انتقل إلى المحتوى

حقا أقول لقد تبلت فؤادي

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

حقا أقول لقد تبلت فؤادي

​حقا أقول لقد تبلت فؤادي​ المؤلف البحتري


حَقّاً أقُولُ: لَقَدْ تَبَلْتَ فؤادي،
وأطَلْتَ مُدّةَ غَيّيَ المُتَمَادِي
بجَوًى مُقيمٍ، لَوْ بَلَوْتَ غَليلَهُ
لَوَجَدْتَهُ غَيرَ الجَوَى المُعتادِ
وَلَقد عرفت جَوَى الهَوَى في مُنّتي،
وََرأيتَ طاعَةَ قَلبيَ المُنْقَادِ
والحبُّ شكود للنّفُوسِ يَسُرُّني
سهو العَوَائِدِ عَنْهُ، وَالعُوّادِ
هل أنتَ صَارِفُ شَيبَةٍ، إنْ غَلّستْ
في الوَقْتِ، أو عَجِلَتْ عن المِيعادِ
جَاءَتْ مُقَدَّمَةً أمَامَ طَوَالعٍ،
هَذي تُرَاوِحُني، وتلكَ تُغَادِي
وأخو الغَبينَةِ تَاجرٌ في لِمّةٍ،
يَشْرِي جَديدَ بَيَاضِهَا بسَوَادِ
لا تَكذِبَنّ فَمَاالصّبَا بمُخَلَّفٍ
فينَا وَلا زَمَنُ الصّبَا بمُعَادِ
وَأرَى الشّبابَ على غَضَارَةِ حُسنِه
وجماله، عَدَداً منَ الأعْدَادِ
إنّ الخلافَةَ أحمَدَتْ منْ أحمَدٍ
شيَماً، أُنافُ بها على الإحْمَادِ
مَلِكٌ، تُحَيّيهِ المُلُوكُ، وَدونَهُ
سيمَا التّقَى، وَتَخَشُّعُ الزُّهَادِ
وقذت موالاة الصيام تصرفا
من لحظ ظمآن الهواجر صاد
مُتَهَجّدٌ يُخفي الصّلاةَ، وقد أبى
إخفَاءَها أثَرُ السّجُودِ البَادِي
سَمحُ اليَدينِ، إذا احتَبَى في مجلِسِ
كانَ النّدى صِفةً لذاكَ النّادِي
أُنْظُرْ إلَيْهِ، إذا تَلَفّتَ مُعْطياً
نَيْلاً، وَقُلْ في البَحْرِ والوُرّادِ
وإذا تَكَلّمَ فاستَمَعْ من خُطبَةٍ،
تَجْلُو عَمَى المُتَحَيّرِ المُرْتَادِ
أفضَى إلَيْهِ المُسْلِمُونَ فصَادَفُوا
أدْنَى البَرِيّةِ منْ تُقًى وَسَدادِ
بفَضِيلَةٍ في النّفسِ تُوصَلُ عندَهُ
بفَضَائِلِ الآبَاءِ، والأجْدَادِ
وَمَحَلّةٍ تَعلُو، فتَسقُطُ، دونَها
هِمَمُ العِدَى، وَنَفَاسَةُ الحُسّادِ
وَزَنُوا الأصَالَةَ من حِجَاهُ، وإنّما
وَزَنُوا بها طَوْداً منَ الأطْوَادِ
وَوَرَاءَ ذاكَ الحِلْمِ لَيثُ خَفيّةٍ،
من دونِ حَوْزَتهمْ، وَحَيّةُ وَادِ
مُتَيَقّظٌ عُصِمَتْ بَوَادِرُ أمْرِهِ
بعُرًى من الرّأيِ الأصِيلِ، شِدادِ
كالسّيفِ في ذاتِ الإلَهِ، وَقد يُرَى
كرماً كَفَرْعِ النّبعَةِ المُنْآدِ
رَاعٍ، أرَاهُ الحَقُّ قَصْدَ سبيله،
فَغَدا يُناضل دونَه وَيُرَادي
وَدّتْ رَعيّتُهُ لوَ أنّ لَيَالِياً
قَدُمَتْ بهِ في المُلْكِ، والميلادِ
تَبعتْ بَنو العَبّاسِ هَديَ مُوَفَّقٍ
ثَبْتِ البَصِيرَةِ، بالمَحَجّةِ هَادِ
مُسْتَجْلِبٍ لَهُمُ اجتهَادَ نَصِيحَةٍ
منْ أوْلِيَائِهِمِ، وَذُود أعَادِ
وكأنّهُمْ، لَمّا اقتَفَوْا آثاره،
تَبعُوا ضِيَاءَ الكَوْكَبِ الوَقّادِ
يَنسَى الذّنُوبَ، وما تَقادَمَ عهدُها،
مُلقَى الضّغَائِنِ، دارِسَ الأحقادِ
تَعفُو لعَفْوِ الله عَنْكَ تَحَرّياً،
والعَفْوُ خَيرُ خَلائقِ الأمْجادِ
بَلَغَ احْتياطُكَ وَفْدَ كلّ قَبيلَةٍ،
وأغاثَ عَدْلُكَ أهلَ كلّ بلادِ
لاَ تَخلُ من عَيشٍ يكُرُّ سرُورُهُ،
أبَداً، وَنيْرُوزٍ عَلَيْكَ مُعَادِ
وَبَقيتَ يَفديكَ الأنَامُ، وإنّهُ
لَيَقِلُّ للمُفْدَى قدر الفَادِي
أخشَى الخَرَاجَ وَقد دَعوْتُ لعِظمه
مَلِكَ المُلُوكِ، وَرَافدَ الرُّفّادِ