انتقل إلى المحتوى

تاريخ بيت المقدس ابن الجوزي رحمه الله

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
​تاريخ بيت المقدس​ المؤلف ابن الجوزي


الفصل الأول: في ابتداء بناء بيت المقدس والمسجد الأقصى

روى البخاري رحمه الله ورضي عنه في صحيحه عن أبي ذر رضي الله عنه أنه قال: قلت يا رسول الله: أي مسجد وضع في الأرض أول. قال: (المسجد الحرام) قال: قلت: ثم أي? قال: (المسجد الأقصى) قلت: كم كان بينهما? قال: (أربعين سنة ثم أينما أدركتك الصلاة فصل، فإن الفضل فيه). هكذا نقلته من البخاري.

روى الحافظ في كتابه المستقصى بسند من أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله: أي مسجد وضع في الأرض أول? قال: (المسجد الحرام) قلت: ثم أي? قال: (المسجد الأقصى) قلت: كم كان بينهما? قال: (أربعين سنة) ثم قال: زاد الفرا: (أينما أدركتك الصلاة فصل فهو مسجد). ثم قال: هذا حديث صحيح أخرجاه في الصحيحين وأخرجه النسائي والقزويني نقلته من باب: أي مسجد وضع في الأرض أول من باب: فضائل بيت المقدس يروى بعد ذلك باب بني بيت المقدس على أساس قديم قال: والأساس الذي أسسه سام بن نوح عليهما السلام ثم بناه داود وسليمان عليهما السلام على ذلك الأساس قلت: وقد يقال ينبغي أن يكون الذي أسسه سام عليه السلام على بناء القبلة الحديث المقدم فإنه روي عن الأزرقي عن مجاهد رضي الله عنهما قال: (لقد خلق الله الأرض بألفي عام، وإن قواعده في الأرض السابعة السفلى) ثم روى عن علي بن الحسين رضي الله عنهما أن البيت الحرام من بناء الملائكة عليهم السلام. ثم روى عن ابن عباس رضي الله عنه أن آدم عليه السلام أول من أسس وصلى فيه وطاف به ثم درس موضع البيت من الطوفان حتى بعث الله إبراهيم وإسماعيل فرفعا قواعده، وإذا كان الأمر كذلك وكان بينه وبين المسجد الأقصى أربعون سنة، كان ابتداء المسجد الأقصى قبل سام عليه السلام، فإنه قال في كتاب المغني في غريب المهذب أنه كان بين آدم ونوح عليهما السلام ألف ومائة سنة ونبه الإمام الخطابي في كتاب الأعلام له على أن من بني المسجد بعض أولياء الله تعالى قبل داود وسليمان عليهما السلام ثم بناء داود وسليمان وزادا قبة ووسعاه فأضيفا بناؤه إليهما والله تعالى أعلم

الفصل الثاني : في ابتداء شد الرحال إلى بيت المقدس

وفضل بنائه وأسراجه ومن أين يدخل بيت المقدس ومن أين يدخل مسجدها وفضل إتيان بيت لحم والصلاة فيه عن ميمونة رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله: أفتنا في بيت المقدس. قال: (أرض المنشر والمحشر إئتوه فصلوا فيه فإن صلاة فيه كألف صلاة)، قالت: أرأيت إن لم نطق نتحمل إليه ونأتيه قال: (فليهد إليه زيتا يسرج في قناديله فأنه من يهدي إليه، كان لمن صلى فيه) أخرجه القزويني من باب إسراج بيت المقدس. وعن كعب رضي الله عنه: لما فرغ سليمان من بناء بيت المقدس وضع القربان في رحبة المسجد ثم قام على الصخرة ثم قال بعد ثناء وحمد: اللهم إني أسألك لمن دخل هذا المسجد خمس خصال: أن لا يدخل إليه مذنب لم يتعمده إلا لطلب التوبة أن تتقبل منه وتتوب عليه وتغفر له ولا يدخل إليه خايف لم يتعمده إلا لطلب الاستشقاء أن تشقى له وأن لا تعرف بصرك عمن دخله حتى يخرج منه اللهم أن أجيب دعوتي وأعطيتني مسألتي فاجعل علامة ذلك أن تقبل قربانة فنزلت نار من السماء فاحتملت القربان فصعدت به إلى السماء (نقلته من أخر باب بناء سليمان بيت المقدس). وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وسلم): (لما بنى سليمان بيت المقدس سأل ربه ثلاثا فأعطاه اثنتان وأنا أرجو أن يكون قد أعطاه سأله حكما يوافق حكمه وسأله ملكا لا ينبغي لأحد من بعده فأعطاه ذلك وسأله أن لا يأتي أحد هذا البيت يصلي فيه لرجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه وأنا أرجو أن يكون قد أعطاه ذلك). وعنه أيضاً أنه قال: (أن سليمان عليه السلام لما فرغ من بناء بيت المقدس قرب قربانا فتقبل منه ودعا الله دعوات منهن، قال: اللهم أنما عبد مؤمن بك زارك في هذا البيت نايبا إليك، أنما جاء يتنصل من ذنوبه وخطاياه أن تتقبل منه وتنزله من خطاياه كيوم ولدته أمه). وفي رواية: (تنزعه من خطاياه).

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي (): (لما فرغ سليمان من بناء بيت المقدس سأل الله عز وجل ثلاث خصال حكما توافق حكمه وملكا لا ينبغي لأحد من بعده ولا يأتي أحد هذا البيت لا ينتهين إلا الصلاة فيه تخرجه من ذنوبه كيوم ولدته أمه). فقال النبي : (أما الثنتان فقد أعطيهما، وأما الثالثة فأرجو أن يكون قد أعطيها)، فقال: دعا نبي وجاءني وتوفي، رواية أيضا عن رسول الله : (أن سليمان ابن داود عليهما السلام لما فرغ من بناء بيت المقدس سأل الله عز وجل حكما حكمه وملكا لا ينبغي لأحد من بعده ولا يأتي هذا أحد لا يريد إلا الصلاة فيه إلا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه. فقال رسول الله : أما اثنتان فقد أعطيهما وأنا أرجو أن يكون قد أعطى الثالثة) (رواه النسائي وابن ماجه). وعن أبي العوام رضي الله عنه أنه قال: لما فرغ نبي الله سليمان من بناء بيت المقدس ذبح ثلاثة آلاف بقرة وسبعة آلاف شاة ثم قال: اللهم من أتاه من ذي ذنب فاغفر له ذنبه أو ذي ضر فاكشف ضره قال: فلا يأتيه أحداً إلا أصاب من دعوة سليمان خيراً كثيراً (نقلته من باب دعاء سليمان عليه السلام لما فرغ من بناء المقدس) إنتهى.

