دمعة وابتسامة (1914)/مدينة الماضي
مدينة الماضي
وقفت بي الحياة عَلَى سفح جبل الشباب واومأت الى الورآء. فنظرتُ، فاذا بمدينة غريبة الشكل والرسوم متربعة في صدر سهول تتموج فيها الخيالات والابخرة المتلونة متوشحة بقناع ضباب لطيف يكاد يحجبها
قلت ماهذه ايتها الحياة؟ قالت: هي مدينة الماضي فتأَمل!
فتأَملت ورأَيت –
معاهد اعمال جالسة كالجبابرة تحت اجنحة النوم ·
مساجد اقوال تحوم حولها ارواح صارخة صراخ القنوط،
مترنمة ترنيمة الامل · هياكل اديان اقامها اليقين ثم هدمها
الشك · مآذن افكار مرتفعة نحو العلو كانها ايدي المتسولين · شوارع اميال منبسطة انبساط النهر بين الربى. مخازن
اسرار حرسها الكتان فسرقتها لصوص الاستعلام. ابراج
اقدام بنتها الشجاعة فثلتها المخاوف. صروح احلام زينتها
الليالي وخربتها اليقظة. اكواخ صغار سكنها الضعف،
وجوامع وحدة قام فيها نكران الذات. نوادي معارف
انارها العقل فاظلمها الجهل. حانات محبة سكر بها العشاق
فاستهزأ بهم الخلو. مراسح اعمار مثلت عليها الحياة رواياتها
ثم جاءَ الموت وختم مأساته.
تلك مدينة الماضي فهي بعيدة قريبة - منظورة محجوبة·
ومشت امامي الحياة وقالت: اتبعني فقد طال بنـا
الوقوف. قلت: الى اين ايتها الحياة؟ قالت: الى مدينة
المستقبل. قلت: رفقـاً فقد انهكني المسير وكلمت اقدامي
الصخور وهدَّت قواي العقبات. قالت : سر فالوقوف جبانة
والنظر الى مدينة الماضي جهالة