فما لبثنا نفكر كيف نصنع ولا مناص من السفر، حتى هُدينا إلى أن نحبو القومساري بشيء من النقود هو في مجاري عاداتهم أشبه بالضروريات، وما هو إلا أن نزعت بالرجل همته وخفت به حلاوة العطية فرادنا إلى حجرة تَسَعُ ست أنفس بدلًا من ذوات الثلاثة، فاستخلفنا والحمد لله الفضة بالنضار، واستبدلنا الدرهم بالدينار، ولم يزل بنا حتى أغلق بابها لكيلا يشاركنا فيها غيرنا، فسرنا منه ذلك كثيرًا وزادنا سرورًا ما نُمي إلينا من أنا سنلازم تلك الحظيرة حتى حدود البوسنة، مع أن العادة في هذا السفر قد جرت بتنقل الركاب ثلاث مرات في غضون المسافة.

على أنا لم نَكُ لنطمئن على مجالسنا تمام الاطمئنان خشية أن يدفع الزحام ببعض المسافرين إلى مساهمتنا في تلك الحجرة الرحبة بالرغم عن رقابة القومساري لنا واحتفاظه بنا، وحرصه على أن لا يصل إلينا ما نكره وأن لا نرى ما نحب، ولقد كان أن بعض الناس جاء إلينا وحاول أن يزج بنفسه بيننا، ولكن ما نشب يحاول أن رأى له متسعًا فيما زيد أخيرًا على عربات القطار؛ إذ اتفق من حسن الصدفة أن ناظر «المحطة» قد اضطر بسبب وفرة الركاب إلى أن يضم إليها ما فيه الكفاية لركاب الدرجة الأولى، وتلك لعمر الله عناية عظمى ما كان أحوج جماعة المسافرين في راحتهم إليها، وقد استغرق هذا العمل من الزمن ما أفضى إلى تأخير القطار عن ميعاده المعتاد نحو أربع وأربعين دقيقة، والذي كان يشارف عربات الدرجة الثانية والقطار مندفع بقوة البخار، يرى النمساويين الذين جرت عادة أغلبهم بأن لا يتفوقوا إلى هذه الدرجة يتغادون في سراديبها ويتراوحون في دهاليزها، وما فتئ ابن البخار يشق بنا أحشاء القفار حتى وصلنا إلى حدود بلاد المجر في زمن غير بعيد، وهنا استودعنا في بلاد النمسا ذلك القومساري الذي ذكرنا عرفه وبينَّا لطفه وأطرفناه باثنين من الفولورينات، وهي طريقة مقبولة في عرفهم قلما تجد واحدًا منهم يأباها، فانبعثت فيه روح نشاط جديدة كان منها أن ختم خدمته وتوَّج جميله بوصاية رصيفه المجري الذي خلفه عند ملتقى الحدود، فلما زارنا ذلك الخلف أول مرة للتفتيش على التذاكر قرأنا فيه عنوان بلاده واستطلعنا منه طلع معشره؛ إذ كان ضخم الجثة أسمر اللون طويل الشارب، وكان مما يلفتني إلى هذا الرجل أني وجدته يلبس في يديه قفازين أبيضين، فاستغربت وليس موضع الغرابة إلا كونه مع هذا من عملة السكة الحديدية! ولقد لاقانا هذا القومساري من بشاشة الوجه وطلاقة المحيا بما لا نرتاب معه في أننا سننال من تعهده لراحتنا ما نلنا من أخيه النمساوي، وكان ما يتدفق في أفئدتنا من السرور به أضعاف ما يلوح على وجهه من البشر بنا، وكنت وصديقي محسن بك نتجاذب آونة أطراف الحديث، ونتوارد طرف السمر — وما ألذ التحادث في السفر — وآونة نلزم الصمت ونسرح في مسارح الخيال، حتى نام صديقي ونمت، وما أحوج المسافر إلى النوم والراحة، ولكن كيف ينام من ليس مطمئنًا في مقامه ولا حرًّا في منامه، بل كيف يملك راحته مسافر وفي القطار مثل رئيس المفتشين ذلك الرجل الجافي الطبع، الغليظ القلب، فإنا بعد أن أخذنا مضاجعنا باغتنا أي مباغتة، وفاجأنا أي مفاجأة، نعم فاجأنا بما ينبو عن الأدب وما لا يجمل بالمعاملة، وحظر علينا إقفال الباب من الداخل، فكان ذلك سببًا في كدر صفونا وامتعاض نفوسنا، حتى وصلنا إلى «بودابست» وقد بلغ منا التبرم به والتذمر من أخلاقه حتى إنا لنتحرش به تحرش الأسد بالفريسة، ولكن ما عسانا أن نصنع ولا حيلة لنا إلا امتثال ما أنبه عليه وأشار إليه، على أنه لم يصل إليه منا بارة سوء، اللهم إلا إذا كان التحلم معه وإسلاس القول له بعث في نفسه روح الشر، فركب معنا متن الغرر، وقد قيل الحلم يفسد من أخلاق اللئيم بقدر ما يصلح من أخلاق الكريم.

