انتقل إلى المحتوى

حين أقبلت والهوى فيك يحبو

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

حينَ أَقبَلتِ وَالهَوى فيكِ يَحبو

​حينَ أَقبَلتِ وَالهَوى فيكِ يَحبو​ المؤلف إلياس أبو شبكة


حينَ أَقبَلتِ وَالهَوى فيكِ يَحبو
كانَ حُبّي يَفنى وَناريَ تَخبو
قُلتِ لي بي أَسى فَهَل مِنكَ نُصحٌ
وَبِنَفسي داءٌ فَهَل مِنكَ طِبُّ
جِئتِ تَستَوصِفينَني في شُؤونٍ
ما بِها لي يَدٌ وَلا لَكِ ذَنبُ
قُلتِ إِن كانَ لِلشَّرائِعِ رَبٌّ
مُستَبِدُّ أَلَيسَ لِلقَلبِ رَبُّ
قُلتُ هذا بَيني وَبَينَكِ حَقٌّ
إِنَّما لِلوَرى فُروضٌ وَكُتبُ
أَلقَوانينُ سَنَّها العَقلُ في النّا
سِ فَبَينَ الضَميرِ وَالعَقلِ حَربُ
إِن بَينَ السَماءِ وَالأَرضِ حرباً
قُلتِ حَتّى يَصيرَ لِلنّاسِ قَلبُ
وَمَضَت أَشهُرٌ وَتِلكَ الأَحادي
ثُ يَدُبُّ الهَوى بِها وَيَرُبُّ
قُلتِ لي مَرَّةً أَتَفهَمُ قَلبي
قُلتُ يا سِتِّ قلتِ لَيلى أَحَبُّ
قُلتُ يا لَيلَ كَم خَبِرتُ قُلوباً
فَبِنَفسي مِن ذلِكَ الخُبرِ حَسبُ
غَيرَ أَنّي أَرى بِعَينَيكِ ما لَم
تَرَهُ مُقلَةٌ وَيَلمِسهُ لبُّ
أَتَكونينَ ذلكَ المَلَكَ البا
قي وَلَو جاءَ مِن جَهَنَّمَ خَطبُ
أَتَكونينَ فيهِ ما لَم تَكُن أُن
ثى وَما لَم يَكُن مِن الناسِ حُبُّ
فَتَأَمَّلتِ بي وَقُلتِ وَماضي
كَ أَلَم تَبقَ مِنهُ نارٌ تُشَبُّ
فَأَفاعي الفِردَوسِ ما زِلنَ حَيّا
تٍ وَما زالَ سُمُّهُنَ يَدُبُّ
قُلتُ يا لَيلَ قُلتِ بَعدَ الأَفاعي
جاءَ شِعرٌ مُرَطَّبُ الحُبِّ عَذبُ
صاحِ في عَينَيكَ صَدّاحُ الأَماني
وَعَلى ثَغرِكَ حُبّي وَحَناني
ما عَلى الدُنيا إِذا عَنَّت بِنا
لَيسَ في الدُنيا سِوانا شاعِرانِ
فَاِعصُري قَلبَكِ في خَمرِ دَمي
وَاِجعَلي الأَيّامَ في الكَأسِ ثَواني
وَاِرشِفي مِرشَفي
وَاِهتُفي نَحنُ في
كانَ في قَلبي مِنَ الحُبِّ بَقايا
توقظ الماضِيَ وَالماضي خَطايا
حينَ أَشرَفتِ عَلى قَلبي اِمَّحَت
غَسَلَت روحُكِ بُؤسي وَشَقايا
وَنَما حُبٌّ جَديدٌ في دَمي
ما نَما أُختَ روحي في سوايا
ما اِرتَوى بي جَوى
وَالهَوى ما رَوى
جُنَّتِ الدُنيا كَما نَهوى فَجُنّي
