انتقل إلى المحتوى

تأويل مختلف الحديث/مقدمة

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
​تأويل مختلف الحديث​ المؤلف ابن قتيبة


بسم الله الرحمن الرحيم

قال الإمام أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة رحمه الله تعالى

الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين وصلى الله على محمد خاتم النبيين وآله الطيبين الطاهرين أما بعد أسعدك الله تعالى بطاعته وحاطك بكلاءته ووفقك للحق برحمته وجعلك من أهله فإنك كتبت إلي تعلمني ما وقفت عليه من ثلب أهل الكلام أهل الحديث وامتهانهم وإسهابهم في الكتب بذمهم ورميهم بحمل الكذب ورواية المتناقض حتى وقع الاختلاف وكثرت النحل وتقطعت العصم وتعادى المسلمون وأكفر بعضهم بعضا وتعلق كل فريق منهم لمذهبه بجنس من الحديث فالخوارج تحتج بروايتهم ضعوا سيوفكم على عواتقكم ثم أبيدوا خضراءهم ولا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم خلاف من خالفهم ومن قتل دون ماله فهو شهيد والقاعد يحتج بروايتهم عليكم بالجماعة فإن يد الله عز وجل عليها ومن فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه واسمعوا وأطيعوا وإن تأمر عليكم عبد حبشي مجدع الأطراف وصلوا خلف كل بر وفاجر ولا بد من إمام بر أو فاجر وكن حلس بيتك فإن دخل عليك فادخل مخدعك فإن دخل عليك فقل بؤ بإثمي وإثمك وكن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل والمرجئ يحتج بروايتهم من قال لا إله إلا الله فهو في الجنة قيل وإن زنى وإن سرق قال وإن زنى وإن سرق ومن قال لا إله إلا الله مخلصا دخل الجنة ولم تمسه النار و أعددت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي والمخالف له يحتج بروايتهم لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن و لم يؤمن من لم يأمن جاره بوائقه ولم يؤمن من لم يأمن المسلمون من لسانه ويده ويخرج من النار رجل قد ذهب حبره وسبره ويخرج من النار قوم قد امتحشوا فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل أو كما تنبت التغاريز والقدري يحتج بروايتهم كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه يهودانه أو ينصرانه وبأن الله تعالى قال خلقت عبادي جميعا حنفاء فاجتالتهم الشياطين عن دينهم والمفوض يحتج بروايتهم اعملوا فكل ميسر لما خلق له أما من كان من أهل السعادة فهو يعمل للسعادة ومن كان من أهل الشقاء فيعمل للشقاء وإن الله تعالى مسح ظهر آدم فقبض قبضتين فأما القبضة اليمنى فقال إلى الجنة برحمتي والقبضة اليسرى فقال إلى النار ولا أبالي والسعيد من سعد في بطن أمه والشقي من شقي في بطن أمه هذا وما أشبهه والرافضة تتعلق في إكفارها صحابة رسول الله بروايتهم ليردن علي الحوض أقوام ثم ليختلجن دوني فأقول أي ربي أصيحابي أصيحابي فيقول إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم ولا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض ويحتجون في تقديم علي رضي الله تعالى عنه بروايتهم أنت مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي ومن كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وأنت وصي ومخالفوهم يحتجون في تقديم الشيخين رضي الله عنهما بروايتهم اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر ويأبى الله ورسوله والمسلمون إلا أبا بكر وخير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ويتعلق مفضلو الغنى بروايتهم اللهم إني أسألك غناي وغنى مولاي اللهم إني أعوذ بك من فقر مرب أو ملب ويتعلق مفضلو الفقر بروايتهم اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين والفقر بالرجل المؤمن أحسن من العذار الحسن على خد الفرس ويتعلق القائلون بالبداء بروايتهم صلة الرحم تزيد في العمر والصدقة تدفع القضاء المبرم وبقول عمر اللهم إن كنت كتبتني في أهل الشقاء فامحني واكتبني في أهل السعادة هذا مع روايات كثيرة في الأحكام اختلف لها الفقهاء في الفتيا حتى افترق الحجازيون والعراقيون في أكثر أبواب الفقه وكل يبني على أصل من روايتهم قالوا ومع افترائهم على الله تعالى في أحاديث التشبيه كحديث عرق الخيل وزغب الصدر ونور الذراعين وعيادة الملائكة وقفص الذهب على جمل أورق عشية عرفة والشاب القطط ودونه فراش الذهب وكشف الساق يوم القيامة إذا كادوا يباطشونه وخلق آدم على صورته ووضع يده بين كتفي حتى وجدت برد أنامله بين ثندوتي وقلب المؤمن بين أصبعين من أصابع الله تعالى ومع روايتهم كل سخافة تبعث على الإسلام الطاعنين وتضحك منه الملحدين وتزهد من الدخول فيه المرتدين وتزيد في شكوك المرتابين كروايتهم في عجيزة الحوراء إنها ميل في ميل وفيمن قرأ سورة كذا وكذا ومن فعل كذا كذا أسكن من الجنة سبعين ألف قصر في كل قصر سبعون ألف مقصورة في كل مقصورة سبعون ألف مهاد على كل مهاد سبعون ألف كذا وكروايتهم في الفأرة إنها يهودية وإنها لا تشرب ألبان الإبل كما أن اليهود لا تشربها وفي الغراب إنه فاسق وفي السنور إنها عطسة الأسد والخنزير إنه عطسة الفيل وفي الإربيانة أنها كانت خياطة تسرق الخيوط فمسخت وأن الضب كان يهوديا عاقا فمسخ وأن سهيلا كان عشارا باليمن وأن الزهرة كانت بغيا عرجت إلى السماء باسم الله الأكبر فمسخها الله شهابا وأن الوزغة كانت تنفخ النار على إبراهيم وأن العظاية تمج الماء عليه وأن الغول كانت تأتي مشربة أبي أيوب كل ليلة وأن عمر رضي الله عنه صارع الجني فصرعه وأن الأرض على ظهر حوت وأن أهل الجنة يأكلون من كبده أول ما يدخلون وأن ذئبا دخل الجنة لأنه أكل عشارا وإذا وقع الذباب في الإناء فامقلوه فإن في أحد جناحيه سما وفي الآخر شفاء وأنه يقدم السم ويؤخر الشفاء وأن الإبل خلقت من الشيطان مع أشياء كثيرة يطول استقصاؤها قالوا ومن عجيب شأنهم أنهم ينسبون الشيخ إلى الكذب ولا يكتبون عنه ما يوافقه عليه المحدثون بقدح يحيى بن معين وعلي بن المديني وأشباههما ويحتجون بحديث أبي هريرة فيما لا يوافقه عليه أحد من الصحابة وقد أكذبه عمر وعثمان وعائشة ويحتجون بقول فاطمة بنت قيس وقد أكذبها عمر وعائشة وقالوا لا ندع كتاب ربنا وسنة نبينا لقول امرأة ويبهرجون الرجل بالقدر فلا يحملون عنه ك غيلان وعمرو بن عبيد ومعبد الجهني وعمرو بن فائد ويحملون عن أمثالهم من أهل مقالتهم ك قتادة وابن أبي عروبة وابن أبي نجيح ومحمد بن المنكدر وابن أبي ذئب ويقدحون في الشيخ يسوي بين علي وعثمان أو يقدم عليا عليه ويروون عن أبي الطفيل عامر بن واثلة صاحب راية المختار وعن جابر الجعفي وكلاهما يقول بالرجعة قالوا وهم مع هذا أجهل الناس بما يحملون وأبخس الناس حظا فيما يطلبون وقالوا في ذلك

زوامل للأشعار لا علم عندهم ** بجيدها إلا كعلم الأباعر

لعمرك ما يدري البعير إذا غدا ** بأحماله أوراح ما في الغرائر

قد قنعوا من العلم برسمه ومن الحديث باسمه ورضوا بأن يقولوا فلان عارف بالطرق وراوية للحديث وزهدوا في أن يقال عالم بما كتب أو عامل بما علم قالوا وما ظنكم برجل منهم يحمل عنه العلم وتضرب إليه أعناق المطي خمسين سنة أو نحوها سئل في ملأ من الناس عن فأرة وقعت في بئر فقال البئر جبار وآخر سئل عن قوله تعالى ريح فيها صر فقال هو هذا الصرصر يعني صراصر الليل وآخر حدثهم عن سبعة وسبعين ويريد شعبة وسفين وآخر روى لهم يستر المصلي مثل آجرة الرجل يريد مثل آخرة الرحل وسئل آخر متى يرتفع هذا الأجل فقال إلى قمرين يريد إلى شهري هلال وقال آخر يدخل يده في فيه فيقضمها قضم الفجل يريد قضم الفحل وقال آخر أجد في كتابي الرسول ولا أجد الله يعني رسول الله فقال المستملي اكتبوا وشك في الله تعالى مع أشياء يكثر تعدادها قالوا وكلما كان المحدث أموق كان عندهم أنفق وإذا كان كثير اللحن والتصحيف كانوا به أوثق وإذا ساء خلقه وكثر غضبه واشتد حدة وعسرة في الحديث تهافتوا عليه ولذلك كان الأعمش يقلب الفرو ويلبسه ويطرح على عاتقه منديل الخوان وسأله رجل عن إسناد حديث فأخذ بحلقه وأسنده إلى الحائط وقال هذا إسناده وقال إذا رأيت الشيخ لم يطلب الفقه أحببت أن أصفعه مع حماقات كثيرة تؤثر عنه لا نحسبه كان يظهرها إلا لينفق بها عندهم