إذا أنتَ أكْرَمْتَ الكَريمَ مَلَكْتَهُ
وَإنْ أنْتَ أكْرَمْتَ اللَّئيمَ تَمَرَّدَا

كأني بالقارئ يلاحظ عليَّ تعرضي لذكر دقائق الأمور وجزئياتها، وما أدراه أن صغائر الأشياء عنوانات جلائلها، والفرد الواحد قد يكون نموذجًا لكل شعبه، وإذا كان غرضنا أن نقف على عادات القوم وأخلاقهم، فلا سبيل لالتماسها إلا من أفرادهم ولا سيما صغارهم الذين لا يحسنون المواربة ولا يجيدون المماراة، فيتسنى للمستطلع أن يستجلي منهم ما يريد أن يستجليه صافيًا نقيًّا لا تشوبه شائبة الغرض، وقد قيل: إن قلب الجاهل وراء لسانه، كما أن لسان العاقل وراء قلبه.

ومما أذكره أنه لما حان وقت الظهر ونحن في أثناء الطريق جاء إلينا الخادم المخصوص بعربة الأكل ليسألنا عما نحتاج إليه، ولعلمي من العادة هنالك أن السياح يذهبون إلى الطعام على دفعتين أوفدتُ خدمي في الدفعة الأولى التي كانت توافق الظهر تمامًا، أما أنا وصاحبي فانتظرنا أمد الثانية التي تكون الساعة الواحدة والربع بعد الظهر.

في غرفة الطعام

حتى إذا ما جاء ذلك الوقت سارعنا إلى عربة الأكل، ولم يكن فيها إذ ذاك إلا سيدة ومعها ابنتاها، ويظهر عليهن أنهن من البيوتات الكريمة والأسر الخطيرة في بلاد المجر لما على وجوههن من مسحة الشرف وسيماء الإمارة، وما كدنا نسكن إلى مجالسنا حتى وافانا الخادم الذي ظن أننا فرنساويون حينما سمعنا نتكلم باللغة الفرنساوية، فأوعزنا إليه أن يأتينا «بشوربة» فأمهلنا زهاء نصف ساعة كان في غضونها يغدو ويروح بغاية السرعة؛ لأنه على ما كان يظهر لي هو القائم وحده بحاجات المسافرين؛ ولذلك كان يتصبب عرقه ويتقاطر على وجهه فيضطر إلى تجفيفه بغلالته حتى اشمأزت نفوسنا من هذا المنظر، على أن «الشوربة» التي أحضرها بعد لم تكن بالسائغة، وقد أردفها بسمك كان كذلك غير مقبول، فتنحينا عنهما — لا بطرًا — وطلبنا خبزًا بغير إدام عسانا أن ندفع به الخلة ونسد به الرمق، وفيما أنا أتَلفَّتُ إذ وقع نظري على خادم آخر وادع في مكانه لا عمل له إلا فتح الزجاجات، وأظنه حبس نفسه ووقف شغله على هذا العمل ليفلت من عناء الخدمة التي يكابدها رصيفه. وبعد هنيهة لمحت على الكونتيسة علائم الرغبة في أن تنفرد هي وكريمتاها إلى طاولة على حدة، وحينذاك أوعزت إلى صديقي أن يدعوهنَّ إلى «ترابيزتنا» حتى نتنحى عنها إلى غيرها، غير أن هذا الرأي لم يصادف عنده الذي كنت أرجوه منه ولم يبلغ من نفسه ما بلغ من نفسي، فاعتذر إليَّ بأن حاجتنا ونحن مسافرون داعية إلى الاحتفاظ بهذه «الترابيزة» في سفر لا يقل طول مسافته منذ هذه المشورة إلى منتهاه عن أربع وعشرين ساعة خصوصاً وأن مستهل سياحتنا ومطلع سفرنا كان كما عرف القارئ أوّلاً لكثرة الزحام مدعاة إلى القلق ومنآة عن الراحة. ويعلم الله أن رأى صديقي لم يكن ليثني رأيي ولا ليفل غرار رغبتي وخصوصاً بعد ما رأيت من حسن شيمها وجيل صنيعها. فإني لما طلبت إلى الخادم خبزاً في المرة الثانية لمحت واحدة من ابنتها تشير إلى والدتها ولا يعلم إلا الله حينذاك ما كانت تقصد إليه ولكنا ما لبثنا أن أهدت إلينا الكونتيسة سلة فيها خبز فعرفنا مغزى إشارة تلك الفتاة الرؤوفة إلى والدتها الشفوقة العطوفة وكانت تلك الهدية المقبولة والمنحة المبرورة أدعى إلى خجلي وأبلغ في أسفي وتمنيت لو أني كنت البادئ بالمعروف