عن شداد بن أوس وضي الله عنه قال: قلنا يا رسول الله: كيف أسرى بك؟ قال: (صليت بأصحابي صلاة الغمة بمكة معتما فأتاني جبريل عليه السلام بدابة فوق الحمار ودون البغل، فقال اركب فاستصحبني على فقادها بأذنها وحملني عليها ثم انطلقت تهوي، يقع حافرها حيث أدرك طوقها حتى بلغنا ارضا ذات نخل فانزلني، فقال: صل فصليت ثم ركبنا، فقال: أتدري أين صليت؟ قلت: لا أعلم. قال: صليت بيثرب صليت بطيبة. قال: فانطلقت تهوي يقع حافرها حيث أدرك طرفها، ثم بلغنا أرضا فقال: أنزل فصلى فنزلت ثم قال: فصلى فصليت، ثم قال: أتدري أين صليت، قلت: الله أعلم. قال: صليت بمدين صليت عند شجرة موسى عليه السلام، ثم انطلقت تهوى بنا يقع حافرها حيث أدرك طرفها ثم بلغنا أرضا بدت لنا قصورها فقال: أنزلت فنزلت فقال: صلى فصليت ثم ركبنا فقال: أتدري أين صليت. قلت: الله أعلم. قال: صليت ببيت لحم حيث ولد عيسى المسيح ابن مريم عليه الصلاة والسلام ثم انطلق بي حتى دخلنا المدينة من بابها اليماني فأنا قبلة المسجد فربط دابته فيه ثم دخلنا المسجد من باب فيه تمثيل الشمس والقمر فصليت في المسجد حيث شاء الله تعالى وأخذ مني العطش أشد ما اخذني فأوتيت بأناءين في أحدهما لبن وفي الآخر خمر أرسل إلى بهما جميعا فعدلت بينهما، ثم هداني الله عز وجل فأخذت اللبن فشربت منه حتى عرفت به جيئتي وبين يدي شيخ شكى على مثران له، فقال: أخذ صاحبك الفطرة ليهدي ثم انطلق بي حتى أتينا الوادي فيه المدينة، فإذا جهنم تنكشف عن مثل الروابي).

قال: قلت يا رسول الله كيف? قال: مثل الحمة السخنة ثم انصرف بي فمررنا بعير لقريش بمكان كذا قد أحلوا بعيراً لهم قد جمعه فلان فسلمت عليهم، فقال بعضهم هذا صوت محمد ثم أتيت أصحابي، قبلة الصبح، فأتاني أبو بكر. فقال: أين كنت الليلة فقد التمستك في مضانك فقال: أعلم أني أتيت المقدس الليلة فقال يا رسول الله: أنه سبين، فصفه لي قال ففتح لي صراط كأني انظر إليه لا تسألني عن شيء إلا ابنائه به. قال أبو بكر رضي الله عنه: أشهد أنك رسول الله. فقال المشركون: انظروا إلى ابن أبي كبشة يزعم أنه ذهب إلى بيت المقدس الليلة قال: فقال إني سرابه ما أقول لكم أني مررت بعير لكم في مكان كذا وكذا وقد اضلوا بعيراً فجمعه فلان وإن مسيرهم بكذا ثم كذا ولاقوكم بكذا يقدمهم جمل أدم عليه مسخ أسود وغدارتان سوداوتان، فلما كان ذلك اليوم أشرف الناس ينتظرون حتى كان قريب من نصف النهار أقبلت العير يقدمهم ذلك الجمل الذي وصفه رسول الله . كذا رأيته في رواية البيهقي ثم عقبه هذا الإسناد صحيح ورأيت هذا الحديث في كتاب فضل الخيل منقولا عن رواية الطبري وغيره وفيه بدابة بيضاء من غير شك وفيه أولا حتى بلغنا أرضاً ذات نخل فقال: أنزلت فنزلت ثم قال صلى فصليت ثم فيه بعد قوله: إدرك طرفها حتى بلغنا أرضا بيضاء فقال: أنزل فنزلت ثم قال: صلى فصليت وفيه: ثم مررنا بأرض بدت لنا قصورها فقال: أنزل ونزلت به، قال: صلى فصليت ثم ركبنا فقال: أتدري أين صليت، قلت: الله أعلم، قال: صليت ببيت لحم حيث ولد عيسى ابن مريم عليه السلام.

الفصل الثالث: في فضل الصلاة في بيت المقدس

وفضل الحج والصلاة في مسجد المدينة والمسجد الأقصى في عام واحد روي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: سمعت رسول الله يقول: (الصلاة في بيت المقدس خير من ألف صلاة فيما حواله إلا في المسجد الحرام ومسجدي هذا). عن أبي الدرادء رضي الله عنه عن النبي قال: (الصلاة في المسجد الحرام تفضل على غيره بمائة ألف صلاة وفي مسجدي ألف صلاة وفي مسجد بيت المقدس خمسمائة صلاة). وفي حديث آخر عن أبي المهاجر رضي الله عنه قال: قال رسول الله : (من صلى في بيت المقدس غفرت ذنوبه كلها).

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله : (صلاة الرجل في بيته بصلاة وصلوته في مسجد القبائل بخمس وعشرين صلاة وصلوته في المسجد الذي يجمع فيه بخمسمائة صلاة وصلوته في المسجد الأقصى بخمسين ألف صلاة وصلوته في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة).

