رجعت إلى مهد الصبابة والهوى

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

رجعت إلى مهد الصبابة والهوى

​رجعت إلى مهد الصبابة والهوى​ المؤلف زكي مبارك


رجعت إلى مهد الصبابة والهوى
أسائلُ قلبي عنك في غيبة العتب
رجعت فألفيت المهاد كعهده
وأنت معي يا روح جنباً إلى جنب
ثلاثين يوماً ما التقينا فما الذي
يروعك من أمرى لتنفر من قربى
تقول بأن الشعر فيك فضيحةٌ
وفضحُ الهوى المستور من أقبح الذنب
فضحتُك لا تجزع فما كل فاضحٍ
فضيحته إثمٌ يطهّر بالتوب
ألا إن شعري فيك برّ أريده
لأكرم في يوم الحساب على ربي
فؤادي من الأعناب تسقى شجونه
ليسقى محبوباً يعيش بلا قلب
ثلاثين يوما ما التقينا ولو روى
عذولي أشعاري لأصبح من صحبي
ثلاثون يوما أم ثلاثون حجّة
ألا إن يوم الهجر من أدهر الحرب
مهاد الهوى باقٍ فإن شئت فلتعد
لتعرف أسرار المحجّب من غيبي
وإن شئت أن تنسى الذي كان بيننا
فلا تنس ما عانيت في الحب من كرب
سلامٌ على عهد الهوى وتحية
من الشاعر الصداع والمغرم الصب
سأسقى الفؤاد النار بعد صدودكم
لينسى الذي قد كان في زمن القرب
لقد شاب رأسي شاب من هول جوركم
ونار الجوى المكتوم تزفر بالشيب
أواجه في المرآه شعري فأنثنى
فخورا بأني شبت بالمجد والمحب
لئت شاب رأسى في الهوى فشبيبتي
على خير ما ترجون من قوة اللهب
وما تصنع الخمسون غامت خطوبها
بفحل شديد البأس يفتك بالخطب
أعود إلى الأيام أحصى ذنوبها
وكل وجود في الوجود إلى ذنب
فتنفر منى كارهات قيامتي
عليها بأثقال من الطعن والضرب
الا إن أيامي وجودٌ خلقتهُ
كما يخلق الروض الخصيب من الجدب
خلقتك يا أيام خلقاً فأسجحى
وقد تسكن البكر النفور إلى العتب
تعال فهذا المهد مهدك والهوى
كما شئت أقباسٌ من الأمن والرعب
تعال فهذي اسكندرية أمرها
إليك ومأواك المعززُ في قلبي
إذا ضجّ موج البحر عانيت لوعة
مصلصلة النيران مرهوبة الغبّ
ألا كل شيء ها هنا بك عائذ
عياذ الثرى المكروب من محن اللوب
تعال فهذا الشط تزعجه النوى
وقد كنت في أرجائه نجمة القطب
تطلع موج البحر يستاف زهرةً
هي الأرج المنشود من كرمة الحب
تعال نغثه من جواه بليلةٍ
تصول بها الأهواء وثباً إلى وثب
فما تسكن الأمواج إن طاش حلمها
بغير الهوى الصوال يزأر من قرب
يقاتلني دهري عليك فلا تعن
ظلوماً مريد الروح يأخذ بالغصب
ولا تجعل الدنيا بهجرك مقلة
مقرّحة الجفنين معطوبة الهدب
فقد تصبح الدنيا وأنت نعيمها
إذا غبت ناراً من ضلال ومن رهب
أقاتل دهري فيك وحدي ومن يفز
بحسنك يقض العمر في ساحة الحرب
فمن أيّ نار صيغ حسنك إنني
أراك يتيم الحسن كالوجد في قلبي
أراني أرى ماذا أرى تلك غضبةٌ
من القدر السفاح كالباتر العضب
بروق مخيفات ورعد مجلجلٌ
تذكر هذا الناس عاقبة الحوب
ألا ليتني والكون يلفظ روحه
أقاسمك اللوعات شرباً إلى شرب
لأذكر ما قد فات في الحب بيننا
وانت معي يا روح جنباً إلى جنب
تغضّبت الأقدارُ فاربدّ وجهها
بوجه سماء تعلن السخط بالسحب
مقادير كالحب العصوف غليلها
غليلُ شياطين تجنّح بالشهب
لقد جنّ هذا الكون جنّ جنونه
فأصبح كالليث المجوع في السهب
أهذا زئيرُ الكون أم تلك صرخةٌ
مضرجة الأنفاس يرمى بها قلبي
تعال أشهد البرق النذير بمطرةٍ
مذمّمة الآلاء مبغوضة السيب
تعال تجر مضناك من هول ليلةٍ
تكرّ بها الأهوال عقبا إلى عقب
ألا إن قلبي لن يجوع وإن دجت
خلائقُ دهر تؤذن القلب بالسعب
وكيف يجوع القلب والكون كلهُ
عرائس تسبى بالغرم وتستسبى
أثمت بهذا الراي والشرك ظالمٌ
يجور على التوحيد شرعة الحب
أثمت به قولا فما لك مشبهٌ
يقاسمك الوهاج بالوجد من قلبي
وهل جاد وهاب النفائس منعما
بمثلك في شرقٍ هنالك أو غرب
يحومُ عليك الروح في كل لحظة
كما ينظر الصادى إلى المشرع العذب
وألمح أحلامي إليك طوائراً
فأفترع المكنون من حجب الغيب