وقف القطار على محطة (بست) فنزل إليها قصادُها من الركاب وخلف من بعدهم خلف من المسافرين الذين كانوا وقوفاً على رصيف (المحطة) ينتظرون هذا القطار فخشينا لكثرتهم أن يضيق القطار بهم فيضطر بعضهم إلى مزاحمتنا في محلنا فنقع هنا فيما كنا نتوفاه هنالك. وقد قام من هذه (المحطة) قبل قيام قطرنا اثنان آخران أحدهما اكسبريس الشرق الذي يكون مبدأ سيره من باريس ويمر على ذلك البلد متجهاً إلى إسلامبول. والثاني يبتدئ منها قاصداً إلى «بوخارست» ولما نزح كل من القطارين براكبيه التفت فلم أر في فناء (المحطة) غير نفر يسير. منهم ثلاثة يلبسون الطربوش على عادة الشرقيين فصبوت إلى معرفتهم وظهر لي أنهم من بلاد البوسنة وأنهم على نية الأوبة إلى أوطانهم وقد امتطوا من الدرجة الثانية – ولم تكن وابورات النمسا لتشتمل إلا على الدرجتين الأولى والثانية – فصادف ركوبهم حيث يركب خدمنا. وبعد قليل علم أولئك البوسناويون «البكوات» ممن كان معهم من الخدم أننا شرقيون ثم تدرج بهم التبحث عنا إلى أن سألوا عما إذا كنا مسلمين أو لا فأجيبوا بأننا مسلمون. هنالك أنساب أولئك النفر في الخدم يؤنبونهم تأنيباً ويبكتونهم تبكيناً على ترديهم شعار الغربيين وتنحيهم عن شارة الشرقيين. هذا ما كان بلغني من رفيقي محسن بك الذي أرسلته لاستطلاع أمرهم وكنت احتطت لمثل ذلك من قبل ونبهت على خدمي بأن لا يشعروا بنا أحداً ولكني مذ سمعت من رفيقي ما جرى خشيت أن يكونوا نسوا ذلك التنبيه فأعلموا القوم بحقيقتنا ولكن والحمد لله زال ما كنت أخشاه حين علمت بأنهم لم يعرفوا عنا إلا أننا تجار.

وكنت ونحن في بلاد المجر على جناح الطائر الميمون الذي كان كثير الرسو على (المحطات) أنتهز الفرص في اختلاس النظرات لأرى رجال تلك البلاد بشُعُرِهم وأزيائهم التي تختلف — بالطبع — باختلاف جهاتهم كما كنت أرى ذلك في غير هاتيك البلاد ولكن مع الأسف لم يقع نظري هنالك إلا على فتيات أحداث كنَّ يتراوحنَ ويتغادين في تلك (المحطات) ليبعن المسافرين ما بأيديهنَّ من صنوف العنب والخوخ حتى وصلنا إلى (زابتكا) ومن هذا البلد ينقسم القطار إلى قسمين والمسافرون يتناولون وقتذاك طعام العشاء غير أني وصديقي لم نشارف الخوان في ذاك الآن بل أجلنا ذلك العشاء إلى وقت المغرب حاسبين أنا نجريه في بلدة (جالا) التي وصلناها وكان للحديث الفضل في قطع المسافة إليها من غير ما نصب ولا لغوب. وما وصلناها حتى عمدنا إلى فتح باب غرفتنا وكنا أسرع ما يكون تحدُّرًا إلى محل الأكل في (المحطة) وما كنا لنسرع إلا لأن القطار لا يقف ثَمَّت أكثر من ربع ساعة.