وعنه أيضا قال: قال رسول الله : (من صلى في بيت المقدس خمس صلوات نافلة كل صلاة أربع ركعات يقرأ في الخمس صلوات بعد فاتحة الكتاب عشرة الف مرة (قل هو الله أحد) فقد اشترى نفسه من الله تبارك وتعالى وليس للنار عليه سلطان).

وفي رواية عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله : (صلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة والصلاة في مسجدي بألف صلاة والصلاة في المسجد الأقصى بعشرين ألف صلاة). وعن أبي إمامة الباهلي رضي الله عنه قال: قال رسول الله : (من حج واعتمر وصلى في بيت المقدس جاهزون ابط فقد استكمل جميع سنتي).

وعن مكحول رضي الله عنه قال: (من خرج إلى بيت المقدس لغير حاجة إلى الصلاة فيصلي فيه خمس صلوات صبحا وظهراً وعصراً ومغرباً وعشاءً ثم يصلي الغداة خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه).

وعن مكحول أيضا رضي الله عنه قال: (من زار بيت المقدس شوقا إليه دخل الجنة مدللا ورفادة جميع الأنبياء في الجنة وهبطوه بمنزلته عند الله عز وجل وإنما رفقة خرجوا يريدون بيت المقدس شيعهم عشرة آلاف ملك يستغفرون لهم ويصلون عليهم ولهم بكل يوم يقيمون فيه صلاة بسبعين ملك، ومن دخل بيت المقدس طاهرا من الكبائر تلقاه بمائة رحمة ما بها رحمة إلا لو قسمت على جميع الخلائق لوسعتهم، ومن صلى في بيت المقدس ركعتين خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، وكان له بكل شعره في جسده حسنة، ومن صلى في بيت المقدس أربع ركعات مر على الصراط كالبرق الخاطف وأعطى أمانا من الفزع الأكبر يوم القيامة، ومن صلى في بيت المقدس ست ركعات أعطى مائة دعوة مستجابة أدناها براءة من النار ووجبت له الجنة، ومن صلى في بيت المقدس ثمان ركعات كان رفيق إبراهيم الخليل ومن استغفر للمؤمنين والمؤمنات في بيت المقدس ثلاث مرات كان له مثل حسناتهم ودخل على كل مؤمن ومؤمنة سبعون مغفرة ذنوبهم كلها).

وعن محمد بن أبي شعيب قال: قلت لعثمان بن عطاء الخراساني ما يقول في بيت المقدس? قال: أنه فضل فيه فإن داود أسسه وسليمان عليهما السلام بنائه مخلطة بالذهب لبنه ذهب ولبنه فضة، وليس فيها شبراً إلا وقد سجد له ملك أو نبي فلعل أن تنال جبهته جبهة ملك أو نبي.

وعن سفيان الثوري أنه سأله رجل بمكة فقال: يا أبا عبد الله ما تقول في الصلاة في هذه البلدة? قال: بمائة ألف صلاة. قال: ففي مسجد رسول الله ? قال: بخمسين ألف صلاة، قال: ففي بيت المقدس? قال: بأربعين ألف صلاة، قال: ففي دمشق? قال: بثلاثين ألف صلاة.

وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: من حج وصلى في المدينة والمسجد الأقصى في عام واحد خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه.

الفصل الرابع: في فضل الإحرام من بيت المقدس والآثار فيه

عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله : (من أهل بحجة أو عمرة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ووجبت له الجنة). وفي رواية عنها قالت: قال رسول الله : (من أحرم من بيت المقدس بحج أو عمرة خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه). وفي رواية: (غفر الله ما تقدم من ذنبه وما تاخر) (رواه ابو داود والقزويني). وعن أم حكيم: من أهل بعمرة من بيت المقدس عدلت عشر غزوات مع رسول الله . وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن رجلا قال: يا رسول الله: أي الخلق دخولا الجنة? قال: (الأنبياء) قال يا نبي الله: ثم من? قال: (مؤذنوا المسجد الحرام). قال: يا نبي الله: ثم من? قال: (مؤذنوا مسجدي هذا). قال يا رسول الله: ثم من? قال: (سائر المؤذنون على قدر أعمالهم).

الفصل الخامس: في فضل الصدقة والصيام في بيت المقدس وشهور الموسم

عن الحسن البصري قال: من تصدق في بيت المقدس بدرهم كان فداؤه من النار ومن تصدق برغيف كان كمن تصدق بجبال الأرض ذهبا. وعن مقاتل قال: من صام يوما في بيت المقدس كان له براءة من النار. وقال السدي رحمه الله: إلياس والخضر يصومان شهر رمضان في بيت المقدس ويوافيان الموسم كل عام.

الفصل السادس: في ذكر الصخرة وأنها من الجنة

عن رافع أن عمر المزني رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يقول: (الصخرة من الجنة). وعن على بن أبي طالب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يقول: (سيد البقاع بيت المقدس).

وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: صخرة بيت المقدس من صخور الجنة. وعن كعب أن الكعبة بازاً عنه البيت المعمور في السماء السابعة الذي تحجه الملائكة لو وقعت منه أحجار وقعت على الكعبة وأن الجنة من السماء السابعة بازا بيت المقدس لو وقع مهنا حجر لوقع على الصخرة.

وعن دهب قال: يقول الله تعالى: (الصخرة بيت المقدس فيك جنتي وناري وفيك جزائي وعقابي فطوبى عن زارك).

وعن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله : (صخرة بيت المقدس على نخلة، والنخلة على نهر من أنهار الجنة، وتحت النخلة آسية امرأة فرعون ومريم بنت عمران ينظمان سموطا لأهل الجنة إلى يوم القيامة).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي : (الأنهار كلها والرياح من تحت صخرة بيت المقدس).

وعن أبي بن كعب أنه قال: ما من ماء عذب إلا يخرج من تحت صخرة بيت المقدس. وعن نوفل البكالي قال: يخرج من تحت صخرة بيت المقدس أربعة أنهار من الجنة: سيحان وجيحان والنيل والفرات.

