جودي بما شئت من ذوب الأسى جودي
المظهر
جُودِي بما شئتِ من ذوْبِ الأسَى جُودِي
جُودِي بما شئتِ من ذوْبِ الأسَى جُودِي
أوْدَتْ صُروفُ الليالي بابنِ محمودِ
أوْدَتْ بأشجعِ من حَفّ الرّعيلُ به
يومَ النِّضالِ ومَنْ نادَى ومَن نودي
أوْدَتْ بمن تعرفُ الساحاتُ كَرّتَه
إذا تنكَّبَ عنها كلُّ مَزْءود
ويشهدُ الحقُّ أنّ الحقَّ في يدِه
سيفٌ يرُوعُ المنايا غيرُ مغمود
دعته مصرُ وللأحداثِ مَلْحَمةٌ
والخطبُ ما بينَ تَهْدارٍ وتهديد
وأنفُسُ الناسِ في ضيقٍ وفي كمدٍ
كأنّها زفرةٌ في صدرِ معمود
حيرَى تلوذُ بآمالٍ محطَّمةٍ
كما يلوذُ غريمٌ بالمواعيد
طارت شَعاعاً وهَوْلاً مثلما عصفت
هُوجُ الرياحِ برملِ البيدِ في البيدِ
والجوُّ أكلَفُ والدنيا مُقطِّبةٌ
أيّامُها البيضُ من ليلاتها السّود
ومصرُ ليس لها حِصْنٌ ولا وَزَرٌ
إلاّ الغَطاريفَ من أبنائها الصِّيد
لها سلاحٌ من الإيمِان تشرَعُه
ينبو له كلُّ مصقولٍ ومحدود
فجاءها خالديَّ العزمِ في نفرٍ
شُمِّ الأُنوفِ صناديدٍ مناجيد
من كلِّ أرْوعَ عُنوانُ الجهادِ به
قلبٌ ركينٌ ورأيٌ غيُ مخضود
جاءوا يزاحمُهم عزمٌ وتفديةٌ
كما تصادم جُلْمودٌ بجلمود
كأنّهم حينما شدّوا لغايتهم
سهمُ المقاديرِ في قصدٍ وتسديدِ
صدوُرهم بلقاء الهوْلِ شاهدةٌ
والطعنُ في الظهرِ غيرُ الطعنِ في الجِيد
جادوا لمصر وفدَّوْها بأنفسهم
والجودُ بالنفسِ أقصَى غايةِ الجود
كم هشَّم الدهرُ من سنٍّ ليعجُمَهم
ولم تزَلْ في يديْه نَضْرةُ العود
إن الذي خلق الأبطالَ صوَّرهم
من ثَوْرة البحرِ أو بأسِ الصياخيد
يمشي الشجاعُ لحد السيف مُبتسماً
ويرهَبُ الغِمدَ ذُعراً كلُّ رِعْديد
كم همّةٍ تفرَع الأجبالَ سامقةً
وهمةٍ ركدت بين الأخاديدِ
وكم فتىً تسبِقُ الأيامَ وثبتُه
وللبطولةِ أُفْقٌ غيرُ محدود
وخاملٍ مالآثارِ الحياة به
إلاّ ورودُ اسمِه بينَ المواليدِ
وميّتٍ بعث الدنيا وعاش بها
ماكلُّ من ضمّه قبرٌ بملحود
سبحانك اللّه إن تحرم فتزكيةٌ
وإن تُثِبْ فعطاءٌ غيرُ محدود
تعطى النفوسَ على مقدارِ جوْهِرها
ما كان لليثِ منها ليس للسِّيد
والمجدُ عَزْمةُ أبطالٍ مسدَّدةٌ
بريئةُ النصلِ من شكٍّ وترديد
وللعلا من صفات الغِيدِ أنّ لها
دَلاّ يُروِّعُ تقريباً بتبعيد
جاءوا إليك كموجِ البحرِ عُدَّتُهم
رأيٌ أصيلٌ وصدرٌ غيرُ مفئودِ
فَقُدْتَهم غيرَ هيّابٍ ولاَفَزعٍ
إلى لواءٍ بحبلِ اللّه معقود
تمشي بهم في فيافي الشوْكِ معتزماً
من يطلب المجَد لا يبخلْ بمجهودِ
لا يستبيك سوى مصرٍ ونهضتِها
فكل شيءٍ سواها غيرُ موجود
من يقصد النجمَ في عُلْيا سماوتِه
نأى بجانبِه عن كلِّ مقصود