دخلنا إلى المطعم وإذا الشوربة تنتظر سائغيها والسمك يترقب آكليه وهنالك صحفة لحم مصنوع (بالصلصة) ويسمى هذا عندهم (بالجولاش) صنف معتنى به في طعومهم وهو أشبه شيء بما يسمى في عرف المصريين (بالياخني) وقد وجدنا في هذا الصنف من طيب النكهة ولذاذة الطعم ما أضربنا به عن غيره من الشوربة والسمك. بل قد بلغ منا استحسانه أن ذهبنا بأنفسنا إلى محل المطبوخات وترجينا طاهيه أن يزيدنا منه ويكثر. ولكن مع الأسف ألجأنا الإفراط من طعمه إلى الإفراط في شرب الماء الزلال ريثما نكسر به شِرَّة الحرارة التي أثارها في جوفنا هذا المأكول اللذيذ. ولست أدري أن لذاذة هذا المطعوم ما جاءت إلا بما يضيفون إليه من التوابل الحارَّة كما يفعل السودان بطعامهم المشهور المسمى لديهم (بالويكه). ثم نادى منادي (المحطة) حيث أذن القطار بالمسير فسارعت لأقضي ثمن المأكولات الذي كنت أحسبه كثيرًا بالنسبة إلى وفرتها فلم يتقاضوا إلا مبلغاً يسيراً في جانب ما طلبنا من الأكل الكثير!

القيام إلى محطة جالا

سار الوابور بسم الله مجراه واندفع كأنه السهم يشق كبد الفضاء وليس له من هدف إلا بلاد البوسنة. وكنا نشرف من خلال النوافذ ونرسل النظرات إلى أراضي تلك البلدان فنجدها منبسطة ميثاء لا تقل في استوائها عن أراضي الوجه البحري في مصر. وما كاد الليل يحلق بجناحيه في السماء وينشر ديباجه الحالك في ثنيات الفضاء حتى بدا محيا القمر. وكأنه ملك فخم. أناف بسراة قصره. وأشرف على رعائه من خلال ستره. فأرسل عليهم ما شاء أن يرسل من هبات آلقة وأيادٍ بيضاء. وما أجمل هذه المناظر في نفس المغترب المسافر. ثم لم يمضِ على مسير القطار أكثر من ساعة حتى دانينا نهر (الدانوب) وإذ ذاك خارت عزيمة البخار ووهت قوة قوائمه فرقاً من منظر ذلك النهر المهول الذي لا يقلُّ بعد ما بين عِبْريه ولا تضيق مسافة ما بين شاطئيه عن مثلَي النيل عند (كوبري) كفر الزيات. وهنا يذهب العجب بالقارئ كل مذهب إذا قلنا له إنه ليس على ظهر ذلك النهر (كوبري) ولا ممرٌّ ولا قنطرة ولا مَعْبَر والقطار لا محالة واصل. من الساحل إلى الساحل. يسبح على مَهَل. أم يجري على عجل. أم يطير في الهواء؟ وقد يعيا به حمله! أم يقتعد متن الماء؟ وقد يهوي به ثقله! ذلك ما كان يأخذ بالألباب ويذهب بالأحلام. ولكنهم قد قالوا إذا عُرف السبب بطل العجب وليت شعري لقد كانت العلة هنا أغرب والسبب أخفى وأعجب. فلم يزل بنا القطار حتى استوينا إلى شاطئ النهر وما هو إلا أن وافت إليه سفينة بخارية حتى حاذت مكانه ووصلت بقضبانها قضبانه. وإذ ذاك آوى القطار إليها واستوى بجملته عليها. ولا يستطيع واصف أن يشرح ما بلغت تلك السفينة من الطول والمتانة وغير ذلك، مما يدل على تمام الحذق في الصنعة وكمال الإتقان في الإبداع بأكثر من أنها وسعت ذلك المسافر الطويل وحملت على عاتقها هذا العبء الثقيل دون أن تضيق ذرعًا بامتداده العظيم ولا أن تتأثر لحمل جسمه الجسيم وما استوى على متنها القطار حتى أخذت تمخَر العُباب وتشق بجيزومها جوانب الحباب فاختلط الحابل بالنابل واشتبه علينا المحمول بالحامل وسرت الجارية وقد ألهب أحشاءها من النار السعير وإن أعيى قدميها من الماء الزمهرير حتى إذا وصلت إلى الشاطئ الآخر ووقفت منه موقفها من الأول ألقت رحلها ووضعت حملها فأعملت يد سائق القطار مفتاحه فسار الهويناء يسل ثيابه من ثيابها. ولقد كنا من ساعة امتطى القطار متن الجارية بنت البخار نرسل النظرات تلو النظرات فنستطلع في مرآة الماء ما كنا نقرأه في صحيفة السماء فكان من فوقنا نجوم غرَّاء ومن تحتنا كواكب زهراء.

