انتقل إلى المحتوى

خذوا بجميل الصبر وارضوا

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

خذوا بجميل الصبر وارضوا

​خذوا بجميل الصبر وارضوا​ المؤلف أبو مسلم البهلاني العماني


خذوا بجميل الصبر وارضوا وسلموا
فان فناء العالمين محتم
رضا بقضاء الله ان حياتنا
على السخط منا وارضا تتصرم
وان حياة تقتضيها منية
ركون اليها غفلة وتوهم
ألهوا ومخبوء المنايا حبائل
وأواحنا فيها وقوع وحوم
تناهشنا الآجال لا نرعوي لها
وتخبطنا البأساء فيها وننعم
سكونا اليها والمقابر تمتلي
وتخلو بيوت الراحلين وتهدم
نمر على الأحداث والقوم في الثرى
همودا فيا أحبابنا كيف أنتمو
وهيهات ما عند القطين ابانة
سوى أنهم صاروا عظاما تهشم
ثووا لا يمل الدود طول ثوائهم
وملهم الأهلون ساعة أسلموا
تساوى ملوك الأرض في مضجع البلى
وغيرهم ما ثم أدنى وأعظم
سيرجع رب التاج في الرمس جيفة
وان عاش كبرا أنفه يتورم
تباذخ مغبوطا على عرش عزه
وعما قليل سوف يعلوه منسم
تطير السوافي الرائحات رفاته
على عرشه منه غبار مقتم
وما امتاز من أضحى رفاتا مفتتا
مليك يحيا أو حمار يكدم
أتختلب الأطماع عقبى كهذه
ويا رب سلم بعده الخطب أجسم
يمر بنا ركب ويتلوه غيره
ويسبقه ركب وفي الأرض أقحموا
تنعم في ميراثهم غير كاسب
وعما قليل يقعص المتنعم
أينسى بنو الدنيا مصارع أهلها
وفي كل قلب للمنية ميسم
بنون وآباء لدينا أعزة
ندسهم في الأرض لا نتخرم
كأنا لهذ الأرض دين ودأبها
غريم على كثر الوفا يتظلم
تضلعت الارماس من أكل لحمنا
وما برحت غرثى الى اللحم تقرم
وما هذه الأرواح الا ودائع
سيأخذها مستودع ليس يظلم
وقد أنذرتنا صرعة بعد صرعة
وفقد أخير قبله متقدم
تدافعنا الآمال فيها كأننا
هباء عليه عاصف الريح يحكم
الا نرعوي والناب يصرف فوقنا
فهذا على خوف وذلك يقصم
كأن المنايا حسبنا من تصرفت
بهم وكأن الظفر منها مقلم
وليست لعمر الله عند حدودها
بتاركه عيشا ولا يتصرم
ترى أي صفو لم يكدره صرفها
وأي شراب لم يمازجه علقم
أنلزمها البقيا وتلك قضية
على الرغم منها حكمها ليس يلزم
ونفلت منها والحياة سفينة
مخرقة الألواح بالموج تحطم
تمزقنا الغارات من أم قشعم
وما حدث تبقي عليه وقشعم
متى تفرغ الآذان من صوت نائح
وقعقة تحت التراقي تهمهم
وينشف دمع من سوافح دمعه
ويبرد قلب بالأسى يتضرم
متى تحسر الأكتاف من نعش هالك
رواحل من أثقالها ليس ترزم
قوافل تمتاز النفوس الى الفلا
الا هذه الابشار للأرض مطعم
أوني خيام الحي من حيث طنبت
أليس ضمير الأرض ذاك المخيم
ولسنا تأخرنا معافين بعدهم
ولكنه عمر مداه يتمم
توفتهم آجالهم وبأثرهم
نسير الى حيث استقروا سنقدم
اخو الحزم من لا يستقر الى الهوى
ومن نصب العقبى لعينيه أحزم
وما نضرة الدنيا تروق لكيس
ونحن نراها بالبلى تتخرم
يسالمها المغرور منها بزخرف
وهيهات لم تسلم ولا هو يسلم
ومن عجب برد الصدور وداعة
وقد أيقنت ان المنية تهجم
لكل ندي بالتفرق موعد
وللحتف رمح في الصدور مقوم
ولو أن نفسا وادعتها منونها
ولكنه لا زرع الا سيصرم
لقد أنذر الداعي رصيدا مشوكا