إِنَّما الدُنيا هَوىً مِنكِ وَمِنّي
أَنزَلَت عَيناكِ في صَحرائِها
مِن سَماءِ الحُبِّ سَلوايَ وَمَنّي
هيَ كَنّارَةُ فَتحِ في يَدي
طارَ عَن أَوتارِها الشَكُّ فَغَنّي
فَالغِنا خَمرُنا
وَالمُنى مِلؤُنا
سَوفَ نَغدو في الوَرى أُسطورَةً
يَنقُلُ الناسُ الهَوى عَنكِ وَعَنّي
إِنَّ أُنثى غَنَّيتَها مِثلَ هذا ال
شِعرِ نِسيانُها ولَو شِئتَ صَعبُ
مَن تُراها تَكون أَيَّة أَرضٍ
كانَ فيها زَرعٌ كَهذا وَخِصبُ
رَأَيتُكِ في قَلبي فَحُلمي مُنَوَّرُ
وَصُبحيَ مِشراقٌ وَلَيليَ مُقمِرُ
تَرَكتُ أَباطيلَ التَقاليدِ لِلوَرى
فَإِن كُنتُ في إِثمٍ فَعَيناكِ مَطهَرُ
أُحُبُّكِ لا أَدري لِماذا أُحِبُّها
كَفانيَ إيماني بِأَنِّيَ أَشعُرُ
وَأَهوى الَّذي تَهوينَ حَتّى كَأَنَّني
بِقَلبِكِ أَستَهدي وَعَينَيكِ أَنظُرُ
أُحِبُّكِ في قَلبي كَما ثارَ جائِعٌ
وَهَجَّرَ مُشتاقٌ وَصَلّى مُفَكِّرُ
وَحَقِّ هَوى غَلوا أُحَسُّكِ في دَمي
وَأُقسِمُ ما في غَلَ حُبٌّ مدمَّرُ
جَرَت في دَمي وَحياً وَتَجرينَ في دَمي
وَلكِنَّ لَونَ الحُبِّ قَد يَتَغَيَّرُ
أُحِبُّكِ وَالدُنيا سَحابٌ مُغَرِّرٌ
سَرابٌ وَقَبضُ الريحِ حُلمٌ مُكَسَّرُ
جَعَلنا خَيالَ الحُبِّ فيها حَقيقَةً
فَنَحنُ عَلى وَهمِ المُحِبّينَ جَوهَرُ
أُحِبُّكِ وَالدُنيا تَغيمُ بِناظِري
غِشاءٌ عَلى عَينِ الشَبابِ مُحَيَّرُ
أَرى الناسَ مِن حَولي شُخوصاً غَريبَةً
وَكُلُّ غَريبٍ حينَ تَأتينَ يَحضُرُ
أُحِبُّكِ وَالدُنيا طَنين بِمَسمَعي
كَأَنّي بِالدُنيا حَديثٌ مَغَوَّرُ
تَهَوِّلُ لي فيها طُيوفٌ كَبيرٌ
وَكُلُّ كَبيرٍ حينَ أَلقاكَ يَصغُرُ
أُحِبُّك ما أَشهى صَداها بِمَسمَعي
سَماعٌ لِأَحلامي العِذابِ مصَوَّرُ
تَغَلغَلَ في مَهدي لِأُمّيَ مِن أَبي
وَباقٍ عَلى قَلبي إِلى حينَ أُقبَرُ
مَن تُراها تَكونُ طوبى لِحُبٍّ
كانَ فيهِ لِمِثلِ شِعرِك سَكبُ
أَيُّ حُسنٍ أَوحاهُ أَيةُ أُنثى
بي عَذابٌ مِنها كِشِعرِكَ رَحبُ
تَقرِّبُني نَفسي فَتُبعِدُني غَلوا
وَيَدفَعُني حُبّي فَتَردَعني التَقوى
أَغالِبُ قَلبي في هَواك فَلا يَني