قال أبو محمد هذا ما حكيت من طعنهم على أصحاب الحديث وشكوت تطاول الأمر بهم على ذلك من غير أن ينضح عنهم ناضح ويحتج لهذه الأحاديث محتج أو يتأولها متأول حتى أنسوا بالعيب ورضوا بالقذف وصاروا بالإمساك عن الجواب كالمسلمين وبتلك الأمور معترفين وتذكر أنك وجدت في كتابي المؤلف في غريب الحديث بابا ذكرت فيه شيئا من المتناقض عندهم وتأولته فأملت بذلك أن تجد عندي في جميعه مثل الذي وجدته في تلك من الحجج وسألت أن أتكلف ذلك محتسبا للثواب فتكلفته بمبلغ علمي ومقدار طاقتي وأعدت ما ذكرت في كتبي من هذه الأحاديث ليكون الكتاب تاما جامعا للفن الذي قصدوا الطعن به وقدمت قبل ذكر الأحاديث وكشف معانيها وصف أصحاب الكلام وأصحاب الحديث بما أعرف به كل فريق وأرجو أن لا يطلع ذو النهى مني على تعمد لتمويه ولا إيثار لهوى ولا ظلم لخصم وعلى الله أتوكل فيم أحاول وبه أستعين

باب ذكر أصحاب الكلام وأصحاب الرأي

[عدل]

قال أبو محمد وقد تدبرت رحمك الله مقالة أهل الكلام فوجدتهم يقولون على الله مالا يعلمون ويفتنون الناس بما يأتون ويبصرون القذى في عيون الناس وعيونهم تطرف على الأجذاع ويتهمون غيرهم في النقل ولا يتهمون آراءهم في التأويل ومعاني الكتاب والحديث وما أودعاه من لطائف الحكمة وغرائب اللغة لا يدرك بالطفرة والتولد والعرض والجوهر والكيفية والكمية والأينية ولو ردوا المشكل منهما إلى أهل العلم بهما وضح لهم المنهج واتسع لهم المخرج ولكن يمنع من ذلك طلب الرياسة وحب الأتباع واعتقاد الإخوان بالمقالات والناس أسراب طير يتبع بعضها بعضا ولو ظهر لهم من يدعي النبوة مع معرفتهم بأن رسول الله خاتم الأنبياء أو من يدعي الربوبية لوجد على ذلك أتباعا وأشياعا وقد كان يجب مع ما يدعونه من معرفة القياس وإعداد آلات النظر أن لا يختلفوا كما لا يختلف الحساب والمساح والمهندسون لأن آلتهم لا تدل إلا على عدد واحد وإلا على شكل واحد وكما لا يختلف حذاق الأطباء في الماء وفي نبض العروق لأن الأوائل قد وقفوهم من ذلك على أمر واحد فما بالهم أكثر الناس اختلافا لا يجتمع اثنان من رؤسائهم على أمر واحد في الدين ف أبو الهذيل العلاف يخالف النظام والنجار يخالفهما وهشام بن الحكم يخالفهم وكذلك ثمامة ومويس وهاشم الأوقص وعبيد الله بن الحسن وبكر العمى وحفص وقبة وفلان وفلان ليس منهم واحد إلا وله مذهب في الدين يدان برأيه وله عليه تبع

قال أبو محمد ولو كان اختلافهم في الفروع والسنن لاتسع لهم العذر عندنا وإن كان لا عذر لهم مع ما يدعونه لأنفسهم كما اتسع لأهل الفقه ووقعت لهم الأسوة بهم ولكن اختلافهم في التوحيد وفي صفات الله تعالى وفي قدرته وفي نعيم أهل الجنة وعذاب أهل النار وعذاب البرزخ وفي اللوح وفي غير ذلك من الأمور التي لا يعلمها نبي إلا بوحي من الله تعالى ولن يعدم هذا من رد مثل هذه الأصول إلى استحسانه ونظره وما أوجبه القياس عنده لاختلاف الناس في عقولهم وإراداتهم واختياراتهم فإنك لا تكاد ترى رجلين متفقين حتى يكون كل واحد منهما يختار ما يختاره الآخر ويرذل ما يرذله الآخر إلا من جهة التقليد والذي خالف بين مناظرهم وهيئاتهم وألوانهم ولغاتهم وأصواتهم وخطوطهم وآثارهم حتى فرق القائف بين الأثر والأثر وبين الأنثى والذكر هو الذي خالف بين آرائهم والذي خالف بين الآراء هو الذي أراد الاختلاف لهم ولن تكمل الحكمة والقدرة إلا بخلق الشيء وضده ليعرف كل واحد منهما بصاحبه فالنور يعرف بالظلمة والعلم يعرف بالجهل والخير يعرف بالشر والنفع يعرف بالضر والحلو يعرف بالمر لقول الله تبارك وتعالى سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون والأزواج الأضداد والأصناف كالذكر والأنثى واليابس والرطب وقال تعالى وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى ولو أردنا رحمك الله أن ننتقل عن أصحاب الحديث ونرغب عنهم إلى أصحاب الكلام ونرغب فيهم لخرجنا من اجتماع إلى تشتت وعن نظام إلى تفرق وعن أنس إلى وحشة وعن اتفاق إلى اختلاف لأن أصحاب الحديث كلهم مجمعون على أن ما شاء الله كان وما لم يشأ لا يكون وعلى أنه خالق الخير والشر وعلى أن القرآن كلام الله غير مخلوق وعلى أن الله تعالى يرى يوم القيامة وعلى تقديم الشيخين وعلى الإيمان بعذاب القبر لا يختلفون في هذه الأصول ومن فارقهم في شيء منها نابذوه وباغضوه وبدعوه وهجروه وإنما اختلفوا في اللفظ بالقرآن لغموض وقع في ذلك وكلهم مجمعون على أن القرآن بكل حال مقروءا ومكتوبا ومسموعا ومحفوظا غير مخلوق فهذا الإجماع وأما الاتساء فبالعلماء المبرزين والفقهاء المتقدمين والعباد المجتهدين الذين لا يجارون ولا يبلغ شأوهم مثل سفيان الثوري ومالك بن أنس والأوزاعي وشعبة والليث بن سعد وعلماء الأمصار وكإبراهيم بن أدهم ومسلم الخواص والفضيل بن عياض وداود الطائي ومحمد بن النضر الحارثي وأحمد بن حنبل وبشر الحافي وأمثال هؤلاء ممن قرب من زماننا فأما المتقدمون فأكثر من أن يبلغهم الإحصاء ويحوزهم العدد ثم بسواد الناس ودهمائهم وعوامهم في كل مصر وفي كل عصر فإن من أمارات الحق إطباق قلوبهم على الرضاء به ولو أن رجلا قام في مجامعهم وأسواقهم بمذاهب أصحاب الحديث التي ذكرنا إجماعهم عليها ما كان في جميعهم لذلك منكر ولا عنه نافر ولو قام بشيء مما يعتقده أصحاب الكلام مما يخالفه ما ارتد إليه طرفه إلا مع خروج نفسه فإذا نحن أتينا أصحاب الكلام لما يزعمون أنهم عليه من معرفة القياس وحسن النظر وكمال الإرادة وأردنا أن نتعلق بشيء من مذاهبهم ونعتقد شيئا من نحلهم وجدنا النظام شاطرا من الشطار يغدو على سكر ويروح على سكر ويبيت على جرائرها ويدخل في الأدناس ويرتكب الفواحش والشائنات وهو القائل