وعن أبي بن كعب قال: يقول الله تعالى لصخرة بيت المقدس: أتتي عرشي الأولى ومت تحتك بسط الأرض ومن تحتك جعلت عذب الماء يطلع إلى رؤوس الجبال. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله لما أسرى به إلى بيت المقدس: (أتاني جبريل عليه السلام إلى الصخرة فصليت ثم عرج بي إلى السماء).

وعن أبي إدريس الخولاني قال: يحول الله تعالى صخرة بيت المقدس مرجانة كعرض السماء والأرض ثم يضع عليه عرشه ويضع الميزان ويقضي بين عباده ويصيرون منها إلى الجنة.

وعن البحتري القاضي قال: تكره الصلاة في سبعة مواطن على ظهر الكعبة وعلى الصخرة وعلى طور سيناء وعلى الصفا والمروة وعلى الحمرة وعلى جبل عرفات.

وعن أبي الحسن علي بن أحمد الواحدي في قوله تعالى: )ثُم إذا دعاكُم دَعَوة مِن الأرضِ إذا أنتُم تخرُجُون( بدعوة إسرافيل من صخرة بيت المقدس حين ينفخ في الصور بأمر الله للبعث وبعد الموت. وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله : (صليت ليلة أسرى بي إلى بيت المقدس غربي الصخرة).

وعن عبد الله بن سلام قال: من صلى في بيت المقدس ألف ركعة عن يمين الصخرة وعن يسارها دخل الجنة قبل موته(يعني يراها في منامه). وعن الحوشي قال: إذا دخلتم الصخرة يصنعوها عن أيمانكم. وعن كعب قال: من أتى بيت المقدس فصلى فيه عن يمين الصخرة وشمالها ودعا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه وإن سأل الله تعالى الشهادة أعطاه إياها.

وقال المشرق بن المرجا: يستجب لمن دخل الصخرة أن يجعلها عن يمينه حتى يكون بخلاف الطواف حول البيت، ويضع يده ولا يقبلها ثم يدعو وأن أحب أن ينزل إلى تحت الصخرة فليفعل ولكن يجتهد في الدعاء ويقدم النبية وبيوت إلى الله تعالى ويكون ذلك تحت الصخرة، فإن الدعاء في ذلك الموضع مستجاب إن شاء الله تعالى.

وعن زيد بن أسلم: أن مفتاح صخرة بيت المقدس كان عند سليمان بن داود عليهما السلام لا يأمن علي أحد فقام ذات يوم ليفتحها فعسر عليه، فاستعان بالجن فعسر عليهم فاستعان بالأنس فعسر عليهم فجلس كئيبا حزينا يظن أن ربه قد منه فهو، كذلك إذ أقبل شيخ يتوكأ على عصا له وقد طعن في السن، وكان من جلساء داود عليه السلام فقال: يا نبي الله إني أراك حزينا، فقال: قمت إلى هذا الباب لافتحه فعسر على، فاستعنت عليه بالإنس فلم يفتح ثم استعنت بالجن فلم يفتح فقال لشيخ: ألا أعلمك كلمات كان أبوك داود يقولهن عند كل كرب فيكشف الله تعالى ذلك عنه قال: بلى قال: قل اللهم بنورك اهتديت وبفضلك استغيث وبك أصبحت، وأمسحت ذنوبي بين يديك، استغفرك وأتوب إليك يا حنان يا منان. فلما قالها انفتح له الباب. قال ابو المعالي: فيستحب له أن يدعو إذا دخل بهذا الدعاء من باب الصخرة، وكذلك من باب المسجد.

الفصل السابع: في البلاطة السوداء ومن أين يدخل الصخرة

عن إبراهيم بن مهران قال: حدثنا نحيله وكانت ملازمة لصخرة بيت المقدس قالت: أعلم يوما إلا وقد دخل على من الباب الشامي رجل عليه هيئة السفر، فقلت: الخضر عليه السلام ثم صلى ركعتين أو أربعة ثم خرج فتعلقت بثوبه فقال: أتى رجل من أهل اليمن خرجت أريد هذا البيت فمررت بوهب بن منبه فقال: أين تريد? قلت: بيت المقدس. قال: إذا دخلت السجد فأدخل الصخرة من الباب الشامي ثم تقدم إلى القبلة فإن عن يمينك عموداً أو أسطوانة، وعن يسارك عموداً وأسطوانة فأنظر بين ذلك تجد رخامة سوداء، فإنها على باب الجنة فضل فيها وأدع الله عز وجل فإن الدعاء عليها مستجاب. وعن عثمان الأنصاري أنه كان يجيء الليل بعد انصرافه من القيام في شهر رمضان على البلاطة السوداء.

الفصل الثامن: في قبة المعراج

وقبة النبي وباب الرحمة وباب السكينة وباب حطه ومحراب الصخور ومحراب عمر رضي الله عنه وقبة السلسلة والصخرات التي في مؤخرة المسجد وغير ذلك. يستجيب للزائر أن يتي هذه الأماكن ويجتهد في الدعاء فيها فهي مواضع مجمع على إجابة الدعاء فيها وقد جربه غير واحد وكذلك متعبدة مريم عليها السلام وينبغي لزائر هذه الأماكن الشريفة أن يخلص التوبة لله تعالى وأن يقلع عن الذنوب ويشكر الله على ما وفقه لزيارة هذا المسجد الشريف ويجتهد في الطاعة والصلاة والصدقة فإن ذلك فضلاً كثيراً وإذا فعل ذلك خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه فليستأنف العمل ويصعد إلى طور سيناء وهو الساهرة. وعن كعب ان النبي ليلة أسري به وقف البراق في موضع الموقف الذي يقف الأنبياء فيه ثم دخل النبي وجبرائيل أمامه فاضلا له فيه ضوء كما تضيء الشمس، ثم تقدم جبريل أمامه حتى كان من شامي الصخرة، فأذن جبريل وحشر الله تعالى الأنبياء والمرسلين وصلى النبي بالنبيين والمرسلين والملائكة، ثم تقدم قدام ذلك فوضعت له مرقاة من فضة وهو المعراج حتى عرج إلى السماء. وعن أبي حذيفة مؤذن بيت المقدس عن جدته أنها رأت صفية في المنام وكعب يقول لها: يا أم المؤمنين صلى هنا فإن النبي صلى بالنبيين هاهنا وأومى بيده أبو حذيفة إلى القبة القصوى في دبر الصخرة. وعن وهب: لما كثر الشر وشهادات الزور أعطى الله تعالى لداود عليه السلام سلسلة من ذهب، وقيل من نوف لمفضل الحطاب وكانت معلقة من السماء إلى الأرض بجبال الصخرة شرقي الصخرة وهي القبة التي لقي النبي ليلة الإسراء فيه الحور والعين.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: )وإذ قُلنا ادخُلوا هَذِه القَريَة( هي بيت المقدس وكلوا منها حيث شئتم رغدا الأقصى. وقوله: خطة يعني لا إله إلا الله بخط الذنوب. وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: السور الذي ذكره الله تعالى: )فَضَربَ بينَهُم بِسُورِ له بابُ( هو باب بيت المقدس الشرقي باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب وادي جهنم