وَأُوشكُ أَن أَقسو عَلَيهِ فَلا أَقوى
وَأَشعُرُ في نَفسي بِضَعفٍ أُحِبُّهُ
فَأُلوي بِهِ عَمّا يُقالُ وَما يُروى
كَأَنِّيَ أَخشى أَن أُطاوِعَ لائِمي
فَأَسمَعُ تَبكيتاً وَلا أَفهَمُ الفَحوى
أُحِبُّكِ لا أَرجو نَعيماً يُصيبُني
وَأَبذُلُ مِن قَلبي وَلا أَبتَغي جَدوى
وَقَد كُنتُ أَهوى فيكِ حُسناً أَنا لَهُ
فَأَصبَحتُ أَهوى فيكِ فَوقَ الَّذي أَهوى
أَراكِ عَلى جَفني أُحسُّكِ في دَمي
وَأَنشَقُ في روحي شَذا روحِكِ الحُلوا
مَزَجتُكِ بي كَالخَمرِ تُمزَجُ بِالنَدى
فَمِنكِ بِجِسمي كُلُّ جارِحَةٍ نَشوى
غَير أَنّي أَرى بِسائِرِ ما قُل
تَ هَوىً فيهِ لِلشَّقاءِ مَهبُّ
أَلغَرامُ الَّذي أَطالَ شُجوني
حار قَلبي بِهِ وَحارَت عُيوني
لا أُطيقُ الغَرامَ في أَلفِ وَجهٍ
فَاِذهَبي ما عَرَفتُهُ يَكفيني
وَاِطرُحيني مِن مُقلَتَيكِ وَخَلّيني
تَعالَي في مُقلَتَيكِ ضَعيني
أَنا في مُقلَتَيكِ أَسعَدُ أَشقى
فيهِما فَاِذهَبي وَلا تَشقيني
أَنا أَهوى الشَقاءَ لا لَست أَهوا
هُ تَعالَي إِلَيَّ لا بَل دَعيني
مَن تَكونينَ أَنتِ أَجهَلُ بَل أَع
رِفُ فَاِمضي عَنّي وَمَن شِئتِ كوني
أَنتِ حُبٌّ في مُهجَتي فَتَعالَي
أَنتِ هزءٌ في ناظِري فَاِترُكيني
أَنتِ نورٌ في خاطِري وَظَلامٌ
في خَيالي وَريبَةٌ في جَبيني
وَسُوَيداءُ في دَمي
وَهُمومٌ عَلى فَمي
أَنتِ عرسٌ في مَأتَمي
بَسمَةٌ في جَهَنَّمي
آهِ عَيناكِ كَيفَ أُنكِرُ عَينَي
كِ وَقَلبي عَلَيهِما وَفُتوني
حينَ تَغرَورِقانِ بِالحُبِّ يَطفو
مِن حَناني عَلَيهِما وَحَنيني
أَنتِ في خاطِري وَروحي نَشيدٌ
زائِلٌ فَاِهدُميهِ أَو فَاِهدُميني
وَدَعيني أَعُد إِلى يَقظَةِ الماض
ي فَأَحيا في ذِكرَياتِ جُنوني
آهِ مِن مُقلَتَيكِ لَم يَبقَ إِلّا
وَهَجٌ في يَراعَتي يُغريني
غَرَقٌ في شَواعِري وَذُهولٌ
في ضَميري وَرِعشَةٌ في جُفوني
قُلتُ يا لَيلَ قُلتِ شِعرُكَ فيها
حَيَّرَتني فيهِ مَآسٍ تُغِبُّ
أَرجيمٌ أَتى بِوَجهِ مَلاكٍ
أَم غَزالٌ في قَلبِهِ حَلَّ ذِئبُ
مَرَّ عَلى قَلبي المُعَنّى
مَرَّ عَصوف عَلى أَخيه
أَيَعرِفُ القَلبَ كَيفَ جُنّا