ما زلت آخذ روح الزق في لطف ** وأستبيح دما من غير مجروح

حتى انثنيت ولي روحان في جسدي ** والزق مطرح جسم بلا روح

ثم نجد أصحابه يعدون من خطئه قوله إن الله عز وجل يحدث الدنيا وما فيها في كل وقت من غير إفنائها قالوا فالله في قوله يحدث الموجود ولو جاز إيجاد الموجود لجاز إعدام المعدوم وهذا فاحش في ضعف الرأي وسوء الاختيار وحكوا عنه أنه قال قد يجوز أن يجمع المسلمون جميعا على الخطأ قال ومن ذلك إجماعهم على أن النبي بعث إلى الناس كافة دون جميع الأنبياء وليس كذلك وكل نبي في الأرض بعثه الله تعالى فإلى جميع الخلق بعثه لأن آيات الأنبياء لشهرتها تبلغ آفاق الأرض وعلى كل من بلغه ذلك أن يصدقه ويتبعه فخالف الرواية عن النبي أنه قال بعثت إلى الناس كافة وبعثت إلى الأحمر والأسود وكان النبي يبعث إلى قومه وأوّل الحديث وفي مخالفة الرواية وحشة فكيف بمخالفة الرواية والإجماع لما استحسن وكان يقول في الكنايات عن الطلاق كالخلية والبرية وحبلك على غاربك والبتة وأشباه ذلك أنه لا يقع بها طلاق نوى الطلاق أو لم ينوه فخالف إجماع المسلمين وخالف الرواية لما استحسن وكذلك كان يقول إذا ظاهر بالبطن أو الفرج لم يكون مظاهرا وإذا آلى بغير الله تعالى لم يكن موليا لأن الإيلاء مشتق من اسم الله تعالى وكان يقول إذا نام الرجل أول الليل على طهارة مضطجعا أو قاعدا أو متوركا أو كيف نام إلى الصبح لم ينتقض وضوؤه لأن النوم لا ينقض الوضوء قال وإنما أجمع الناس على الوضوء من نوم الضجعة لأنهم كانوا يرون أوائلهم إذا قاموا بالغداة من نوم الليل تطهروا لأن عادات الناس الغائط والبول مع الصبح ولأن الرجل يستيقظ وبعينه رمص وبفيه خلوف وهو متهيج الوجه فيتطهر للحدث والنشرة لا للنوم وكما أوجب كثير من الناس الغسل يوم الجمعة لأن الناس كانوا يعملون بالغداة في حيطانهم فإذا أرادوا الرواح اغتسلوا فخالف بهذا القول الرواية والإجماع وقد قال رسول الله إن أمتي لا تجتمع على خطأ وذكر قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه لو كان هذا الدين بالقياس لكان باطن الخف أولى بالمسح من ظاهره فقال كان الواجب على عمر العمل بمثل ما قال في الأحكام كلها وليس ذلك بأعجب من قوله أجرؤكم على الجد أجرؤكم على النار ثم قضى في الجد بمائة قضية مختلفة وذكر قول أبي بكر رضي الله تعالى عنه حين سئل عن آية من كتاب الله تعالى فقال أي سماء تظلني وأي أرض تقلني أم أين أذهب أم كيف أصنع إذا أنا قلت في آية من كتاب الله تعالى بغير ما أراد الله ثم سئل عن الكلالة فقال أقول فيها برأيي فإن كان صوابا فمن الله وإن كان خطأ فمني هي ما دون الولد والوالد قال وهذا خلاف القول الأول ومن استعظم القول بالرأي ذلك الاستعظام لم يقدم على القول بالرأي هذا الإقدام حتى ينفذ عليه الأحكام وذكر قول علي كرم الله وجهه حين سئل عن بقرة قتلت حمارا فقال أقول فيها برأيي فإن وافق رأيي قضاء رسول الله فذاك وإلا فقضائي رذل فسل قال وقال من أحب أن يتقحم جراثيم جهنم فليقل في الجد ثم قضى فيه بقضايا مختلفة وذكر قول بن مسعود في حديث بروع بنت واشق أقول فيها برأيي فإن كان خطأ فمني وإن كان صوابا فمن الله تعالى قال وهذا هو الحكم بالظن والقضاء بالشبهة وإذا كانت الشهادة بالظن حراما فالقضاء بالظن أعظم قال ولو كان بن مسعود بدل نظره في الفتيا نظر في الشقي كيف يشقى والسعيد كيف يسعد حتى لا يفحش قوله على الله تعالى ولا يشتد غلطه لقد كان أولى به قال وزعم أن القمر انشق وأنه رآه وهذا من الكذب الذي لا خفاء به لأن الله تعالى لا يشق القمر له وحده ولا لآخر معه وإنما يشقه ليكون آية للعالمين وحجة للمرسلين ومزجرة للعباد وبرهانا في جميع البلاد فكيف لم تعرف بذلك العامة ولم يؤرخ الناس بذلك العام ولم يذكره شاعر ولم يسلم عنده كافر ولم يحتج به مسلم على ملحد قال ثم جحد من كتاب الله تعالى سورتين فهبه لم يشهد قراءة النبي بهما فهلا استدل بعجيب تأليفهما وأنهما على نظم سائر القرآن المعجز للبلغاء أن ينظموا نظمه وأن يحسنوا مثل تأليفه قال وما زال يطبق في الركوع إلى أن مات كأنه لم يصل مع النبي أو كان غائبا وشتم زيد بن ثابت بأقبح الشتم لما اختار المسلمون قراءته لأنها آخر العرض وعاب عثمان رضي الله عنه حين بلغه أنه صلى بمنى أربعا ثم تقدم فكان أول من صلى أربعا فقيل له في ذلك فقال الخلاف شر والفرقة شر وقد عمل بالفرقة في أمور كثيرة ولم يزل يقول في عثمان القول القبيح منذ اختار قراءة زيد ورأى قوما من الزط فقال هؤلاء أشبه من رأيت بالجن ليلة الجن ذكر ذلك سليمان التيمي عن أبي عثمان النهدي وذكر داود عن الشعبي عن علقمة قال قلت لابن مسعود كنت مع النبي صلى الله عليه وآله سلم ليلة الجن فقال ما شهدها منا أحد وذكر حذيفة بن اليمان فقال جعل يحلف لعثمان على أشياء بالله تعالى ما قالها وقد سمعوه قالها فقيل له في ذلك فقال إني أشتري ديني بعضه ببعض مخافة أن يذهب كله رواه مسعر بن كدام عن عبد الملك بن ميسرة عن النزال بن سبرة وذكر أبا هريرة فقال أكذبه عمر وعثمان وعلي وعائشة رضوان الله عليهم وروى حديثا في المشي في الخف الواحد فبلغ عائشة فمشت في خف واحد وقالت لأخالفن أبا هريرة وروى أن الكلب والمرأة والحمار تقطع الصلاة فقالت عائشة رضي الله عنها ربما رأيت رسول الله يصلي وسط السرير وأنا على السرير معترضة بينه وبين القبلة قال وبلغ عليا أن أبا هريرة يبتدئ بميامنه في الوضوء وفي اللباس فدعا بماء فتوضأ فبدأ بمياسره وقال لأخالفن أبا هريرة وكان من قوله حدثني خليلي وقال خليلي ورأيت خليلي فقال له علي متى كان النبي خليلك يا أبا هريرة قال وقد روى من أصبح جنبا فلا صيام له فأرسل مروان في ذلك إلى عائشة وحفصة يسألهما فقالتا كان النبي يصبح جنبا من غير احتلام ثم يصوم فقال للرسول اذهب إلى أبي هريرة حتى تعلمه فقال أبو هريرة إنما حدثني بذلك الفضل بن العباس فاستشهد ميتا وأوهم الناس أنه سمع الحديث من رسول الله ولم يسمعه

قال أبو محمد هذا قوله في جلة أصحاب رسول الله ورضي عنهم كأنه لم يسمع بقول الله عز وجل في كتابه الكريم { محمد رسول الله والذين معه } إلى آخر السورة ولم يسمع بقوله تعالى { لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم } ولو كان ما ذكرهم به حقا لا مخرج منه ولا عذر فيه ولا تأويل له إلا ما ذهب إليه لكان حقيقا بترك ذكره والإعراض عنه إذ كان قليلا يسيرا مغمورا في جنب محاسنهم وكثير مناقبهم وصحبتهم لرسول الله وبذلهم مهجهم وأموالهم في ذات الله تعالى

قال أبو محمد ولا شيء أعجب عندي من ادعائه على عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قضى في الجد بمائة قضية مختلفة وهو من أهل النظر وأهل القياس فهلا اعتبر هذا ونظر فيه ليعلم أنه يستحيل أن يقضي عمر في أمر واحد بمائة قضية مختلفة فأين هذه القضايا وأين عشرها ونصف عشرها أما كان في حملة الحديث من يحفظ منها خمسا أو ستا ولو اجتهد مجتهد أن يأتي من القضاء في الجد بجميع ما يمكن فيه من قول ومن حيلة ما كان يتيسر له أن يأتي فيه بعشرين قضية وكيف لم يجعل هذا الحديث إذ كان مستحيلا مما ينكر من الحديث ويدفع مما قد أتى به الثقات وما ذاك إلا لضغن يحتمله على عمر رضي الله عنه وعداوة