الفصل التاسع: في عين سلوان وبناء بيت المقدس وفضل جب الورقة

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله أن الله أختار من المدائن: مكة وهي البلدة والمدينة وهي النخلة وبيت المقدس وهي الزيتونة ودمشق وهي التينة، وأختار من الثغور أربعة: إسكندرية مصر وقزوين خراسان وعدان العراق وعسقلان الشام، وأختار من العيون أربعة قال الله تعالى: )فِيهُما عَينان تَجرِيان( سلوان وبيسان، وقال: (فيها عينان نضاختان) زمزم وعين عكا وأختار من الأنهار: سيحان وجيحان والنيل والفرات. وعن الرقاشي: من أراد أن يشرب من ماء الليل فليقل بماء بيت المقدس يقرئك السلام فإنه أمان بإذن الله تعالى. وعن شريك بن جباسة النميري أنه جاء ليشفي من جب سليمان فانقطع دلوه، فنزل الجب ليخرجه فبينما هو يطلبه إذ هو بشجرة فتناول منها ورقة فإذا هي ليست من شجرة الدنيا فأتي ابن الخطاب رضي الله عنه قال: أشهد أن هذا هو الحق سمعت رسول الله يقول: (يدخل من هذه الأمة قبل موته الجنة) فأخذ عمر الورقة فجعلها بين دفتي المصحف.

الفصل العاشر: في فضل الساهرة وفضل من مات بها وبيت المقدس

عن أبي عبلة في قوله تعالى: )فَإذا هُم بِالسَاهِرَة( قال هو: البقيع الذي إلى جانب طور زيتا. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله : (من مات في بيت المقدس فكأنما مات في السماء). وعن كعب قال: يقول الله تعالى في التوراة لبيت المقدس: من مات فيك فكأنما مات في السماء ومن مات حول بيت المقدس فكأنما مات فيها. وعن كعب الأحبار قال: من دفن في بيت المقدس فقد جاز الصراط. وعنه قال: مقبور بيت المقدس لا يعذب. وعن وهب قال: من دفن في بيت المقدس نجا من فتنة القبر وضيقه. وعن عبد الرحمن بن عدي المازني قال: سألني عبد الرزاق عن منزلي فأخبرته أني من بيت المقدس، قال: هل تعرف زبيون الملة? قلت: نعم، قال: بلغني أنها روضة من الرياض

الفصل الحادي عشر: فيمن رأى بدور تلك المواضع ومن لم يدور

روي عن جعفر بن مسافر أنه قال: رأيت مؤمل بن إسماعيل ببيت المقدس أعطى قوما شيئا، ودور به في تلك الأماكن فقال له ابنه يا أبة قد دخل وكيع بن الجراح فلم يدور قال: كل إنسان يفعل ما أراد.

الفصل الثاني عشر: في جامع فضائل بيت المقدس

عن عبد الله بن عمر قال: أن الحرام في السموات السبع بمقداره في الأرض. وعن معاذ قال: قال الله تعالى: (يا روشلم أنت صفوتي من بلادي وأنا سايق إليك صفوتي من عبادي من كان مولده بك فأختار عليك فنذبت بصيبه ومن كان مولده في غيرك وأختار على مولده فرحمة مني).

وفي الخبر المقدسي أيضا: روشلم أنت مقدس بنورك وفيك محشر عبادي أذقك يوم القيامة كالعروس إلى خدرها ومن دخلك استغنى عن الزيت والقمح.

وعن معاذ قال: يقول الله تعالى لبيت المقدس: )أنت جنتي وقدسي وصفوتي من بلادي من سكنك فترحمه مني، ومن خرج منك فسخط مني عليه( وعن وهب قال: أهل بيت المقدس جيران الله تعالى وحق على الله تعالى أن لا يعذب جيرانه.

وعن ابن عباس قال: باب مفتوح من أبواب الجنة يخرج من خلاله من جنات الجنة فيسقط على مسجدها وجبالها وصخورها، وصخرة بيت المقدس من صخور الجنة.

وعن كعب قال: باب مفتوح من السماء من أبواب الجنة ينزل من الجنات الرحمة على بيت المقدس كل صباح حتى تقوم الساعة والظل الذي ينزل على بيت المقدس شفاء من كل داء من جنان الجنة. وعن مقاتل: كل ليلة ينزل سبعون ألف ملك من السماء إلى الأرض إلى مسجد بيت المقدس يهللون الله ويسبحونه ويقدسونه ويحمدون الله لا يعودون إلى يوم القيامة.

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: أن الجنة تحن شوقا إلى صخرة بيت المقدس، وصخرة بيت المقدس من جنة الفردوس وهي صخرة الأرض السابقة. وعن مقاتل إذ قال لعبد لصاحبه انطلق بنا إلى بيت المقدس يقول الله تعالى: (يلا ملائكتي أشهدوا أني غفرت لهما قبل أن يخرجا هذا إذا كانا لا يعدان على الذنوب).

