انتقل إلى المحتوى

رأيت فيها برقها لما وثب

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

رأيتُ فيها برقَها لمّا وَثَبْ

​رأيتُ فيها برقَها لمّا وَثَبْ​ المؤلف ابن المعتز


رأيتُ فيها برقَها لمّا وَثَبْ،
كمثلِ طرفِ العينِ أو قلبٍ يجب
ثمّ حدتْ بها الصبا كأنها
فيها من البرقِ كأمثالِ الشهب
باكيةٌ يضحَكُ فيها برقُها،
موصلولةٌ بالأرض مرماةُ الطنب
كأنها، ورعدها مستعبرٌ
لَجّ به على بُكاهُ، ذو صَخَب
جاءتْ بجَفنٍ أكحلٍ، وانصرفتْ
مرهاءَ من إسبال دمعٍ منسكب
إذا تَعرّى البرقُ فيها خِلتَه
بطنَ شجاعٍ في كثيبٍ يضطرِب
وتَارةً تُبْصِرُهُ كأَنَّهُ
أَبْلَقُ مَاَل جُلُّهُ حِيَنَ وَثَبْ
وتارَةً تَخالُه، إذا بَدا
سلاسلاً مصقولةً من الذّهب
و الليلُ قد رقّ وأصغى نجمهُ،
واستوفزَ الصبحُ، ولمّا ينتقِب
معترضاً بفَجرِهِ في ليلةٍ،
كَفَرَسٍ بيضاءَ دهماءَ اللَّبَب
حتّى، إذا لَجّ الثّرى بمائِها،
وملّها صَدّتْ صُدودَ مَن غَضِب
كأنّها جمعُ خميسٍ حكَمت
عليه أبطالُ الرجال بالهرب
يومَ يخوضُ الحربَ مني عالمٌ،
إنّ يدَ الحتف تصيبُ من طلب
كم غمرةٍ للموتِ يُخشى خوضُها
جرَيتُ فيها جرْيَ سِلكٍ في ثَقَب
حتى إذا قيلَ خضيبٌ بدمٍ
نجمتُ فيها بحسامٍ مختضب
الموتُ أولى للفتى من أن يرى
ظالِعَ دَهرٍ كلّما شاء انقلَب
و صاحبٍ نبهني بكأسهِ،
و الفجرُ قد لاحَ سناهُ وثقب
لا عذرَ لي في سمتي ولمتي،
سيّان من شَيبٍ وشَعرٍ لم يَشِب
لأي غاياتي أجري بعدما
رأيتُ أترابي وقد صاروا ترب
لبستُ أطوارَ الزّمانِ كلَّها،
فأيّ عيشٍ أرتجي وأطلب
وسابحٍ مُسامحٍ ذي مَيعةٍ،
كأنّهُ حريقُ نارٍ تلتهِب
تراهُ، إن أبصرتهُ مستقبلاً
كأنما يعلو من الأرضِ حدب
عاري النَّسا يَنتهبُ التُّربَ له
حوافرٌ باذلةٌ ما ينتهب
تصالحُ التربَ، إذا ما ركضت،
لكنها مع الصخورِ تصطخب
تحسبهُ يزهى على فارسهِ،
وإنّما يُزهى به، إذا رُكِب
أسرعُ من لحظته، إذا رنا،
أطوعُ من عِنانه، إذا جُذِب
يبلُغُ ما تبلُغه الرّيحُ، ولا
تبلُغ ما يبلُغه، إذا طلَب
ذو غرةٍ قد شدخت جبهته،
و أذنٍ مثل السنانِ المنتصبِ
و ناظرٍ كأنهُ ذو روعةٍ،
و كفلٍ ململمٍ ضافي الذنب
و منخرٍ كالكيرِ لم تشقَ به
أنفاسُه، ولم يُخنها في تَعَب
يبعثها شمائلاً، وينثني
جَنائِباً إلى فُؤادٍ يَضطرِب
قد خاض في يومْ الوغى في حلةٍ
حمراءَ تَسديها العَوالي والقُضُب
في غمرةٍ كانت رحى الموتِ بها
تدورُ، والصّبرُ لها منّي قُطُب
وليلةٍ ضَمّ إليّ شطرَها
ضيفي، ونادى باليفاع تلتهب
حلّت به الأقدارُ نحوَ عاشقٍ
لحمدهِ صبٍّ بتفريقِ النشب
يرى ابتزالَ الوفرِ صونَ عرضهِ،
ويجعلُ الذُّخَر له فيما يَهَب