قال أبو محمد وأما طعنه على أبي بكر رضي الله عنه بأنه سئل عن آية من كتاب الله تعالى فاستعظم أن يقول فيها شيئا ثم قال في الكلالة برأيه فإن أبا بكر رضي الله عنه سئل عن شيء من متشابه القرآن العظيم الذي لا يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم فأحجم عن القول فيه مخافة أن يفسره بغير مراد الله تعالى وأفتى في الكلالة برأيه لأنه أمر ناب المسلمين واحتاجوا إليه في مواريثهم وقد أبيح له اجتهاد الرأي فيما لم يؤثر عن رسول الله فيه شيء ولم يأت له في الكتاب شيء كاشف وهو إمام المسلمين ومفزعهم فيما ينوبهم فلم يجد بدا من أن يقول وكذلك قال عمر وعثمان وعلي وابن مسعود وزيد رضي الله عنهم حين سئلوا وهم الأئمة والمفزع إليهم عند النوازل فماذا كان ينبغي لهم أن يفعلوا عنده أيدعون النظر في الكلالة وفي الجد إلى أن يأتي هو وأشباهه فيتكلموا فيهما ثم طعنه على عبد الله بن مسعود رضي الله عنه بقوله إن القمر انشق وأنه رأى ذلك ثم نسبه فيه إلى الكذب وهذا ليس بإكذاب لابن مسعود ولكنه بخس لعلم النبوة وإكذاب للقرآن العظيم لأن الله تعالى يقول اقتربت الساعة وانشق القمر فإن كان القمر لم ينشق في ذلك الوقت وكان مراده سينشق القمر فيما بعد فما معنى قوله وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر بعقب هذا الكلام أليس فيه دليل على أن قوما رأوه منشقا فقالوا هذا سحر مستمر من سحره وحيلة من حيله كما قد كانوا يقولون في غير ذلك من أعلامه وكيف صارت الآية من آيات النبي والعلم من أعلامه لا يجوز عنده أن يراها الواحد والاثنان والنفر دون الجميع أو ليس قد يجوز أن يخبر الواحد والاثنان والنفر والجميع كما أخبر مكلم الذئب بأن ذئبا كلمه وأخبر آخر بأن بعيرا شكا إليه وأخبر آخر أن مقبورا لفظته الأرض وطعنه عليه لجحده سورتين من القرآن العظيم يعني المعوذتين فإن لابن مسعود في ذلك سببا والناس قد يظنون ويزلون وإذا كان هذا جائزا على النبيين والمرسلين فهو على غيرهم أجوز وسببه في تركه إثباتهما في مصحفه أنه كان يرى النبي يعوذ بهما الحسن والحسين ويعوذ غيرهما كما كان يعوذهما بأعوذ بكلمات الله التامة فظن أنهما ليستا من القرآن فلم يثبتهما في مصحفه وبنحو هذا السبب أثبت أبي بن كعب في مصحفه افتتاح دعاء القنوت وجعله سورتين لأنه كان يرى رسول الله يدعو بهما في الصلاة دعاء دائما فظن أنه من القرآن وأما التطبيق فليس من فرض الصلاة وإنما الفرض الركوع والسجود لقول الله عز وجل اركعوا واسجدوا فمن طبق فقد ركع ومن وضع يديه على ركبتيه فقد ركع وإنما وضع اليدين على الركتبين أو التطبيق من آداب الركوع وقد كان الاختلاف في آداب الصلاة فكان منهم من يقعي ومنهم من يفترش ومنهم من يتورك وكل ذلك لا يفسد الصلاة وإن اختلف وأما نسبته إياه إلى الكذب في حديثه عن النبي الشقي من شقي في بطن أمه والسعيد من سعد في بطن أمه فكيف يجوز أن يكذب بن مسعود على رسول الله في مثل هذا الحديث الجليل المشهور ويقول حدثني الصادق المصدوق وأصحاب رسول الله متوافرون ولا ينكره أحد منهم ولأي معنى يكذب مثله على رسول الله في أمر لا يجتذب به إلى نفسه نفعا ولا يدفع عنه ضرا ولا يدنيه من سلطان ولا رعية ولا يزداد به مالا إلى ماله وكيف يكذب في شيء قد وافقه على روايته عدد منهم أبو أمامة عن رسول الله سبق العلم وجف القلم وقضي القضاء وتم القدر بتحقيق الكتاب وتصديق الرسل بالسعادة لمن آمن واتقى والشقاء لمن كذب وكفر وقال عز وجل بن آدم بمشيئتي كنت أنت الذي تشاء لنفسك ما تشاء وبإرادتي كنت أنت الذي تريد لنفسك ما تريد وبفضلي ورحمتي أديت إلي فرائضي وبنعمتي قويت على معصيتي وهذا الفضل بن عباس بن عبد المطلب يروي عن رسول الله أنه قال له يا غلام احفظ الله يحفظك وتوكل عليه تجده أمامك وتعرف إليه في الرخاء يعرفك في الشدة واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك وأن القلم قد جف بما هو كائن إلى يوم القيامة وكيف يكذب بن مسعود في أمر يوافقه عليه الكتاب يقول الله تعالى أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه أي جعل في قلوبهم الإيمان كما قال في الرحمة فأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة الآية أي سأجعلها ومن جعل الله تعالى في قلبه الإيمان فقد قضى له بالسعادة وقال عز وجل لرسوله إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء ولا يجوز أن يكون إنك لا تسمي من أحببت هاديا ولكن الله يسمي من يشاء هاديا وقال يضل من يشاء ويهدي من يشاء كما قال وأضل فرعون قومه وما هدى ولا يجوز أن يكون سمى فرعون قومه ضالين وما سماهم مهتدين وقال فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء وقال ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين وأشباه هذا في القرآن والحديث يكثر ويطول ولم يكن قصدنا في هذا الموضع الاحتجاج على القدرية فنذكر ما جاء في الرد عليهم ونذكر فساد تأويلاتهم واستحالتها وقد ذكرت هذا في غير موضع من كتبي في القرآن وكيف يكذب بن مسعود في أمر توافقه عليه العرب في الجاهلية والإسلام قال بعض الرجاز

يا أيها المضمر هما لا تهم ** إنك إن تقدر لك الحمى تحم

ولو علوت شاهقا من العلم ** كيف توقيك وقد جف القلم

وقال آخر

هي المقادير فلمني أو فذر ** إن كنت أخطأت فما أخطا القدر

وقال لبيد

إن تقوى ربنا خير نفل ** وبأمر الله ريثي وعجل

من هداه سبل الخير اهتدى ** ناعم البال ومن شاء أضل

وقال الفرزدق

ندمت ندامة الكسعي لما ** غدت مني مطلقة نوار

وكانت جنة فخرجت منها ** كآدم حين أخرجه الضرار

ولو ضنت يداي بها ونفسي ** لكان علي للقدر الخيار

وقال النابغة

وليس امرؤ نائلا من هوا ** ه شيئا إذا هو لم يكتب

وكيف يكذب بن مسعود رضي الله عنه في أمر توافقه عليه كتب الله تعالى وهذا وهب بن منبه يقول قرأت في اثنين وسبعين كتابا من كتب الله تعالى اثنان وعشرون منها من الباطن وخمسون من الظاهر أجد فيها كلها أن من أضاف إلى نفسه شيئا من الاستطاعة فقد كفر وهذه التوراة فيها إن الله تعالى قال لموسى اذهب إلى فرعون فقل له أخرج إلي بني بكري بني إسرائيل من أرض كنعان إلى الأرض المقدسة ليحمدوني ويمجدوني ويقدسوني اذهب إليه فأبلغه وأنا أقسي قلبه حتى لا يفعل

قال أبو محمد بكري أي هو لي بمنزلة أولاد الرجل للرجل وهو بكري أي أول من اخترته وقال حماد رواية عن مقاتل قال لي عمرو بن فائد يأمر الله بالشيء ولا يريد أن يكون قلت نعم أمر إبراهيم عليه السلام أن يذبح ابنه وهو لا يريد أن يفعل قال إن تلك رؤيا قلت ألم تسمعه يقول يا أبت افعل ما تؤمر وهذه أمم العجم كلها تقول بالإثبات والهند تقول في كتاب كليلة ودمنة وهو من جيد كتبهم القديمة اليقين بالقدر لا يمنع الحازم توقي المهالك وليس على أحد النظر في القدر المغيب ولكن عليه العمل بالحزم