وعن مقاتل قال: أن الله تعالى تكفل لمن سكن بيت المقدس بالرزق إن فاته المال، ومن مات مقيماً محتسباً في بيت المقدس فكأنما مات في في السماء، ومن مات حولها فكأنما مات فيها، وما نقص من الأرض زيد في بيت المقدس والماء العذبة كلها تخرج من تحت صخرة بيت المقدس والأرض المقدسة التي قال الله تعالى: )التي بارَكَن فِيها لِلعالَمِينِ( هيأرض بيت المقدس فإن فيها ناري ونوري وتنوري: يعني وقار التنور، وكلم الله موسى في أرض بيت المقدس وتجلى للجبل في أرض بيت المقدس ورأى موسى نور رب العزة في أرض بيت المقدس وناب الله تعالى على داود وسليمان في أرض بيت المقدس، ورد الله تعالى على سليمان ملكه في أرض بيت المقدس وبشر الله تعالى إبراهيم وسارة بإسحاق في بيت المقدس وبشر الله تعالى زكريا بيحيى في بيت المقدس وسخر الله تعالى الجبال والطير لداود في بيت المقدس... رب الملائكة على داود في المحراب في بيت المقدس وكانت الأنبياء لا تقرب القرابين إلا في بيت المقدس، وأوتيت مريم عليها السلام فاكهة الشتاء في الصيف في بيت المقدس، وأنبت الله تعالى عز وجل بكريم النخلة وتكلم عيسى عليه السلام في المهد صبيا في بيت المقدس ورفعه الله تعالى إلى السماء من بيت المقدس وينزل من السماء إلى الأرض في بيت المقدس، وأنزلت عليه المائدة في بيت المقدس ويغلب يأجوج ومأجوج على الأرض كلها غير مكة والمدينة وبيت المقدس يهلكهم الله في أرض المقدس، وينظر الله تعالى في أرض بيت المقدس في كل يوم بخير وأعطى الله تعالى البراق للنبي فحمله إلى بيت المقدس، وأوصى آدم عليه السلام حين مات بأرض الهند أن يدفن في بيت المقدس وأوصى إبراهيم إسحاق إذا ماتا أن يدفنا في أرض بيت المقدس، وماتت مريم في أرض بيت المقدس، وهاجر إبراهيم عليه السلام من كوتا إلى بيت المقدس، ورفع التابوت والسكينة من أرض بيت المقدس وصلى المسلمون إلى بيت المقدس زمانا ورأى النبي مالكا خازن النار في بيت المقدس والمحشر والمنشر في بيت المقدس وترف الجنة يوم القيامة إلى بيت المقدس وينصب الصراط إلى الجنة وتوضع الموازين وينفخ إسرافيل في الصور ببيت المقدس على الصخرة ينادي أيتها العظام البالية واللحوم المتفرقة والعروق المتقطعة أخرجوا إلى حسابكم تنفخ فيكم أرواحكم وتجازون على أعمالكم وتتفرق الناس يوم القيامة من بيت المقدس إلى الجنة والنار فذلك قوله تعالى: )يومَئِذٍ يَتَفَرَقُون ويومَئِذٍ يُعرَضُون( وكفل زكريا مريم ببيت المقدس ويقتل عيسى الدجال بأرض بيت المقدس وفهم الله تعالى سليمان منطق الطير في بيت المقدس وسأل سليمان ربه ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده في بيت المقدس والحوت الذي للأرضين على ظهره رأسه في مطلع الشمس وذنبه في المغرب ووسطه تحت بيت المقدس ومن سره أن يمشي في روضة من رياض الجنة فليمشي في صخرة بيت المقدس ويوم القيامة ينادي من مكان قريب من صخرة بيت المقدس وقال: الأرض التي يرثها عبادي الصالحون هي بيت المقدس وقال تعالى: )سُبحان الذِي أسَرَى بِعَبدِهِ مِن المسجِدِ الحَرَام إلى المسجِد الأقصَى الذِي بارَكنا حُولَهُ( هو بيت المقدس وقوله تعالى لبني إسرائيل: )اَدخُلُوا هَذِه القَريَة وكُلُوا مِنها حَيثُ شِئتُم رَغَدا( هي بيت المقدس وقرب نوج القربان على صخرة بيت المقدس، وقوله تعالى: )ادخُلوا الأرضَ المُقدَسَة التِي كَتَبَ اللهُ لَكُم( هي بيت المقدس، وقرب آدم القربان ببيت المقدس وشرد الله تعالى لداود الملك ببيت المقدس، وتقبل الله تعالى من امرأة عمران نذرها ببيت المقدس، ووهب لداود ملكه ببيت المقدس وحرة الأرض ببيت المقدس، وتخرب الأرض كلها إلا ببيت المقدس، ويحشر الله تعالى الأنبياء إلى بيت المقدس، وينفخ في الصور في بيت المقدس، وتصف الملائكة حول بيت المقدس، ويغفر الله تعالى لمن أتى بيت المقدسن وتشجر النار في بيت المقدس وباب السماء مفتوح إلى بيت المقدس، وتطير أرواح المؤمنين إلى أجسادهم في بيت المقدس، وقال : (أن خيار أمتي هاجر هجرة بعد هجرة إلى بيت المقدس ومن توضأ وصلى ركعتين أو أربعة فيه غفر له ما كان قبل ذلك ومن صلى فيه خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه وكان له بكل شعرة مائة نور يوم القيامة عند الله تعالى وكان له حجة مبرورة متقبلة وأعطاه الله تعالى مع الأنبياء ذاكرا أو قلبا شاكراً وعصم عن المعاصي وحشره الله تعالى مع الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين). ومن صبر ببيت المقدس على أذاها وشدتها جاءه الله برزقه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوقه ومن تحته يأكل رغداً ويدخل الجنة. ه الله تعالى مع الأنبياء ذاكرا أو قلبا شاكراً وعصم عن المعاصي وحشره الله تعالى مع الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين). ومن صبر ببيت المقدس على أذاها وشدتها جاءه الله برزقه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوقه ومن تحته يأكل رغداً ويدخل الجنة.

