رجوع الشيخ إلى صباه/الباب الثالث
من الناس من تغلبهم شهوة الباه فيسرفون في استعماله وذلك مما يضرهم في بعض الأحوال ضرراً إلى الغاية ولاسيما من أهمل التدبير قبله وبعده وفى بعض الأحوال ضرراً دون ذلك وقد ينتفع به البدن فرأيت أن أذكر مضاره لئلا يلزم عليه من تغلبه الشهوة فيحصل له ما يضر ونذكر له التدبير الذي ينبغي عليه أن يستعمل قبله وبعده والأحوال والأوقات التي يستحب أن يكون فيها أو يكره ليكمل به الانتفاع فنقول أن الإلحاح على الجماع يطفئ الحرارة الغريزية فتضعف لذلك الأعضاء الطبيعية وتقوى العوارض الخارجة عن الطبيعة فتسقط القوة لذلك فيقل نشاط البدن وتقل حركاته وتضعف المعدة والكبد بسوء الهضم فيها وفى جميع البدن فيفسد الدم وتلين العروق وهو أيضاً يضعف البصر ويرق الشعر الأصيل ويضعفه حتى أنه يورث الصلع ويجفف الدم ويضر بالعصب ويورث الرعشة وضعف الحركات الإرادية ويضر بالصدر والرئة ويرق الكلى ويهزلها فيضعف لذلك أكثر فاعليها فمن كان تحت شراسيفة بالطبع نفخ أعيد ذلك في بطنه وخاصرته فلذلك ينبغي أن يتوفاه ومن يكون به حدوث القولنج الكائن من الريح بالأخلاط الباردة وكان به وجع الورك والمفاصل هاجه عليه وأولجه فيه وخاصة إذا كان ذلك منه على امتلاء البطن والعروق أو حركة أو تعب شديد وأبلغ المكايد وأشدها وأشرها بأصحاب الأمزجة اليابسة والأبدان النحيفة فإنه يسرع بهم إلى الذبول وخاصة الذين عروقهم مع ذلك ضيقه ودماؤهم قليله فأما الأبدان العباه الرطبة الضيقة العروق القليلة الدم كأبدان ذوى الأمزجة الباردة فهي أبعد عن الذبول والجفوف كثيراً وأما الأجسام الساخنة ذوات العروق اليابسة الواسعة الممتلئة والدماء الكثيرة فهي أجل الأبدان في الإكثار من الباه اليابسة وأقلها تأذياً وكثير منهم يضرهم الإمساك عن الجماع مضره بينه وذلك أنه يحدث ضروباً من الأعراض الرديئة كالسدد والدوار وثقل الرأس وقلة الشهوة والأعباء والتمدد وربما ورم القضيب والأنثيان ولكن أزيد في الشرح والتطويل والتفصيل فأقول أن الأبدان النحيفة بدنان أحدهما الأبيض اللون الذي يلي الزهر لين الجلد مائلاً إلى الداكنة أو ألخضره أو الرصاصية فالمنى منهم قليل غليظ وشهوتهم للباه إلى القلة ما هو وهذه هي الأبدان التي أمزجتها باردة يابسة وأعظم ضرر على هذه الأبدان الجماع والثاني البدن الذي يميل إلى الحمرة والسواد الواسع العروق الكثير الدم الغليظ الأعصاب والأوتار والمنى من هؤلاء قليل غليظ وشهوتهم للباه كثيرة وإنعاظهم سريع مع قلة منيهم وهم أصحاب الأمزجة الحارة اليابسة والشعر على أبدانهم متكاثف وجلودهم صلبه خشنه وضرر الجماع لهؤلاء بقدر سعة عروقهم وكثرة دمائهم ولحومهم وأبدان هؤلاء لا يخالطها من الشحم الآشى نزر لطيف وهى صلبه غليظة والأبدان العبلة بدنان أحدهما الأبيض السمين اللين الجلد واللحم الخفي المفاصل الدقيق العروق وفى لونه عاجنته والمنى