قال أبو محمد ونحن نجمع تصديقا بالقدر وأخذا بالحزم

قال أبو محمد وقرأت في كتب العجم أن هرمز سئل عن السبب الذي بعث فيروز على غزو الهياطلة ثم الغدر بهم فقال إن العباد يجرون من قدر ربنا ومشيئته فيما ليس لهم صنع معه ولا يملكون تقدما ولا تأخرا عنه فمن كانت مسألته عما سأل عنه وهو مستشعر للمعرفة بما ذكرنا من ذلك لا يقصد بمسألته إلا عن العلة التي جرى بها المقدار على من جرى ذلك الأمر عليه والسبب الظاهر الذي أدركته الأعين منه متبعا لما جرى عليه الناس في قولهم ما صنع فلان وهم يريدون ما صنع به أو صنع على يديه وكذلك قولهم مات فلان أو عاش فلان وإنما يريدون فعل به فذلك القصد من مسألته ومن تعدى ذلك كان الجهل أولى به وليس حملنا ما حملنا على المقادير في قصته تحريا لمعذرته ولا طلبا لتحسين أمره ولا إنكارا أن يكون ما قدر على المخلوق من آثاره وإن لم يكن يستطيع دفع مكروهها ولا اجتلاب محمودها إلى نفسه وهو السبب الذي يجري به ما غيب عنا من ثوابه وعقابه مما حتم به عدل المبتدي لخلقه وأما حديثه الآخر الذي نسبه فيه إلى الكذب فقال رأى قوما من الزط فقال هؤلاء أشبه من رأيت بالجن ليلة الجن ثم سئل عن ذلك فقيل له كنت مع النبي ليلة الجن فقال ما شهدها منا أحد فادعى في الحديث الأول أنه شهدها وأنكر ذلك في الحديث الآخر وتصحيحه الخبرين عنه فكيف يصح هذا عن بن مسعود مع ثاقب فهمه وبارع علمه وتقدمه في السنة الذين انتهى إليهم العلم بها واقتدت بهم الأمة مع خاصته برسول الله ولطف محله وكيف يجوز عليه أن يقر بالكذب هذا الإقرار فيقول اليوم شهدت ويقول غدا لم أشهد ولو جهد عدوه أن يبلغ منه ما بلغه من نفسه ما قدر ولو كان به خبل أو عته أو آفة ما زاد على ما وسم به نفسه وأصحاب الحديث لا يثبتون حديث الزط وما ذكر من حضوره مع رسول الله ليلة الجن وهم القدوة عندنا في المعرفة بصحيح الأخبار وسقيمها لأنهم أهلها والمعتنون بها وكل ذي صناعة أولى بصناعته غير أنا لا نشك في بطلان أحد الخبرين لأنه لا يجوز على عبد الله بن مسعود أنه يخبر الناس عن نفسه بأنه قد كذب ولا يسقط عندهم مرتبته ولو فعل ذلك لقيل له فلم خيرتنا أمس بأنك شهدت فإن كان الأمر على ما قال أصحاب الحديث فقد سقط الخبر الأول وإن كان الحديثان جميعا صحيحين فلا أرى الناقل للخبر الثاني إلا وقد أسقط منه حرفا وهو غيري يدلك على ذلك أنه قال قيل له أكنت مع النبي ليلة الجن فقال ما شهدها أحد منا غيري فأغفل الراوي غيري إما بأنه لم يسمعه أو بأنه سمعه فنسيه أو بأن الناقل عنه أسقطه وهذا وأشباهه قد يقع ولا يؤمن ومما يدل على ذلك أنه قال له هل كنت مع النبي ليلة الجن فقال ما شهدها أحد منا وليس هذا جوابا لقوله هل كنت وإنما هو جواب لقول السائل هل كنت مع النبي ليلة الجن وإذا كان قول السائل هل كنت مع النبي ليلة الجن حسن أن يكون الجواب ما شهدها أحد منا غيري يؤكد ذلك ما كان من متقدم قوله وأما ما حكاه عن حذيفة أنه حلف على أشياء لعثمان ما قالها وقد سمعوه قالها فقيل له في ذلك فقال إني أشتري ديني بعضه ببعض مخافة أن يذهب كله فكيف حمل الحديث على أقبح وجوهه ولم يتطلب له العذر والمخرج وقد أخبر به وذلك قوله أشتري ديني بعضه ببعض أفلا تفهم عنه معناه وتدبر قوله ولكن عداوته لأصحاب رسول الله وما احتمله من الضغن عليهم حال بينه وبين النظر والعداوة البغض يعميان ويصمان كما أن الهوى يعمي ويصم واعلم رحمك الله أن الكذب والحنث في بعض الأحوال أولى بالمرء وأقرب إلى الله من الصدق في القول والبر في اليمين ألا ترى رجلا لو رأى سلطانا ظالما وقادرا قاهرا يريد سفك دم امرئ مسلم أو معاهد بغير حق أو استباحة حرمه أو إحراق منزله فتخرص قولا كاذبا ينجيه به أو حلف يمينا فاجرة كان مأجورا عند الله مشكورا عند عباده ولو أن رجلا حلف لا يصل رحما ولا يؤدي زكاة ثم استفتى الفقهاء لأفتوه جميعا بأن لا يبر في يمينه والله تعالى يقول ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس يريد لا تجعلوا الحلف بالله مانعا لكم من الخير إذا حلفتم أن لا تأتوه ولكن كفروا وائتوا الذي هو خير وكذلك قول رسول الله من حلف على شيء فرأى غيره خيرا منه فليكفر وليأت الذي هو خير وقد رخص في الكذب في الحرب لأنها خدعة وفي الإصلاح بين الناس وفي إرضاء الرجل أهله ورخص له أن يوري في يمينه إلى شيء إذا ظلم أو خاف على نفسه والتورية أن ينوي غير ما نوى مستحلفه كأن كان معسرا أحلفه رجل عند حاكم على حق له عليه فخاف الحبس وقد أمر الله تعالى بإنظاره فيقول والله ما لهذا علي شيء ويقول في نفسه يومي هذا أو يقول واللاه يريد من اللهو إلا أنه حذف الياء وأبقى الكسرة منها دليلا عليها كما قال الله تعالى يا عباد الذين آمنوا و يوم يدع الداع و يناد المناد أو يقول كل مالا أملكه صدقة يريد كل مالن أملكه أي ليس أملكه وأن يحلفه رجل أن لا يخرج من باب هذه الديار وهو له ظالم فيتسور الحائط ويخرج متأولا بأنه لم يخرج من باب الدار وإن كانت نية المستحلف أن لا يخرج منها بوجه من الوجوه فهذا وما أشبهه من التورية وجاءت الرخصة في المعاريض وقيل إن فيها عن الكذب مندوحة فمن المعاريض قول إبراهيم الخليل في امرأته إنها أختي يريد أن المؤمنين إخوة وقوله بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون أراد بل فعله كبيرهم هذا إن كانوا ينطقون فجعل النطق شرطا للفعل وهو لا ينطق ولا يفعل وقوله إني سقيم يريد سأسقم لأن من كتب عليه الموت والفناء فلا بد من أن يسقم قال الله تعالى لنبيه إنك ميت وإنهم ميتون ولم يكن النبي ميتا في وقته ذلك وإنما أراد إنك ستموت وسيموتون فأين كان تطلب المخرج له من وجه من هذه الوجوه وقد نبهه على أن له مخرجا بقوله أشتري ديني بعضه ببعض فإن أحببت أن تعلم كيف يكون طلب المخرج خبرناك بأمثال ذلك فمنها أن رجلا من الخوارج لقي رجلا من الروافض فقال له والله لا أفارقك حتى تبرأ من عثمان وعلي أو أقتلك فقال أنا والله من علي ومن عثمان بريء فتخلص منه وإنما أراد أنا من علي يريد أنه يتولاه ومن عثمان بريء فكانت براءته من عثمان وحده ومن ذلك أن رجلا من أصحاب السلطان سأل رجلا كان يتهمه ببغض السلطان والقدح فيه عن السواد الذي يلبسه أصحاب السلطان فقال له النور والله في السواد فرضي بذلك وإنما أراد أن نور العين في سواد الحدقة فلم يكن في يمينه آثما ولا حانثا ومنها أن عليا رضي الله عنه خطب فقال لئن لم يدخل الجنة إلا من قتل عثمان لا أدخلها ولئن لم يدخل النار إلا من قتل عثمان لا أدخلها فقيل له ما صنعت يا أمير المؤمنين فرقت الناس فخطبهم وقال إنكم قد أكثرتم علي في قتل عثمان ألا إن الله تعالى قتله وأنا معه فأوهمهم أنه قتله مع قتل الله تعالى له وإنما أراد أن الله تعالى قتله وسيقتلني معه ومنها أن شريحا دخل على زياد في مرضه الذي مات فيه فلما خرج بعث إليه مسروق يسأله كيف تركت الأمير قال تركته يأمر وينهى فقال إن شريحا صاحب عويص فاسألوه فقال تركته يأمر بالوصية وينهى عن البكاء وسئل شريح عن بن له وقد مات فقالوا كيف أصبح مريضك يا أبا أمية فقال الآن سكن علزه ورجاه أهله يعني رجوا ثوابه وهذا أكثر من أن يحيط به وليس يخلو حذيفة في قوله لعثمان رضي الله عنه ما قال من تورية إلى شيء في يمينه وقوله ولم يحك لنا الكلام فنتأوله وإنما جاء مجملا وسنضرب له مثلا كأن حذيفة قال والناس يقولون عند الغضب أقبح ما يعلمون وعند الرضا أحسن ما يعلمون إن عثمان خالف صاحبيه ووضع الأمور غير مواضعها ولم يشاور أصحابه في أموره ودفع المال إلى غير أهله هذا وأشباهه فوشى به إلى عثمان رضي الله عنه واش فغلظ القول وقال ذكر أنك تقول إني ظالم خائن هذا وما أشبهه فحلف حذيفة بالله تعالى ما قال ذلك وصدق حذيفة أنه لم يقل إن عثمان خائن ظالم وأراد بيمينه استلال سخيمته وإطفاء سورة غضبه وكره أن ينطوي على سخطه عليه وسخط الإمام على رعيته كسخط الوالد على ولده والسيد على عبده والبعل على زوجه بل سخط الإمام أعظم من ذلك حوبا فاشترى الأعظم من ذلك بالأصغر وقال اشتري بعض ديني ببعض وأما طعنه على أبي هريرة بتكذيب عمر وعثمان وعلي وعائشة له فإن أبا هريرة صحب رسول الله نحوا من ثلاث سنين وأكثر الرواية عنه وعمر بعده نحوا من خمسين سنة وكانت وفاته سنة تسع وخمسين وفيها توفيت أم سلمة زوج النبي وتوفيت عائشة رضي الله عنها قبلهما بسنة فلما أتى من الرواية عنه ما لم يأت بمثله من صحبه من جلة أصحابه والسابقين الأولين إليه اتهموه وأنكروا عليه وقالوا كيف سمعت هذا وحدك ومن سمعه معك وكانت عائشة رضي الله عنها أشدهم إنكارا عليه لتطاول الأيام بها وبه وكان عمر أيضا شديدا على من أكثر الرواية أو أتى بخبر في الحكم لا شاهد له عليه وكان يأمرهم بأن يقلوا الرواية يزيد بذلك أن لا يتسع الناس فيها ويدخلها الشوب ويقع التدليس والكذب من المنافق والفاجر والأعرابي وكان كثير من جلة الصحابة وأهل الخاصة برسول الله كأبي بكر والزبير وأبي عبيدة والعباس بن عبد المطلب يقلون الرواية عنه بل كان بعضهم لا يكاد يروي شيئا كسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة وقال علي رضي الله عنه كنت إذا سمعت من رسول الله حديثا نفعني الله بما شاء منه وإذا حدثني عنه محدث استحلفته فإن حلف لي صدقته وأن أبا بكر حدثني وصدق أبو بكر ثم ذكر الحديث أفما ترى تشديد القوم في الحديث وتوقي من أمسك كراهية التحريف أو الزيادة في الرواية أو النقصان لأنهم سمعوه عليه السلام يقول من كذب علي فليتبوأ مقعده من النار وهكذا روى عن الزبير أنه رواه وقال أراهم يزيدون فيه متعمدا والله ما سمعته قال متعمدا وروى مطرف بن عبد الله أن عمران بن حصين قال والله إن كنت لأرى أني لو شئت لحدثت عن رسول الله يومين متتابعين ولكن بطأني عن ذلك أن رجالا من أصحاب رسول الله سمعوا كما سمعت وشهدوا كما شهدت ويحدثون أحاديث ما هي كما يقولون وأخاف أن يشبه لي كما شبه لهم فأعلمك أنهم كانوا يغلطون لا أنهم كانوا يتعمدون فلما أخبرهم أبو هريرة بأنه كان ألزمهم لرسول الله لخدمته وشبع بطنه وكان فقيرا معدما وأنه لم يكن ليشغله عن رسول الله غرس الودى ولا الصفق بالأسواق يعرض أنهم كانوا يتصرفون في التجارات ويلزمون الضياع في أكثر الأوقات وهو ملازم له لا يفارقه فعرف ما لم يعرفوا وحفظ ما لم يحفظا أمسكوا عنه وكان مع هذا يقول قال رسول الله كذا وإنما سمعه من الثقة عنده فحكاه وكذلك كان بن عباس يفعل وغيره من الصحابة وليس في هذا كذب بحمد الله ولا على قائله إن لم يفهمه السامع جناح إن شاء الله وأما قوله قال خليلي وسمعت خليلي يعني النبي وأن عليا رضي الله عنه قال له متى كان خليلك فإن الخلة بمعنى الصداقة والمصافاة وهي درجتان إحداهما ألطف من الأخرى كما أن الصحبة درجتان إحداهما ألطف من الأخرى ألا ترى أن القائل أبو بكر صاحب رسول الله لا يريد بهذا القول معنى صحبة أصحابه له لأنهم جميعا صحابة فأية فضيلة لأبي بكر رضي الله عنه في هذا القول وإنما يريد أنه أخص الناس به وكذلك الأخوة التي جعلها رسول الله بين أصحابه هي الطف من الأخوة التي جعلها الله بين المؤمنين فقال إنما المؤمنون إخوة وهكذا الخلة فمن الخلة التي هي أخص قول الله تعالى واتخذ الله إبراهيم خليلا وقول رسول الله لو كنت متخذا من هذه الأمة خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا يريد لاتخذته خليلا كما اتخذ الله إبراهيم خليلا وأما الخلة التي تعم فهي الخلة التي جعلها الله تعالى بين المؤمنين فقال الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين فلما سمع علي أبا هريرة يقول خليلي وسمعت قال خليلي وكان سيء الرأي فيه قال متى كان خليلك يذهب إلى الخلة التي لم يتخذ رسول الله من جهتها خليلا وأنه لو فعل ذلك بأحد لفعله بأبي بكر رضي الله عنه وذهب أبو هريرة إلى الخلة التي جعلها الله تعالى بين المؤمنين والولاية فإن رسول الله من هذه الجهة خليل كل مؤمن وولي كل مسلم وإلى مثل هذا يذهب في قول رسول الله من كنت مولاه فعلي مولاه يريد أن الولاية بين رسول الله وبين المؤمنين ألطف من الولاية التي بين المؤمنين بعضهم مع بعض فجعلها لعلي رضي الله عنه ولو لم يرد ذلك ما كان لعلي في هذا القول فضل ولا كان في القول دليل على شيء لأن المؤمنين بعضهم أولياء بعض ولأن رسول الله ولي كل مسلم ولا فرق بين ولي ومولى وكذلك قول الله تعالى ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وقول النبي أية امرأة نكحت بغير أمر مولاها فنكاحها باطل باطل فهذه أقاويل النظام قد بيناها وأجبناه عنها وله أقاويل في أحاديث يدعى عليها أنها مناقضة للكتاب وأحاديث يستبشعها من جهة حجة العقل وذكر أن جهة حجة العقل قد تنسخ الأخبار وأحاديث ينقض بعضها بعضا وسنذكرها فيما بعد إن شاء الله