قال الله تعالى لسليمان عليه السلام حين فرغ من بنائه: يا سليمان سلني قال: يا رب أسألك أن تغفر لي ذنوبي، وأسألك ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي، وأسألك ممن جاء هذا البيت لا يريد إلا الصلاة فيه أن تخرجه من ذنوبه كيوم ولدته أمه، وأسألك يا رب لمن جاءه من سقم أن تشفيه، وأسألك أن تكون عينك عليه إلى يوم القيامة، قال الله تعالى: لك ذلك وكذلك، وعصى موسى عليه السلام آخر الزمان في بيت المقدس، وبشر الله تعالى مريم بعيسى في بيت المقدس، ويمنع الله تعالى الدجال الدخول إلى بيت المقدس ويغلب على الأرض كلها إلا مكة والمدينة وبيت المقدس، ومن صام يوما ببيت المقدس، كان له براءة من النار وصفر له الله تعالى من بلاده ببيت المقدس، وفيها صوته من عباده ومنها بسطت الأرض ومنها تطوى ويطلع الله تعالى كل صباح إلى بيت المقدس فيدر عليهم من رحمته والظل الذي ينزل على بيت المقدس شفاء من كل داء لأنه من جنان الجنة، وما يسكن أحد في بيت المقدس حتى يشفع فيه سبعون ملك، ويقول الله تعالى للمقبور في بيت المقدس تجاورني في داري الأوان الجنة داري لا يجاروني إلا مغفور له.

الفصل الثالث عشر: في زيارة قبر إبراهيم الخليل عليه السلام

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : (لما أسري بي إلى بيت المقدس مر بي جبريل عليه السلام إلى قبر الخليل عليه أفضل الصلاة والسلام فقال: أنزل صلى ها هنا ركعتين فإن هاهنا قبر أبيك إبراهيم عليه السلام. وفي حديث آخر عن رسول الله أنه قال: (إن إبراهيم ولد بالعراق في موضع يقال له كوتا فهجره قومه وأخرجوه منها ثم سار إلى فلسطين والأردن فهم أن يدعو عليهم فأوحى الله تعالى إليه لا تدعو على العراق فأنى جعلت شيئا من رحمتي فيهم واسكنت الرحمة في قلوبهم). وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أول من مات ودفن في حبري سارة فدفنها إبراهيم. وفي الحديث أن إبراهيم عليه السلام طلب من ملك ذلك الموضع أن يبيعه موضعا يدفن فيه من مات من أهله فقال له: قد ابحتك ادفن حين شئت فأبى إلا بالثمن وكان قد طلب منه المغارة، فقال: يعطي لك بأربعمائة درهم في كل درهم خمسة دراهم كل مائة ضرب ملك وأراد أن يشدد عليه لكيلا يجد فيرجع إلى قوله فخرج من عنده فجاءه جبريل عليه السلام بذلك الذي طلبه الملك فدفعه له وحمل بسارة إلى المغارة فدفنت فيها ثم توفي إبراهيم عليه السلام فدفن بجوار زوجته ثم توفي إسحاق فدفن فيها بجوار زوجته ثم توفي يعقوب فدفن فيها عند باب المغارة، ثم توفيت ربعة فدفنت بحذاء يعقوب فاجتمع أولاده وأخوته وقالوا: ندع باب المغارة وسدوا باب المغارة ووضع عليها حائط وعملوا فيه علامات القبور، وكتبوا عليه هذا قبر أبراهيم، هذا قبر سارة، هذا قبر إسحاق، هذا قبر ربعة، هذا قبر يعقوب، هذا قبر زوجته لبقاء وخرجوا عنه وطبقوا بابها فكان كل من جاز به يطوف، ولا يصل إليه حتى جاءت الروم بعد ذلك ففتحوا له بابا ودخلوا إليه وبنوا فيه كنيسة.

وفي بعض الكتب أن إبراهيم عليه السلام لما نجاه الله تعالى عز وجل من النار خرج من أرض بابل إلى الأرض المقدسة، ورهط من قومه حتى ورد وأخران فاقموا بها زمانا ثم خرجوا إلى الأردن ودفعوا إلى مدينة بعلبك، وكان بها ملك كافر وقيل هو الذي عرض له في سارة رضي الله تعالى عنها في قوله ومنعها الله تعالى سنة بقدرته قال: وخرج ذلك الملك من تلك المدينة وأورثها الله تعالى إبراهيم عليه السلام فأنزل بها وأنمى الله تعالى له ماله فقاسم لوطا فأعطاه نصفها ومات إبراهيم عليه السلام فدفن في حبري قرية الجبار وفيها دفنت سارة وهي مزرعة كان اشتراها إبراهيم.

وعن عبد الله بن مسلم قال: عاش إسحاق عليه السلام مائة وثمانون سنة، ولما مات قبر في المزرعة التي اشتراها إبراهيم عليه السلام. وعن عباس رضي الله عنه قال: لما أراد الله تعالى أن يقبض زوج إبراهيم عليه السلام أومى الله إلى الدنيا أنى دافن فيك خليلي فاضطربت الدنيا اضطرابا شديدا وتشامخت جبالها وتواضعت منها قرية يقال لها حبري فقال الله تعالى عز وجل: يا حبري أنت قدسي أنت خزانة علمي وعليكى رحمتي وبركاتي، وإليك أحشر خيار عبادي فطوبى لمن وضع جبهته فيك لي ساجداً اسقيه من حضرة قدسي وآمنه من الفزع الأكبر يوم القيامة وأسكنه الجنة برحمتي معلو بالك ثم طوبى لك ادفن فيكى خليلي.

وعن كعب أن سليمان بن داود عليهما السلام لما فرغ من بناء بيت المقدس أوحى الله تعالى إليه أن ابني على قبر خليلي ليعرف به مخرج سليمان فبني في موضع يسمى الرامة فأوحى الله تعالى إليه ليس هو هذا ولكن انظر إلى النور المتدلي من السماء إلى الأرض فينظر فإذا النور على بقعة يقال لها حبري فعلم أن ذلك المقصود فبنى عليه. وعن وهب بن منبة قال: إذا كان آخر الزمان جبل بين الناس بين الحج فمن لم يصل إلى الحج فعليه بقبر إبراهيم عليه الصلاة والسلام وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام فإن زيارته تعدل حجة.