ونحن كأنا بالنذارة نحلم
حذار بيانا أيها الناس اننا
على شدة الايقان بالخوف نوم
ولو لم يكن غير النوادب مؤلما
على ميتمي أطفالها تتألم
ولا نفس الا تنطوي فوق حسرة
ولا قلب الا بانفطار مسمم
لا جفل ذولب الى جنب رشده
وتارك دار بالمعاول تهدم
ونعنى بها لا تعترينا سآمة
وعاملها من فتكها ليس يسأم
اعند رجال الاستقامة انهم
أصيبوا بقطب المسلمين وأيتموا
وان قصمت ظهر المكارم نكبة
سيمضي عليها الدهر تفري وتفصم
وما يومها الآتي بها رد مأتما
ولكن ما يأتي من الدهر مأتم
غداة نعى الناعي الى الناس راشدا
أحقا نعيت الفضل أم تتوهم
نعم راعني ندب السماء وأهلها
وأركان عرش المجد اذ تتحطم
وضجة بيت الفضل اذ خر سقفه
وهدة طود الجود اذ يتهدم
صباحك يا ناعي المرزء سيء
ويومك منحوس وطيرك اشأم
بعثت الى الألباب حزنا مؤبدا
وأوقدت نارا دأبها تتضرم
أحقا عميد الدين لاقى حمامه
فاني أرى نفس الهدى تتلدم
أحقا عماد الاستقامة أصبحت
به اعوجيات من البين ترسم
أحقا ملاك الفضل اودى فتلكم
يمين الجد اشلاء والكف أجذم
أحقا منار العلم أسقطه الردى
كأن سقوط العلم للحتف مغنم
أحقا إمام الزهد عارضه الفنا
فهل أنف دنيانا من الزهد يرغم
أحقا سحاب البر أقلع نوؤه
فهل يتأتى بعد للبر موسم
أحقا جميل الصنع كفت يمينه
وكانت هي الطولى تبر وتنعم
أحقا بهاتيك المعاهد غمة
من الحزن اذ واراه لحد مغمم
فواحربا والحزن يسفح عبرتي
قضى نحبه البر الكريم المعظم
تقضت به أيامه البيض كلها
أياديه أمطار وناديه معلم
تقضت به أيامه من جمالها
تنور منها نير متجسم
وما المرء الا راكب يطلب المدى
ولا بد يوما عمره يتجرم
رويدا لقد آنست في الأرض رجفة
ترى ان قلب الأرض كالناس يألم
عزاء رجال الاستقامة انها
مصيبة دين ما بقي الدهر تعظم
فكل سرور اذ ألمت مساءة
وكل حميد العيش عيش مذمم
فياثلمة للدين والفضل مالها
سداد ولا اذ يقدم الدهر تقدم
حنانيك للأبرار يا موت برهة
وهيهات ليست قسوة الموت ترحم
تسارع في الاخيار تمحو وجودهم
وياليت ما تمحموه بالمثل يرقم
وما معتب المفجوع منك بنافع
لأنت قضاء صبه الله مبرم
قضى الله ان الحي يجري لغاية
فما ثم تأخير ولا متقدم
متى يدرك الاعتاب مستعتب الردى
له عزمة صدق ورأى مصمم
مكر هموز الناب ما طاش سهمه
ولا هو في كراته متلعثم
تقادم عهد بالمنون وفعلها
وجاست خلال الدار تذرو وتهشم
اذا أرسلت سهما لتقصد مقتلا
تلته الى المرماة بالرغم أسهم
تخلف دعس الحي عنهم فأخلدوا
لغبراء يعلوهم صفيح مردم
وليس بنا في الموت صرخة ثاكل
وقلب يتيم بالأسى يتجرم
ولو كان يجدي هالكا ندب فاقد
لسال مكان الدمع من غرابه الدم
طحى حدثان الدهر للفضل هضبة
وكانت بها هضب المكارم تدعم
لك الله ريب الدهر يستنزف البقا
فلا نفس الا بالفناء سترجم
ولا غرو ان تستنزف الصبر نكبة
ويقصر من تطراقها المتعزم
غداة تداعى الطود في سمك مجده
وطارت به حدباء عوجاء صيم
تهادته أكتاف الرجال ولو دروا
لكان حقيقا ان تهاداه انجم
الى حفرة ضمت من الجود بحره
رويدا هو البحر المحيط يدمدم
فما عجب ان تحبس الشمس في الثرى