وما أجمل القمر وهو بين هاتيك الكواكب كأنه القائد الحاذق تحف به الأجناد يلحظ بعينيه النجلاوين كل مكان ويرمقه شغفاً به كل إنسان فما كان أجلى الطبيعة وأجملها في مجاليها البديعة وما كان أحرى المشاهدين لكل هذه المناظر الباهرة بالاندهاش وأجدرهم بالعجب والاستغراب ولا سيما الذين لم يجتلوها غير هذه المرة فكان تعجبهم منها أكثر واستغرابهم لها أشدَّ وأكبر ومنهم رفيقي الذي ما كنت أنظر إلى وجهه إلا قرأت فيه آيات الدهشة ورأيت عليه سمات الإعجاب. فألفيته مشتغلًا ببعض المسافرين الذين سبقونا لمثل مآربنا فوقفت بحكم الضرورة أنتظر ريثما ينصرف هؤلاء وفي غضون ذلك كنت أجد مستخدمي (المحطة) مرتدي الثياب التركية حتى خلتني وأنا بينهم في بلاد عثمانية أو بين معشر أتراك. وقد ألفت نظري هنالك رجل نيَّف بطوله على المترين وعرفت أنه حَرَسِيّ من أنه كان يلاحظ النظام. وأذكر أنه لم يقع نظري في تلك الجهات على رجل في طوله. أما من كانوا يتوافدون على (المحطة) من الأهالي فملابسهم في الغالب كملابس الكرجيين (وهي السلطة والسروال) غير أنهم يتعممون بعمائم حمر. وقد لاحظت على فتيانهم أنهم يضعون العمائم على فودهم فتكسو ناحية من الرأس وتدع باقيها مكشوفاً حاسراً وأظن أن منشأ ذلك هو الإعجاب بزهو الحداثة ومَخيلة الشباب وينتعلون في أقدامهم أحذية كأحذية (أولاد البلد) عندنا وهي المسماة (بالمراكيب) غير أنها غريبة في شكلها إذ كانت ذات نعل سميك ممتد بطول القدم يقوم على جوانبه سياج من الجلد وهو أقل ارتفاعاً من المعروف هنا ويختلف في ملابس الأغنياء عنه في ملابس الفقراء بفرق قليل هو أن أولئك يضعون في زمن البرد عليه غطاء من الجلد آخذًا من رؤوس الأصابع إلى ما يداني مفصل القدم. وهؤلاء يتخذونه من الخرقة ونحوها وعلى كل حال يشدُّ ذلك الغطاء بأربطة على ظهر القدم. وكنت أرى في نفس أولئك القوم وداعة وفي أخلاقهم لطفاً وفي عرائكهم لينًا ولعل ذلك كان من أنهم لا يمرُّ بهم السياح كثيراً كما يمرُّون بغيرهم فيجدون منهم ائتلافاً وبهم ائتناسًا.

وبينما نحن على إفريز (رصيف) المحطة نروح ونجيء ريثما يحين وقت الركوب وإذا رجل من أهالي تلك البلاد يتأثر قصصنا ويتبع حركاتنا يسير إذا سرنا ويقف إذا نحن وقفنا فما ارتبنا في أن هذا الرجل من المخبرين السريين ولعله يرقبنا لكونه رآنا لابسي (الطربوش) ويجوز أنه لو لم يرَنا على ذلك الزي لم يتتبعنا كل ذلك التتبع.