منه رقيق وكثير وشهوتهم للباه قليله لأن الشحم ف كل حيوان يقل الشهوة من الباه إلا أنه لا يضرهم ضرر ذوو الأمزجة اليابسة لكن على نحو ما حددناه من قبل وبين قولنا الشحيم واللحيم فرق عظيم وذلك أن الشحيم هو الذي ترى جثته عظيمه من كثرة الشحم كالنساء العظيمات الشحم واللحيم هو الذي عبالته من اللحم الصحيح المنعقد والدم في هؤلاء أكثر منه ذوى الاختلاط اللينة والثاني البدن المشرب بحمرة وبياض الذي يكون أزهر الخصيب اللحم الصحيح الواسع العروق الكثيرة الظاهرة الدم وهو لأصحاب الأمزجة الحارة الرطبة والمنى منهم غزير معتدل الرقة والغلظة والشعر على أبدانهم كثير خصوصاً في أسفل البدن مما يلي العانة والفخذين وذلك يدل على حرارة مزاج الأنثيين ورطوبتها واشتياق هؤلاء إلى الباه كثير مما يلي العانة والفخذين وذلك يدل على حرارة مزاج الأنثيين ورطوبتها واشتياق هؤلاء إلى الباه كثير وقوتهم عليه شديدة وضرره لهم يسيروهم الذين يتأذون بترك الجماع ألبته فعلى هذا يختلف ضرر الإسراف في الباه بالناس على نحو أمزجتهم وسجياتهم وبحبها ينبغي أن لا يقدم عليه ويتوقف عنهما المشايخ وذو الأبدان النحيفة والذين يفرطون في الجماع لا لتلذذهم به واسترخائهم عقبه فينبغي لهم أن يحذروه حذر العدو المهلك لأنه يشيخ ويهرم ويسرع بهم إلى الهرم فأما الأبدان الضعيفة العصب والتي يعتادها وجع المفاصل فإنه يزيد في أمراضهم فينبغي أن يجتنبوه ويحذروه فإن غلبتهم الشهوة فليستدركوا بما نحن واضعوه في الباب الذي يلي الباب الآتي وبالجملة فالإفراط في الباه يخلق البدن ويضر بالعينين والأعصاب وينقص شهوة الغذاء ويجفف البدن ويطفئ الحرارة الغريزية لأنه يستفرغ من جوهر الغذاء فيضعف مالا يضعف غيره من الاستفراغات ويستفرغ من جوهر الروح شيئاً كثيراً وأكثر الناس به تلذذ أوقعهم في الضعف وأولى الناس باجتناب الجماع من يصيبه بعده رعده برد وضيق نفس خفي وخفقات وغور عين وذهاب شهوة الطعام ومن صدره ضعيف عليل فإن ترك الجماع أوفق له ومن مضار الجماع أنه يضعف المعدة وقال أرسطو المدمن من الباه يضعف عينيه وخاصرته أما خاصرته فالضعف كله وأما عيناه فلكثرة ما يجف بدنه وقال كثرة الجماع تجحظ العينين وترفع الناظر كما يدرك الإنسان عند الموت لأن الجماع والموت يجففان الدماغ ولا ينبغي أن يجامع إلا عند الشبق لأنه حينئذ يخرج الضار من البدن وإذا لم يكن شبق فإنه يخرج الشيء النافع كما أن من الغثيان به لا يحتاج إلى أن يتقيأ وأن تقيأ فإنه يخرج من البدن ما تركه أصلح وخروج المنى والبدن فارغ أسهل وأسرع منه والبدن ممتلئ ومن أسرف على نفسه في الباه فليتدثر وليتسخن وينم لترجع قوته والجماع يتعب الصدر والرئة والرأس والعصب وهو في الخريف قالوا أنه ضار مهلك قال الرازي جربت فوجدت الباه ينقص من شعر الحاجبين والرأس وأشفار العينين ويكثر شعر اللحية وسائر البدن وينثر شعر الأجفان سريعاً