قال أبو محمد ثم نصير إلى قول أبي الهذيل العلاف فنجده كذابا أفاكا وقد حكى عنه رجل من أهل مقالته أنه حضر عند محمد بن الجهم وهو يقول له يا أبا جعفر إن يدي صناع في الكسب ولكنها في الإنفاق خرقاء كم من مائة ألف درهم قسمتها على الإخوان أبو فلان يعلم ذلك سألتك بالله يا أبا فلان هل تعلم ذلك قلت يا أبا الهذيل ما أشك فيما تقول قال فلم يرض أن حضرت حتى استشهدني ولم يرض إذ استشهدني حتى استحلفني قال وكان أبو الهذيل أهدى دجاجة إلى مويس بن عمران فجعلها مثلا لكل شيء وتاريخا لكل شيء فكان يقول فعلت كذا وكذا قبل أن أهدي إليك تلك الدجاجة وكان كذا بعد أن أهديت إليك تلك الدجاجة وإذا رأى جملا سمينا قال لا والله ولا تلك الدجاجة التي أهديتها إليك وهذا نظر من لا يقسم على الإخوان عشرة أفلس فضلا عن مائتي ألف وحكى من خطئه في الاستطاعة أنه كان يقول إن الفاعل في وقت الفعل غير مستطيع لفعل آخر وذلك أنهم ألزموه الاستطاعة مع الفعل بالإجماع فقالوا قد أجمع الناس على أن كل فاعل مستطيع في حال فعله فالاستطاعة مع الفعل ثابتة واختلفوا في أنها قبله فنحن على ما أجمعوا عليه وعلى من ادعى أنها قبل الفعل الدليل فلجأ إلى هذا القول وسئل عن عدم صحة البصر في حال وجود الإدراك وعن عدم الحياة إن كانت عرضا في حال وجود العلم فلا هو فرق ولا هو رجع وزعم أنه يستحيل أن يفعل في حال بلوغه بالاستطاعة التي أعطيها في حال البلوغ وإنما يفعل بها في الحال الثانية فإذا قيل له فمتى فعل بها في الحال التي سلبها أم في حال البلوغ والفعل فيها عندك محال وقد فعل بها ولا حال إلا حال البلوغ والحالة الثانية قال قولا مرغوبا عنه مع أقاويل كثيرة في فناء نعيم أهل الجنة وفناء عذاب أهل النار ثم نصير إلى عبيد الله بن الحسن وقد كان ولي قضاء البصرة فتهجم من قبيح مذاهبه وشدة تناقض قوله على ما هو أولى بأن يكون تناقضا مما أنكروه وذلك أنه كان يقول إن القرآن يدل على الاختلاف فالقول بالقدر صحيح وله أصل في الكتاب والقول بالإجبار صحيح وله أصل في الكتاب ومن قال بهذا فهو مصيب ومن قال بهذا فهو مصيب لأن الآية الواحدة ربما دلت على وجهين مختلفين واحتملت معنيين متضادين وسئل يوما عن أهل القدر وأهل الإجبار فقال كل مصيب هؤلاء قوم عظموا الله وهؤلاء قوم نزهوا الله قال وكذلك القول في الأسماء فكل من سمى الزاني مؤمنا فقد أصاب ومن سماه كافرا فقد أصاب ومن قال هو فاسق وليس بمؤمن ولا كافر فقد أصاب ومن قال هو منافق ليس بمؤمن ولا كافر فقد أصاب ومن قال هو كافر وليس بمشرك فقد أصاب ومن قال هو كافر مشرك فقد أصاب لأن القرآن قد دل على كل هذه المعاني قال وكذلك السنن المختلفة كالقول بالقرعة وخلافه والقول بالسعاية وخلافه وقتل المؤمن بالكافر ولا يقتل مؤمن بكافر وبأي ذلك أخذ الفقيه فهو مصيب قال ولو قال قائل إن القاتل في النار كان مصيبا ولو قال هو في الجنة كان مصيبا ولو وقف فيه وأرجأ أمره كان مصيبا إذ كان إنما يريد بقوله إن الله تعالى تعبده بذلك وليس عليه علم المغيب وكان يقول في قتال علي لطلحة والزبير وقتالهما له إن ذلك كله طاعة لله تعالى وفي هذا القول من التناقض والخلل ما ترى وهو رجل من أهل الكلام والقياس وأهل النظر