فتعتقب الأيام والجو مظلم
هناك اقشعر الروض واغبر جلده
وذلك روض النعمة المتسوم
مدى الدهر لا ينفك حزن مبرح
عليك وتسكاب من الدمع مسجم
مآل اليتامى في الملمات من ترى
تركت لهم اذ أزمة الدهر تأزم
فديناك بالأرواح ضاعت حفائظ
تحفى بها معروفك المتنسم
تردى بغاة الخير بعدك بالأسى
فواجدهم من بعد فقدك معدم
وما دفنوا نفس امرئ منك وحدها
ولكن نفوس في ضريحك تردم
وكنت الجناب المستراد لمسنت
وروضك مخضر وبحرك خضرم
فجف نضير الروض واربد جوه
وغاضت بحور طاميات غطمطم
وقد كنت درءا للحوادث مؤئلا
اذا جاش منها الكارث المتهجم
وكنت لحاجات المساكين ركنها
فمن لهمو والركن عنهم مهدم
وكنت مع الاكدار صفوا مهنئا
رواؤك ممدود وكأسك مفعم
وما ضاعت الآمال عندك والذي
نويت ولم يقدر من الخير أعظم
كأن الورى الارحام لست تضيعها
على أسوة في الوصل بر ومجرم
يعيش بك الهلاك بين فواضل
دقائقها من أكرم الفضل أكرم
غزير مجاري الماء لا من غزارة
من المال لكن بحر جود قليذم
يمر عليك الدهر والدهر عابس
وفضلك فيه ازهر الوجه مبسم
وكنت كفال الحق حصنا لأهله
همومك فيه والأهم المقدم
فدا لك نفسي اذ تجود بمهجة
الى يد خير الراحمين تسلم
حييت على الحسنى ثمانين حجة
رياضا نضيرات جناها التكرم
فما برح الايمان فيها ملازما
لقلبك والاحسان يربو ويعظم
ولما دعاك الله لبيت أمره
فأصبحت جار الله والجار يكرم
وعيشك في الدنيا حميدا مسددا
فلقيت عمرا بالسعادة يختم
مضيت وخلفت الكآبة والأسى
مجددة آثاره ليس تطسم
يظل جليد القلب منه مولها
به ظاهر التأساء والحزن مبهم
لئن هدمت محياك قاصمة الردى
فمجدك يبقى شامخا لا يهدم
على سورة في المجد قر أساسه
له شرف فوق السماكين ينجم
فنيت وأبقيت المحامد انجما
لسان ثنائي عن مداهن مفحم
تبدلت بالدنيا مقاما مقدسا
هنيئا لك الحظ الذي لا يصرم
تصاعدت بين الحلو والمر جاهدا
الى الله من آفاقها تتبرم
هنئت ولم نهنأ لفقدك لمحة
على كل كبد قرحة لا تمرهم
فيا ابن سليم ان تباعدت سالما
فلا قلب من برح عقبيك يسلم
تركت صدور الناس ترمي شرارها
الا كل نار بالشرارة ترجم
وليس الغيوث الصيد للحزن وحدهم
ولكن بهذا الكون للحزن منجم
فقد كنت غوثا تمطر الكون رحمة
بل الغوث في الابدال بل أنت أقدم
فياسيد الابدال من أنت تارك
يخلص من سوء ويجزي ويرحم
متى تطرق البلوى تصدى لكبحها
أو اعوج أمر الناس فهو المقوم
لقد أوحش الربع الأنيس وأصبحت
معالم أهل الحق لم يبق معلم
فواحربا قطب الكمال وردتها
شريعة حتف عندها العمر يحسم
وقفت عليها نير الصحف وافرا
من الزاد طهر العرض مما يذمم
فاقدمت وفدا في مقام كرامة
تروح وتغدو بالبشائر تنعم
متى نتعزى منك أو يقلع البكا
ورمسك في وسط القلوب مخيم
ابعدك شيخ المسلمين سلونا
بشيء وسلوان العزيز محرم
كأنا شواظا في الجوانح ساطعا
اذا قلت قد خف التوقد يحجم
فديتك وجه الدهر بالحزن كاسف
وفي الوجه عما في الضمير مترجم
لقد كنت مصباح الورى لرشادهم
فقد طفئ المصباح عنهم فاظلموا
فوا أسفاه الأمس قد كنت كعبة
يمينك كالركن المبارك تلثم
