دعاكَ الهوَى واستَجهَلَتكَ المنازِلُ

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

دعاكَ الهوَى واستَجهَلَتكَ المنازِلُ

​دعاكَ الهوَى واستَجهَلَتكَ المنازِلُ​ المؤلف النابغة الذبياني


دعاكَ الهوَى، واستَجهَلَتكَ المنازِلُ،
وكيفَ تَصابي المرء، والشّيبُ شاملُ؟
وقفتُ بربعِ الدارِ، قد غيرَ البلى
مَعارِفَها، والسّارِياتُ الهواطِلُ
أسائلُ عن سُعدى، وقد مرّ بعدَنا،
على عَرَصاتِ الدّارِ، سبعٌ كوامِلُ
فسَلّيتُ ما عندي برَوحةِ عِرْمِسٍ،
تخبّ برحلي، تارةً، وتناقلُ
موثقةِ الأنساءِ، مضبورةِ القرا،
نعوبٍ، إذا كلّ العتاقُ المراسلُ
كأني شَددَتُ الرّحلَ حينَ تشذّرَتْ،
على قارحٍ، مما تضمنَ عاقلُ
أقَبَّ، كعَقدِ الأندَريّ، مُسَحَّجٍ،
حُزابِيةٍ، قد كَدمَتْهُ الَمساحِلُ
أضرّ بجرداءِ النسالةِ، سمحج،
يقبلها، إذْ أعوزتهُ الحلائلُ
إذا جاهدتهُ الشدّ جدّ، وإنْ ونتْ
تَساقَطَ لا وانٍ، ولا مُتَخاذِلُ
و إنْ هبطا سهلاً أثارا عجابةً؛
وإنّ عَلَوَا حَزْناً تَشَظّتْ جَنادِلُ
ورَبِّ بني البَرْشاءِ: ذُهْلٍ وقَيسِها
و شيبانَ، حيثُ استبهلتها المنازلُ
لقد عالني ما سرها، وتقطعتْ،
لروعاتها، مني القوى والوسائلُ
فلا يَهنىء الأعداءَ مصرَعُ مَلْكِهِمْ،
و ما عشقتْ منهُ تميمٌ ووائلُ
و كانتْ لهمْ ربعيةٌ يحذرونها،
إذا خضخضتْ ماءَ السماءِ القبائلُ
يسيرُ بها النعمانُ تغلي قدورهُ،
تجيشُ بأسبابِ المنايا المراجلُ
يَحُثّ الحُداةَ، جالِزاً برِدائِهِ،
يَقي حاجِبَيْهِ ما تُثيرُ القنابلُ
يقولُ رجالٌ، يُنكِرونَ خليقَتي:
لعلّ زياداً، لا أبا لكَ، غافلُ
أبَى غَفْلتي أني، إذا ما ذكَرْتُهُ،
تَحَرّكَ داءٌ، في فؤاديَ، داخِلُ
و أنّ تلادي، إنْ ذكرتُ، وشكتي
ومُهري، وما ضَمّتْ لديّ الأنامِلُ
حباؤكَ، وو العيسُ العتاقُ كأنها
هجانُ المها، تحدى عليها الرحائلُ
فإنْ تَكُ قد ودّعتَ، غيرَ مُذَمَّمٍ،
أواسيَ ملكٌ تبتتها الأوائلُ
فلا تبعدنْ، إنّ المنيةَ موعدٌ؛
و كلُّ امرئٍ، يوماً، به الحالُ زائلُ
فما كانَ بينَ الخيرِ لو جاء سالماً،
أبو حجرٍ، إلاّ ليالٍ قلائلُ
فإنْ تَحيَ لا أمْلَلْ حياتي، وإن تمتْ،
فما في حياتي، بعد موتِكَ، طائِلُ
فآبَ مصلوهُ بعينٍ جليةٍ،
وغُودِرَ الجَولانِ، حزْمٌ ونائِلُ
سقى الغيثُ قبراً بينَ بصرى وجاسمٍ،
بغيثٍ، من الوسمي، قطرٌ ووابلْ
و لا زالَ ريحانٌ ومسكٌ وعنبرٌ
على مُنتَهاهُ، دِيمَةٌ ثمّ هاطِلُ
و ينبتُ حوذاناً وعوفاً منوراً،
سأُتبِعُهُ مِنْ خَيرِ ما قالَ قائِلُ
بكى حارِثُ الجَولانِ من فَقْدِ ربّه،
و حورانُ منه موحشٌ متضائلُ
قُعُودا له غَسّانُ يَرجونَ أوْبَهُ،
وتُرْكٌ، ورهطُ الأعجَمينَ وكابُلُ