ثم إنه اقترب منا وسألنا عن أسمائنا وبلادنا فما وسعني إلا أن أخبره بأسماء صاحبي وحاشيتي أما أنا فأعطيته اسمي الذي تعوَّدت أن أتسمى به في سياحاتي وهو (محمد أحمد بك) وبعد ذلك سألنا عما إذا كانت هذه أول سياحة لنا في بلاد البوسنة؟ وهل نحن متوجهون بعد إلى «مسطار» عاصمة الهرسك؟ ... وإنما عُني بهذين السؤالين وخصوصاً الأخير منهما لواقعة حال لا نرى بأساً من ذكرها وهي أنه موجود في «مسطار» كما هو موجود في غيرها مدارس للرهبان ويدرسون فيها علومهم ويبثون عقائدهم وفضلاً عن ذلك فهم يدعون إلى النصرانية من يقع تحت أيديهم من المسلمين وقد وقع أن تديَّن بدينهم ثنتان من النساء المسلمات واستدعى ذلك أن دب الهرج والمرج في جماعة المسلمين هنالك وبلغ منهم الغيظ والتذَمُّر مبلغاً عظيماً ولكنهم رأوا من العقل والأناة أن يرفعوا شكواهم إلى جلالة إمبراطور النمسا الذي لم يرَ أن يهدئ نفوسهم ويسكن ثائرتهم إلا بالسكوت عنهم وأن يغلق في وجه تلك الفتنة هذا الباب. فلم يجبهم على شكايتهم بجواب. فحسب ذلك الرجل أننا جئنا من تركيا بهذا الصدد ولذلك كان يدأب بسعيه على كشف الحقيقة ويتبحثنا بما لا يقل عن سعي المخبرين ولا أظنه إلا كذلك. ولما لم تكن (مسطار) مما عولنا على ارتياده في خطتنا الثانية أخبرناه بعدم ذهابنا إليها واكتفائنا من هذه السياحة بزيارة بلاد البوسنة. فبرقت أسارير الرجل وظهرت على جبينه علائم الفرح والسرور. وأخذ يحيينا كما يحيي رب البيت أضيافه وطفق يشرح لنا مزايا السياحات وما يعترض المسافر من التعب والراحة وما في بعض البلدان الأوروبية من غرائب التحف وعجائب الطرف. فقلت له: أرح نفسك. فبما أزل لنا المغفور له والدنا من النعمة تطوَّفنا بلاد أوروبا وجلناها شرقًا لغرب وجبناها شمالاً لجنوب ووقفنا على ما فيها وعرفنا ما بين دفتيها. وكان حديثنا باللغة الألمانية. وكنت ألاحظ أن بين جوانح الرجل دعة وفي معاملته لطفاً وأدباً.