وعنه أيضا أنه قال: من زار قبر أبراهيم عليه السلام لا يعنيه إلا ذلك يحشر يوم القيامة أمن من الفزع الأكبر،ووقار فتأتي القبر وكان حقا على الله تعالى أن يجمع بينه وبين إبراهيم عليه السلام. وعن كعب: من زار بيت المقدس وأبراهيم عليه السلام وصلى فيه خمس ركعات ثم سأل الله تعالى شيئا إلا أعطاه. وأيضا: من زار إبراهيم وإسحاق ويعقوب وسارة وربعة ولبقة أعطى بتلك الزيارة الكرامة الدائمة والرزق الدائم الواسع في دنياه ويبلغه الله عز وجل منازل الأبرار ولا يرجع إلى منزله إلا وقد غفرت له ذنوبه ولا يخرج من الدنيا حتى يرى الخليل ويبشره أن الله قد غفر له.

روي عن عبد الله بن سلام قال: أن الزيارة إلى قبر الخليل عليه السلام عنده حج الفقر أو درجات الأنبياء فيستجب لمن أراد الزيارة أن يخلص النية، ويسأل الله تعالى التوفيق والمعونة، ويصلى ركعتين ولا سوء أدبه في زيارته، فإن الأنبياء أحياء في قبورهم ثم يقصد المكان بوقار وسكينة وذكر واستغفار، ثم يدخل المسجد ويبدأ بإدخال رجله اليمني ويقول بسم الله الرحمن الرحيم أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم، اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك، وفي كل مسجد يقول هذا ويصلي ركعتين تحية المسجد، ثم يدخل إلى قبر الخليل يستقبله من أي نواحيه شاء، ثم يسلم على النبي هذا وهو واقف، وذكر أن يضع يده على القبر وأن يعاتقه ويقف ويسلم كما يسلم على الحي بوقار وسكينة كان يشاهده ويستحب أن يكثر الدعاء عنده ويتوسل فما توسل به أحداً إلا إجابة الله تعالى، فإذا فرغ من ذلك يمضي إلى قبر سيدنا يعقوب ويفعل كما فعل، فإذا فرغ من ذلك يمضي إلى قبر ستني سارة وإلى ربعة، وكذلك عذر ليفة يبدأ بزيارة الرجال قبل النساء ثم يمضي إلى قبر سيدنا يوسف الصديق سلام الله عليه، وهو خارج المغارة في بطن الوادي ويفعل كما فعل.

روي عن أبي بكر بن أحمد بن عمر بن جابر قال وقد سأل عن قبر الخليل عليه السلام فقال: ما رأيت أحداً من الشيوخ الذي لحقتهم إلا ويصححوا قبره وقبر أولاده وازواجهم صلوات الله عليهم أجمعين ودعا النبي مع حبري بأمرها لتميم الداري قبل أن يفتحه الله عز وجل على المسلمين الشام، وجاء إلى أبي بكر رضي الله عنه فأجاز له ذلك، وجاء إلى عمر فأجاز له بعد الفتوح، ثم روى أبي هند الداري قال: قدمنا على رسول الله سريتين تميم بن أوس وأخيه نعيم ويزيد بن أبي قيس وأبي عبد الله بن عبد الله وأخيه الطيب فسماه النبي عبد الرحمن وفاكهة ابن النعمان فأسلمنا، وسألنا رسول الله أن يقطعنا أرضا من أرض الشام فقال: سلوا ما شئتم. قال أبو هند فقلنا: إلى موضع يتشاور فيه تميم: أرى أن تسلوا ببيت المقدس. قال تميم: نعم. قال أبو هند: فكذلك يكون ملك العرب فقال: أخاف أن لا يتم لنا هذا. فقال: نسأله حبري وكورتها فقال أبو هند: هل أكبر وأكثر. فقال تميم: أين ترى، قال: نسأله العربي التي يضع حضرنا فيها مع ما فيها من آثار أبو الأنبياء إبراهيم الخليل عليه السلام فقال رسول الله :(تحب أن تخبرني بما أنتم فيه وأخبركم) قال: تخبرني أنت يا رسول الله فيزداد إيمانا فقال رسول الله : (أردت يا تميم أمراً وأراد أبو هند غيره ونعم الرأي رأي أبو هند) قال: فدعا رسول الله بقطعة من جلد من أديم فكتب لنا كتابا نسخته بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما ذهب محمد رسول الله إذا أعطاه الله الأرض لهم بيت عيون وحبرون والمرطون وبيت إبراهيم فيهم أبدا، شهد بذلك عباس بن عبد المطلب وجهنم ابن قيس. وشرحبيل حسنه قال: لما هاجر رسول الله إلى المدينة قدمناه عليه فسألناه أن يجدد لنا كتابا آخر فكتب لنا كتاب نسخته: بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما انظر محمد رسول الله تميم الداري وأصحابه أني أنطيتكم بيت عيون وحبرون وبيت إبراهيم بذمتهم جميع ما فيهم نطية بت وتغارت: وسلمت ذلك لهم ولا عقابهم من بعدهم شهد بذلك أبو بكر بن أبي قحافة وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهم أجمعين.

فلما قبض رسول الله جاء أبو بكر بعده وجند الجنود إلى الشام، كتب كتاب نسخته من أبي بكر الصديق إلي عبيدة بن الجراح: سلام الله عليك فأني أحمد الله الذي لا إله هو وصلى الله على سيدنا محمد، أما بعد فامنع من كان يؤمن بالله واليوم الآخر من الكلام في قرى الداريين، وإن كان أهلها قد جلوا عنها وأرادوا الربوان أن يزرعوها فليزرعوا، فإذا رجع إليها أهلها فهي لهم وأحق والسلام عليك. آخر الكتاب والحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد صلى وعلى آله وأصحابه، وكان الفراغ منه يوم الأربعاء عاشر المحرم الحرام المبارك من شهور سنة خمسة وثمانين وثمانمائة من الهجرة النبوية على مشرفها أفضل الصلاة وأتم السلام بالقاهرة المحروسة حرسها الله تعالى آمين.