وراءك الركبُ في يأسٍ وفي أملٍ
لما يروْن وتصديقٍ وتفنيد
تحنو على ضعفِ من طال الطريقُ به
حنانَ والدةٍ ثَكْلَى بمولود
وتلمَحُ الأفْقَ هل بالأفْقِ من نبإٍ
وهل من الدهرِ إنجازٌ لموعودِ
وهل طيوفُ الأماني وهي حائرةٌ
تدنو بطيفٍ من الآمالِ منشود
وهل ترَى مصرُ صُبحاً بعدَ ليلتها
وهل تقَرُّ عُيونٌ بعدَ تسهيد
وهل لمعتَقلٍ في البحرِ من أملٍ
في أن يَرَى قومَه من بعدِ تشريد
حتى بدت غُرّةُ الدُسْتورِ عن كَثَبٍ
كما تبدّى هلالُ العِيدِ في العيد
فأرسلتْ مصرُ بنتُ النيل من دمِها
وَرداً تَزينُ به هامَ الصناديد
وصفَّقت لحُماةِ الغِيلِ تُنشدُهم
من البطولةِ مأثورَ الأناشيد
والناسُ بينَ بشاشاتٍ وتهنئةٍ
وبينَ شكرٍ وتكبيرٍ وتحميد
جاء الزمانُ فلا قوْلٌ بممتنعٍ
على اللسانِ ولاحرٌّ بمصفود
وأشرقَ الصبحُ والدنيا مهلِّلَةٌ
كأنّه بَسماتُ الخُرّدِ الغِيد
من ينصرِ اللّه لاجَوْرٌ يَحيدُ به
عن الطريق ولا جَهْدٌ بمفقود
سيكتُبُ الدهرُ فليكتبْ فليس يَرَى
إلا صحائفَ تشريفٍ وتمجيدِ
نَمَت خلائقُه في بيتِ مَكْرُمةٍ
في سُوحِهِ المجدُ فينانُ الأماليد
بيتٌ دعائمهُ نُبْلٌ وتضحيةٌ
إذا بنى الناسُ من صخرٍ ومن شِيد
وسار في سَنَن الآباء متّئِداً
أمرٌ مطاعٌ ورأيٌ غيرُ مردود
وهمّةٌ تتأبّى أن يُقال لها
إن جازتِ النجمَ في مسعاتِها عودِي
تجرّدت لصعابِ الدهرِ واثبةً
وَيْلَ المصاعبِ من عزمٍ وتجريد
وفكرةٌ لو تمشّت نحوَ معضلةٍ
صَفَتْ مواردُها من كلِّ تعقيد
وعزّةٌ نظرت للكونِ مِن شَرَفٍ
عالٍ يعِزُّ على رَقْيٍ وتصعيد
قالوا هي الكِبْرُ قلتُ الكبر مَحْمَدةٌ
إذا تساميتَ عمّا بالعلا يودِي
ترنو إليه فتُغضِي من مهابِته
فالطرفُ مابينَ موصولٍ ومصدود
خاض السياسةَ نفّاذَ الذكاءِ فما
رأْيٌ بنابٍ ولاعزمٌ بمكدود
فكم له وقفةٌ فيها مجلجِلةٌ
وكم مقامٍ عزيزِ النصر مشهود
وكان خصماً شريفَ الصدرِ مرتفعاً
عن الدنيّاتِ إنْ عادَى وإنْ عودي
فاسألْ مُناصرَه أو سَلْ مخالفَه
فليس فضلُ ابنِ محمودٍ بمجحود
لمَّا رمَى زُخْرُفَ الدنيا وباطلَها
ألقتْ إليه المعالي بالمقاليد
خذِ الرثاءَ نُواحاً ملؤُه شَجَنٌ
لم تبقَ بعدَك أدواحٌ لتغريدي
مافي يدي غيرُ أوتارٍ محطَّمةٍ
يبكي لها العُودُ أو تبكي على العودِ
وكلُّ جمعٍ إلى بَيْنٍ وتفرقةٍ
وكلُّ شملٍ إلى نأْيٍ وتبديد
أمست تجاليدُه في جوْفِ مظلمةٍ
كم صَوْلةٍ وإباءٍ في التجاليد
نَمْ ملءَ جفنيْكَ في رُحْمَى ومغفرةٍ
ووارفٍ من ظِلال اللّه ممدودِ
إنّ البطولةَ والأجسادُ فانيةٌ
تبقَى على الدهر في بعثٍ وتجديد
لم يَخلُ منكَ مكانٌ قد تركتً به
ما يملأُ الأرضَ من ذكرٍ وتخليد