يطوف بك العافون جم رجاؤهم
زناديك مسعاهم وجودك زمزم
فاصبحت مرثيا رهينة حفرة
عليك سفي الريح تمحو وترسم
كفى حزنا لولا التأسي بمن مضى
وما هو آت بالفناء محكم
تفرق عزم النفس عن كرم العزا
وامثل أمريك التعزي وأكرم
اذا قلت اني أجمع الصبر مجملا
بدا لي جميع الصبر جمع سيهزم
عرانا من الدنيا خداع مماكر
فنبرح في أنقاض ما هي تهدم
وما عزبت عن فهمنا نكباتها
بلى غطت الأهواء ما نحن نفهم
وتوهمنا البقيا بصالح عيشها
وقد طحن الأجيال هذا التوهم
متى أظمأتنا أوردتنا سرابها
وان كان ماء فهو ورد مسمم
على مثل هذا الفتك قر قرارنا
والبابنا بالهتك والهلك تحكم
وفي مثل هذا القبح نعشق وجهها
فكل بما يهواه منها متيم
على انها ان احسنت قيد لمحة
ستأتي بأكدار لذا العيش تلهم
حرام عليها صحبة لا تخونها
وحتم عليها ان تطول فتهشم
تلاهي بني الانسان حتى تلمهم
الى حفر لا يتقيها التحزم
يظن غرير النفس حقا غرورها
وسوف يبين الحق ساعة يندم
وما أنتج استبصارنا غير تركها
كما يترك الاخباث من يتكرم
ترى حدثان الدهر تبلى صروفه
ولم يبل في الدنيا فصيح واعجم
ابا الفضل لا ينسى لك الفضل نعمة
خدمت له فاليوم بالحمد تخدم
على اسف ارثيك والدمع هامل
وقلبي محروق وذهني مكلم
تجسم ما تعطي من الفضل جوهراً
فكل رثائي الجوهر المتجسم
عسى جبر هذا الكسر في العقب الذي
تركت ففرع المجد يزكو ويكرم
وفي الخمسة الاقمار انجالك انتهت
ظنون حسان يقتضيها التوسم
سقتهم أفاويق النجابة فارتووا
وزانتهم أعراقهم حيث يمموا
رمى بهم القرآن في بحر نوره
فكل بآداب الكتاب مسوم
لهم درجات في الجميل رفيعة
وهذا بتوفيق من الله يقسم
لهم عنصر ما دنسته غميضة
فأخلاقهم من ذلك الأصل تنجم
اذا طاب أصل لازم الطيب فرعه
ألم تر أن الند بالطيب ينسم
هنيئا لكم يا آل راشد انكم
شربتم على محض التقى وأكلتمو
لكم أسوة في فضلكم بأبيكم
يحق عليكم حيث أقدم أقدموا
لهم سنن في الصالحين منيرة
زواك متينات العرى ليس تفصم
وما مات من أبقى من الذكر مثلها
فكونوا عليها بارك الله فيكم
لعلكم يا صفوة المجد بعده
له خلف بالاستقامة قيم
الى السلف الاخيار سيرته انتهت
وذلك أزكى ما من الأرث حزتم
فلا زال للاسلام فيكم بقية
لكم مدد التسديد يسدى ويلحم
عليكم جميل الصبر وهو عزيمة
على العبد أما الخطب يجسم يجسمُ
تنالوا عظيم الاجر منه وانما
بحسب مقام الصابر الاجر يعظم
لكل من الاعمار حد ومنتهى
ورجع الى الباقي الذي ليس يعدم
فلا أسف يغني اذا فات فائت
ولكن على التسليم والصبر نرحُم
اليس يقينا ما بقلب سلامة
لكل نصيبين مصاب ومقسم
فلا عين لم تسفح من الدمع عبرة ً
ولا صدر الا بالفجائع يحطم
اخا الحزم لا تندب سواك وانما
لحينك تجري ثم تكبو فتعدم
فكفكف دموع العين واجعل مياهها
طهوراً لذنب في الصحيفة يرقم
ووار حمى الاحزان مما جنيتته
فدونك الا ان تتوب جهنم
إذا لم تجد مما قضى الله واقيا
فلا بد ان ترضى بما الله يحكم
أعزيكم عني وعن كل مسلم
وانتم بحسن الصبر أولى واعلم
سقى الله رمسا حله صوب رحمة
واسكنه الفردوس فيمن ينعم