قال أبو محمد ثم نصير إلى بكر صاحب البكرية وهو من أحسنهم حالا في التوقي فنجده يقول من سرق حبة من خردل ثم مات غير تائب من ذلك فهو خالد في النار مخلد أبدا مع اليهود والنصارى وقد وسع الله تعالى للمسلم أن يأكل من مال صديقه وهو لا يعلم ووسع لداخل الحائط أن يأكل من ثمره ولا يحمل ووسع لابن السبيل إذا مر في سفره بغنم وهو عطشان أن يصيب من رسلها فكيف يعذب من أخذ حبة من خردل لا قدر لها ويخلده في النار أبدا وأي ذنب هو أخذ حبة من خردل حتى يكون منه توبة أو يقع فيه إصرار وقد يأخذ الرجل الخلال من حطب أخيه والمدر من مدره ويشرب الماء من حوضه وهذا أعظم قدرا من الحبة وكان يقول إن الأطفال لا تألم فإذا سئل فقيل له فما باله يبكي إذا قرص أو وقعت عليه شرارة قال إنما ذلك عقوبة لأبويه والله تعالى أعدل من أن يؤلم طفلا لا ذنب له فإذا سئل عن البهيمة وألمها وهي لا ذنب لها قال إنما ألمها الله تعالى لمنفعة بن آدم لتنساق ولتقف ولتجري إذا احتاج إلى ذلك منها وكان من العدل عنده أن يؤلمها لنفع غيرها وربما قال بغير ذلك وقد خلطوا في الرواية عنه وكان يقول شرب نبيذ السقاء الشديد من السنة وكذلك أكل الجدي والمسح على الخفين والسنة إنما تكون في الدين لا في المأكول والمشروب ولو أن رجلا لم يأكل البطيخ بالرطب دهره وقد أكله رسول الله أو لم يأكل القرع وقد كان يعجب النبي لم يقل إنه ترك السنة

قال أبو محمد ثم نصير إلى هشام بن الحكم فنجده رافضيا غاليا ويقول في الله تعالى بالأقطار والحدود والأشبار وأشياء يتحرج من حكايتها وذكرها لا خفاء على أهل الكلام بها ويقول بالإجبار الشديد الذي لا يبلغه القائلون بالسنة وسأله سائل فقال أترى الله تعالى مع رأفته ورحمته وحكمته وعدله يكلفنا شيئا ثم يحول بيننا وبينه ويعذبنا فقال قد والله فعل ولكنا لا نستطيع أن نتكلم وقال له رجل يا أبا محمد هل تعلم أن عليا خاصم العباس في فدك إلى أبي بكر قال نعم قال فأيهما كان الظالم قال لم يكن فيهما ظالم قال سبحان الله وكيف يكون هذا قال هما كالملكين المختصمين إلى داود عليه السلام لم يكن فيهما ظالم إنما أرادا أن يعرفاه خطأه وظلمه كذلك أراد هذان أن يعرفا أبا بكر خطأه وظلمه ومما يعده أصحاب الكلام من خطئه قوله إن حصاة يقلبها الله جبلا في رزانته وطوله وعرضه وعمقه فتطبق من الأرض فرسخا بعد أن كانت تطبق أصبعا من غير أن يزيد فيها عرضا أو جسما أو ينقص منها عرضا أو جسما

قال أبو محمد ثم نصير إلى ثمامة فنجده من رقة الدين وتنقص الإسلام والاستهزاء به وإرساله لسانه على ما لا يكون على مثله رجل يعرف الله تعالى ويؤمن به ومن المحفوظ عنه المشهور أنه رأى قوما يتعادون يوم الجمعة إلى المسجد لخوفهم فوت الصلاة فقال انظروا إلى البقر انظروا إلى الحمير ثم قال لرجل من إخوانه ما صنع هذا العربي بالناس ثم نصير إلى محمد بن الجهم البرمكي فنجد مصحفه كتب أرستطاطاليس في الكون والفساد والكيان وحدود المنطق بها يقطع دهره ولا يصوم شهر رمضان لأنه فيما ذكر لا يقدر على الصوم وكان يقول لا يستحق أحد من أحد شكرا على شيء فعله به أو خير أسداه إليه لأنه لا يخلو أن يكون فعل ذلك طلبا للثواب من الله تعالى فإنما إلى نفسه قصد أو يكون فعله للمكافأة فإنه إلى الربح ذاهب أو يكون فعله للذكر والثناء ففي حظه سعي وفي حبله حطب أو فعله رحمة له ورقة وضعت في قلبه فإنما سكن بتلك العطية علته وداوى بها من دائه وهذا خلاف قول النبي لا يشكر الله من لا يشكر الناس وذكر رجل من أصحاب الكلام عنه أنه أوصى عند وفاته فقال إن رسول الله قال الثلث والثلث كثير وأنا أقول إن ثلث الثلث كثير والمساكين حقوقهم في بيت المال إن طلبوه طلب الرجال أخذوه وإن قعدوا عنه قعود النساء حرموه فلا رحم الله من يرحمهم

قال أبو محمد وحدثني رجل سايره فنفرت به دابته فقال إن رسول الله قال اضربوها على العثار ولا تضربوها على النفار وأنا أقول لا تضربوها على العثار ولا على النفار

قال أبو محمد ولست أدري أيصح هذا عن رسول الله أم لا يصح وإنما هو شيء حكي عنه وقد أخطأ والصواب في القول الأول لأن الدابة تنفر من البئر أو من الشيء تراه ولا يراه الراكب فتتقحم وفي تقحمها الهلكة فنهى عن ضربها على النفار وأمر بضربها على العثار لتجد فلا تعثر لأن العثرة لا تكاد تكون إلا عن توان

قال أبو محمد ثم نصير إلى أصحاب الرأي فنجدهم أيضا يختلفون ويقيسون ثم يدعون القياس ويستحسنون ويقولون بالشيء ويحكمون به ثم يرجعون حدثني سهل بن محمد قال حدثنا الأصمعي عن حماد بن زيد قال سمعت يحيى بن مخنف قال جاء رجل من أهل المشرق إلى أبي حنيفة بكتاب منه بمكة عاما أول فعرضه عليه مما كان يسأل عنه فرجع عن ذلك كله فوضع الرجل التراب على رأسه ثم قال يا معشر الناس أتيت هذا الرجل عاما أولا فأفتاني بهذا الكتاب فأهرقت به الدماء وأنكجت به الفروج ثم رجع عنه العام حدثني سهل بن محمد قال أنا المختار بن عمرو أن الرجل قال له كيف هذا قال كان رأيا رأيته فرأيت العام غيره قال فتأمنني أن لا ترى من قابل شيئا آخر قال لا أدري كيف يكون ذلك فقال له الرجل لكني أدري أن عليك لعنة الله وكان الأوزاعي يقول إنا لا ننقم على أبي حنيفة أنه رأى كلنا يرى ولكننا ننقم عليه أنه يجيئه الحديث عن النبي فيخالفه إلى غيره حدثني سهل بن محمد قال نا الأصمعي عن حماد بن زيد قال شهدت أبا حنيفة سئل عن محرم لم يجد إزارا فلبس سراويل فقال عليه الفدية فقلت سبحان الله حدثنا عمرو بن دينار عن جابر بن زيد عن بن عباس قال سمعت رسول الله يقول في المحرم إذا لم يجد إزارا لبس سراويل وإذا لم يجد نعلين لبس خفين فقال دعنا من هذا حدثنا حماد عن إبراهيم أنه قال عليه الكفارة وروى أبو عاصم عن أبي عوانة قال كنت عند أبي حنيفة فسئل عن رجل سرق وديا فقال عليه القطع فقلت له حدثنا يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان عن رافع بن خديج قال قال رسول الله لا قطع في ثمر ولا كثر فقال ما بلغني هذا قلت له فالرجل الذي أفتيته رده قال دعه فقد جرت به البغال الشهب قال أبو عاصم أخاف أن تكون إنما جرت بلحمه ودمه وقال علي بن عاصم حدثت أبا حنيفة بحديث عبد الله في الذي قال من يذبح للقوم شاة أزوجه أول بنت تولد لي ففعل ذلك الرجل فقضى بن مسعود أنها امرأته وأن لها مهر نسائها فقال أبو حنيفة هذا قضاء الشيطان ولم أر أحدا ألهج بذكر أصحاب الرأي وتنقصهم والبعث على قبيح أقاويلهم والتنبيه عليها من إسحاق بن إبراهيم الحنظلي المعروف بابن راهويه وكان يقول نبذوا كتاب الله تعالى وسنن رسوله ولزموا القياس وكان يعدد من ذلك أشياء منها قولهم إن الرجل إذا نام جالسا واستثقل في نومه لم يجب عليه الوضوء ثم أجمعوا على أن كل من أغمي عليه منتقض الطهارة قال وليس بينهما فرق على أنه ليس في المغمى عليه أصل فيحتج به في انتقاض وضوئه وفي النوم غير حديث منها قول النبي العين وكاء السه فإذا نامت العين انفتح الوكاء وفي حديث آخر من نام فليتوضأ قال فأوجبوا في الضجعة الوضوء إذا غلبه النوم وأسقطوه عن النائم المستثقل راكعا أو ساجدا قال وهاتان الحالان في خشية الحدث أقرب من الضجعة فلا هم اتبعوا أثرا ولا لزموا قياسا قال وقالوا من تقهقه بعد التشهد أجزأته صلاته وعليه الوضوء لصلاة أخرى قال فأي غلط أبين من غلط من يحتاط لصلاة لم تحضر ولا يحتاط لصلاة هو فيها قال وقالوا في رجل توفي وترك جده أبا أمه وبنت بنته المال للجد دون بنت البنت وكذلك هو عندهم مع جميع ذوي الأرحام قال فأي خطأ أفحش من هذا لأن الجد يدلي بالأم فكيف يفضل على بنت البنت وهي تدلي بالبنت إلا أن يكون شبهوا أبا الأم بأبي الأب إذ اتفق أسماؤهم