وَكَيفَ جُنَّ الغَرامُ فيه
دَعني فَقَد صارَ نَحنُ كُنّا
وَحَلَّ ما كُنتُ أَتَّقيه
هَوىً تَسَرّى قَلبي وَحَلّا
عَلى خَطيف
جاءَ مَعَ الصَيفِ ثُمَّ وَلّى
مَعَ الخَريف
كَما يَجيءُ الهَوى عَنيفاً
يَمضي عَنيف
وَليمَةٌ مَدَّها الغَرامُ
وَسادَها الزَهوُ وَالمَرَح
ما كادَ يَصفو بِها المُدامُ
حَتّى بَدا الشَكُّ في القَدَح
وَمُذ جَلا عَنّيَ الغَمامُ
رَأَيتُ في قَعرِهِ شَبَح
سَكَبتُ فيكِ الهَوى أَغاني
وَالقَلبَ راح
فَأَيُّ شادٍ عَلى حَناني
سَطا وَطاح
وَأَيُّ مِسخٍ أَحالَ شِعري
إِلى نُباح
حَلَفتُ بِاِسمِ الهَوى وَبِاِسمِك
فَبِاِسمِ مَن كُنتِ تَحلِفين
وَحَقِّ قَلبي وَحَقِّ سَهمِك
أَخشى عَلى الخُبثِ أَن يَبين
أَن يَأكُلَ البُؤسُ جِسمِك
وَتُبذَلَ النَفسُ وَالجَبين
أَيَحجُبُ الخامِلونَ عَنّي
ما تَبدِعين
لَقَّنتُ في مُقلَتَيكِ فَنّي
لِلعاشِقين
وَأَنتِ عِشقي فَلِم أَغنّي
وَتَصمُتين
قُلتُ يا لَيلَ إِنَّ حُكمَتِ ظالِم
فَاِرحَميها فَالحُبُّ كَاللَهِ راحِم
لَم تَجيئني بِدون قَلبٍ بَريءٍ
إِنَّما أَلسُنُ الوُشاةِ أَراقِم
قُلتِ في مُقلَتَيكِ مِنها خَيالٌ
فَهَواها ما ماتَ بَل هُو نائِم
لَيتَني جِئتُ قَبلَها قُلتُ لَو جِئ
تِ لِأَلفَيتِ في تُرابي جَماجِم
كانَ قَلبي يا لَيلَ يدفُنُ ماضي
هِ فَلَم تَبتَلي بِتِلكَ المَآتِم
كانَ روحي إِذ أَقبَلَت يَتَنَزّى ال
حِقدُ فيهِ وَكانَ حُبِّيَ ناقِم
فَالأَفاعي لَم تُبقِ إِلّا سُموماً
في جَناني وَفي ضَمري سَمائِم
كانَ في صَوتِها ذَرورٌ مِن السِح
رِ وَهذا الذَرورُ كانَ مراهِم
فَتَلاشى حُلقومُها في لَظى نَف
سي يلاشي فَحيحَ تِلكَ الحَلاقِم
حُبُّها كانَ مطهراً لِعَذابي
قُمتُ مِنهُ إِلى نَعيمٍ قائِم
فَعَلى مُقلَتَيكِ سِحرٌ غَريبٌ
فيهِ مِن بَهجَةِ السَماءِ مَباسِم
وَنَقاءٌ عَلى جَبينِكِ يا لَي
لى كَأَنَّ المَلاكَ ما زالَ حائِم
لي إِلى اللَهِ في حَنانِكِ مِرقا
ةٌ وَفي صَوتِكِ الشَجِيِّ سَلالِم
أَنا يا لَيلَ أَسعَدَ الناسِ حُبّاً
مِلءُ عَيني نورٌ وَقَلبي وَلائِم
سَوفَ تُمحى رُؤىً وَتَنهارُ أَحلا
مٌ وَتَبلى مُنىً وَحُبّيَ دائِم