ركوب قطار البوسنة إلى سراجيفو

ولما أزف الترحل ودعنا الرجل وودعناه وركبنا القطار حيث وافانا القومساري وذهب بنا إلى المحل المعدِّ لنا. وإني مبين للقارئ كيفية عربات النوم صفحة:رحلة الصيف إلى بلاد البوسنة والهرسك.pdf/16 صفحة:رحلة الصيف إلى بلاد البوسنة والهرسك.pdf/17 صفحة:رحلة الصيف إلى بلاد البوسنة والهرسك.pdf/18 صفحة:رحلة الصيف إلى بلاد البوسنة والهرسك.pdf/19 صفحة:رحلة الصيف إلى بلاد البوسنة والهرسك.pdf/20 صفحة:رحلة الصيف إلى بلاد البوسنة والهرسك.pdf/21 صفحة:رحلة الصيف إلى بلاد البوسنة والهرسك.pdf/22 صفحة:رحلة الصيف إلى بلاد البوسنة والهرسك.pdf/23 صفحة:رحلة الصيف إلى بلاد البوسنة والهرسك.pdf/24 صفحة:رحلة الصيف إلى بلاد البوسنة والهرسك.pdf/25 صفحة:رحلة الصيف إلى بلاد البوسنة والهرسك.pdf/26 صفحة:رحلة الصيف إلى بلاد البوسنة والهرسك.pdf/27 صفحة:رحلة الصيف إلى بلاد البوسنة والهرسك.pdf/28 صفحة:رحلة الصيف إلى بلاد البوسنة والهرسك.pdf/29 صفحة:رحلة الصيف إلى بلاد البوسنة والهرسك.pdf/30 صفحة:رحلة الصيف إلى بلاد البوسنة والهرسك.pdf/31 صفحة:رحلة الصيف إلى بلاد البوسنة والهرسك.pdf/32 صفحة:رحلة الصيف إلى بلاد البوسنة والهرسك.pdf/33 صفحة:رحلة الصيف إلى بلاد البوسنة والهرسك.pdf/34 صفحة:رحلة الصيف إلى بلاد البوسنة والهرسك.pdf/35 صفحة:رحلة الصيف إلى بلاد البوسنة والهرسك.pdf/36 صفحة:رحلة الصيف إلى بلاد البوسنة والهرسك.pdf/37 صفحة:رحلة الصيف إلى بلاد البوسنة والهرسك.pdf/38 صفحة:رحلة الصيف إلى بلاد البوسنة والهرسك.pdf/39 صفحة:رحلة الصيف إلى بلاد البوسنة والهرسك.pdf/40 صفحة:رحلة الصيف إلى بلاد البوسنة والهرسك.pdf/41 صفحة:رحلة الصيف إلى بلاد البوسنة والهرسك.pdf/42 صفحة:رحلة الصيف إلى بلاد البوسنة والهرسك.pdf/43 صفحة:رحلة الصيف إلى بلاد البوسنة والهرسك.pdf/44 صفحة:رحلة الصيف إلى بلاد البوسنة والهرسك.pdf/45 صفحة:رحلة الصيف إلى بلاد البوسنة والهرسك.pdf/46 صفحة:رحلة الصيف إلى بلاد البوسنة والهرسك.pdf/47 صفحة:رحلة الصيف إلى بلاد البوسنة والهرسك.pdf/48 صفحة:رحلة الصيف إلى بلاد البوسنة والهرسك.pdf/49 صفحة:رحلة الصيف إلى بلاد البوسنة والهرسك.pdf/50 صفحة:رحلة الصيف إلى بلاد البوسنة والهرسك.pdf/51 صفحة:رحلة الصيف إلى بلاد البوسنة والهرسك.pdf/52 صفحة:رحلة الصيف إلى بلاد البوسنة والهرسك.pdf/53 صفحة:رحلة الصيف إلى بلاد البوسنة والهرسك.pdf/54 صفحة:رحلة الصيف إلى بلاد البوسنة والهرسك.pdf/55 صفحة:رحلة الصيف إلى بلاد البوسنة والهرسك.pdf/56 صفحة:رحلة الصيف إلى بلاد البوسنة والهرسك.pdf/57 صفحة:رحلة الصيف إلى بلاد البوسنة والهرسك.pdf/58 صفحة:رحلة الصيف إلى بلاد البوسنة والهرسك.pdf/59 صفحة:رحلة الصيف إلى بلاد البوسنة والهرسك.pdf/60 صفحة:رحلة الصيف إلى بلاد البوسنة والهرسك.pdf/61 صفحة:رحلة الصيف إلى بلاد البوسنة والهرسك.pdf/62 صفحة:رحلة الصيف إلى بلاد البوسنة والهرسك.pdf/63 صفحة:رحلة الصيف إلى بلاد البوسنة والهرسك.pdf/64 صفحة:رحلة الصيف إلى بلاد البوسنة والهرسك.pdf/65 صفحة:رحلة الصيف إلى بلاد البوسنة والهرسك.pdf/66 صفحة:رحلة الصيف إلى بلاد البوسنة والهرسك.pdf/67 صفحة:رحلة الصيف إلى بلاد البوسنة والهرسك.pdf/68 صفحة:رحلة الصيف إلى بلاد البوسنة والهرسك.pdf/69 صفحة:رحلة الصيف إلى بلاد البوسنة والهرسك.pdf/70

Public domain هذا العمل في الملك العام في مصر وفق قانون حماية الملكية الفكرية لسنة 2002، إما لأن مدة حماية حقوق المؤلف قد انقضت بموجب أحكام المواد 160–163 منه أو لأن العمل غير مشمول بالحماية بموجب المادتين 141 و142 منه.
مصر
مصر