دمعة وابتسامة (1914)/رؤيا
رؤيــا
هناك في وسط الحقل على ضفة جدول بلوري رأَيت قفصاً حبكت ضلوعه يدٌ ماهرة . وفي احدى زوايا القفص عصفور ميت وفي زاوية أخرى جرن جف ماؤُه وجرن نفدت بذوره
فوقفت وقد امتلكتني السكينة واصغيت صاغراً كأن في الطائر الميت وصوت الجدول عظةً تستنطق الضمير وتستفسر القلب . وتاملت فعلمت ان ذلك العصفور الحقير قد صارع الموت عطشاً وهو بجانب مجاري المياه وغالبه جوعاً وهو في وسط الحقول التي هي مهد الحياة كغني اقفلت عليه ابواب خزائنه فمات جوعاً بين الذهب .
وبعد هنيهة رأَيت القفص قد انقلب فجأةً وصار هيكل انسان شفافًا وتحول الطائر الميت الى قلب بشري فيه جرح عميق يقطر دماً قرمزياً وقد حاكت جوانب الجرح شفتي امرأة حزينة
ثم سمعت صوتاً خارجاً من الجرح مع قطرات الدماء قائلاً : – «انا هو القلب البشري أسير المادة وقتيل شرائع الانسان الترابي . في وسط حقل الجمال، عَلَى ضفة ينابيع الحياة اسرت في قفص الشرائع التي سنها الإنسان للشواعر . عَلَى مهد محاسن المخلوقات بين ايدي المحبة مت مهملاً لان ثمار تلك المحاسن ونتاج هذه المحبة قد حرَّما عليَّ . كلّ ما يشوقني صار كل بعرف الانسان عاراً وجميع ما اشتهيه اصبح في قضائِه مذلةً .
انا القلب البشري قد حبست في ظلمة سنن الجامعة فضعفت ، وقيدت بسلاسل الاوهام فاحتضرت، واهملت في زوايا في المدنية فقضيت ولسان الانسانية منعقد وعيونها ناشفة وهي تبتسم . »
سمعت هذه الكلمات ورأَيتها خارجة مع قطرات الدم من ذلك القلب الجريح وبعد ذلك لم اعد ارى شيئاً و لم اسمع صوتا فرجعت لحقيقتي .