قال أبو محمد وحدثنا إسحاق وهو بن راهويه قال نا وكيع أن أبا حنيفة قال ما باله يرفع يديه عند كل رفع وخفض أيريد أن يطير فقال له عبد الله بن المبارك إن كان يريد أن يطير إذا افتتح فإنه يريد أن يطير إذا خفض ورفع قال هذا مع تحكمه في الدين كقوله أقطع في الساج والقنا ولا أقطع في الخشب والحطب وأقطع في النورة ولا أقطع في الفخار والزجاج فكأن الفخار والزجاج ليسا مالا وكأن الآبنوس ليس خشبا وقال إسحاق بن راهويه وسئل يعني أبا حنيفة عن الشرب في الإناء المفضض فقال لا بأس به إنما هو بمنزلة الخاتم في إصبعك فتدخل يدك الماء فتشربه بها وكان يعدد من هذا أشياء يطول الكتاب بها وأعظم منها مخالفة كتاب الله كأنهم لم يقرءوه وكان أبو حنيفة لا يدي لولي المقتول عمدا إلا أن يعفو أو يقتص وليس له أن يأخذ الدية والله تبارك وتعالى يقول كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة يريد فمن عفا عن الدم فليتبع بالدية اتباعا بالمعروف أي يطالب مطالبة جميلة لا يرهق المطلوب وليؤد المطالب المطلوب أداء بإحسان لا مطل فيه ولا دفاع عن الوقت ثم قال ذلك تخفيف من ربكم ورحمة يعني تخفيفا عن المسلمين مما كان بنو إسرائيل ألزموه فإنه لم يكن لولي إلا أن يقتص أو يعفو ثم قال فمن اعتدى بعد ذلك أي بعد أخذ الدية فقتل فله عذاب أليم قالوا يقتل ولا تؤخذ منه الدية وقال رسول الله لا أعافي أحدا قتل بعد أخذ الدية وهذا وأشباهه من مخالفة القرآن لا عذر فيه ولا عذر في مخالفة رسول الله بعد العلم بقوله فأما الرأي في الفروع فأخف أمرا وإن كان مخارج أصول الأحكام ومخارج الفرائض والسنن على خلاف القياس وتقدير العقول حدثني الزيادي قال نا عيسى بن يونس عن الأعمش عن أبي إسحاق عن عبد خير قال قال علي بن أبي طالب ما كنت أرى أن أعلى القدم أحق بالمسح من باطنها حتى رأيت رسول الله يمسح على أعلى قدميه وحدثني أبو حاتم عن الأصمعي قال سمعت زفر بن هذيل يقول في رجل أوصى لرجل بما بين العشرة إلى العشرين قال يعطي تسعة ليس له ذلك العقد ولا هذا العقد كما تقول له ما بين الأسطوانتين فله ما بينهما ليست له الأسطوانتان فقلنا له فرجل معه بن له محظوظ قيل له كم لابنك قال ما بين الستين إلى اثنين وستين فهذا في قياسكم بن سنة قال استحسن في هذا الموضع وحدثنا عن مالك في الموطأ عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن قال سألت سعيد بن المسيب كم في إصبع المرأة قال عشر من الإبل قلت فكم في إصبعين قال عشرون من الإبل قلت فكم في ثلاث أصابع قال ثلاثون من الإبل قلت فكم في أربع أصابع قال عشرون من الإبل قلت حين عظم جرحها واشتدت مصيبتها نقص عقلها قال هي السنة يا بن أخي

قال أبو محمد وكان أشد أهل العراق في الرأي والقياس الشعبي وأسهلهم فيه مجاهد حدثني أبو الخطاب قال حدثني مالك بن سعيد قال نا الأعمش عن مجاهد أنه قال أفضل العبادة الرأي الحسن وحدثني محمد بن خالد محمد بن خداش قال حدثني مسلم بن قتيبة قال نا مالك بن مغول قال قال لي الشعبي ونظر إلى أصحاب الرأي ما حدثك هؤلاء عن أصحاب محمد فاقبله وما خبروك به عن رأيهم فارم به في الحش وكان يقول إياكم والقياس فإنكم إن أخذتم به حرمتم الحلال وأحللتم الحرام

قال أبو محمد حدثني الرياش قال نا الأصمعي عن عمر بن أبي زائدة قال قيل للشعبي إن هذا لا يجيء في القياس فقال أير في القياس وحدثني الرياشي عن أبي يعقوب الخطابي عن عمه عن الزهري أنه قال الحديث ذكر يحبه ذكور الرجال ويكرهه مؤنثوهم

قال أبو محمد وكيف يطرد لك القياس في فروع لا يتفق أصولها والفرع تابع للأصل وكيف يقع في القياس أن يقطع سارق عشر دراهم ويمسك عن غاصب مائة ألف درهم ويجلد قاذف الحر الفاجر ويعفي عن قاذف العبد العفيف وتستبرأ أرحام الإماء بحيضة ورحم الحرة بثلاث حيض ويحصن الرجل بالعجوز الشوهاء السوداء ولا يحصن بمائة أمة حسناء ويوجب على الحائض قضاء الصوم ولا يوجب عليها قضاء الصلاة ويجلد في القذف الزنا أكثر من الجلد في القذف الكفر ويقطع في القتل بشاهدين ولا يقطع في الزنا بأقل من أربعة

قال أبو محمد ثم نصير الى الجاحظ وهو آخر المتكلمين والمعاير على المتقدمين وأحسنهم للحجة استثارة وأشدهم تلطفا لتعظيم الصغير حتى يعظم وتصغير العظيم حتى يصغر ويبلغ به الاقتدار إلى أن يعمل الشيء ونقيضه ويحتج لفضل السودان على البيضان وتجده يحتج مرة للعثمانية على الرافضة ومرة للزيدية على العثمانية وأهل السنة ومرة يفضل عليا رضي الله عنه ومرة يؤخره ويقول قال رسول الله ويتبعه قال الجماز وقال إسماعيل بن غزوان كذا وكذا من الفواحش ويجل رسول الله عن أن يذكر في كتاب ذكرا فيه فكيف في ورقة أو بعد سطر وسطرين ويعمل كتاب يذكر فيه حجج النصارى على المسلمين فإذا صار إلى الرد عليهم تجوز في الحجة كأنه إنما أراد تنبيههم على ما لا يعرفون وتشكيك الضعفة من المسلمين وتجده يقصد في كتبه للمضاحيك والعبث يريد بذلك استمالة الأحداث وشراب النبيذ ويستهزئ من الحديث استهزاء لا يخفى على أهل العلم كذكره كبد الحوت وقرن الشيطان وذكر الحجر الأسود وأنه كان أبيض فسوده المشركون وقد كان يجب أن يبيضه المسلمون حين أسلموا ويذكر الصحيفة التي كان فيها المنزل في الرضاع تحت سرير عائشة فأكلتها الشاة وأشياء من أحاديث أهل الكتاب في تنادم الديك والغراب ودفن الهدهد أمه في رأسه وتسبيح الضفدع وطوق الحمامة وأشباه هذا مما سنذكره فيما بعد إن شاء الله وهو مع هذا من أكذب الأمة وأوضعهم لحديث وأنصرهم لباطل ومن علم رحمك الله أن كلامه من عمله قل إلا فيما ينفعه ومن أيقن أنه مسئول عما ألف وعما كتب لم يعمل الشيء وضده ولم يستفرغ مجهوده في تثبيت الباطل عنده وأنشدني الرياشي

ولا تكتب بخطك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه

قال أبو محمد وبلغني أن من أصحاب الكلام من يرى الخمر غير محرمة وأن الله تعالى إنما نهى عنها على جهة التأديب كما قال ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط وكما قال واهجروهن في المضاجع واضربوهن ومنهم من يرى نكاح تسع من الحرائر جائز لقول الله تعالى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع قالوا فهذا تسع قالوا والدليل على ذلك أن رسول الله مات عن تسع ولم يطلق الله لرسوله في القرآن إلا ما أطلق لنا ومنهم من يرى شحم الخنزير وجلده حلالا لأن الله تعالى إنما حرم لحمه في القرآن فقال حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير فلم يحرم شيئا غير لحمه ومنهم من يقول إن الله تعالى لا يعلم شيئا حتى يكون ولا يخلق شيئا حتى يتحرى فبمن يتعلق من هؤلاء ومن يتبع وهذه مذاهبهم وهذه نحلهم وهكذا اختلافهم وكيف يطمع في تخلص الحق من بينهم وهم مع تطاول الأيام بهم ومر الدهور على المقايسات والمناظرات لا يزدادون إلا اختلافا ومن الحق إلا بعدا وكان أيو يوسف يقول من طلب الدين بالكلام تزندق ومن طلب المال بالكيمياء أفلس ومن طلب غرائب الحديث كذب

قال أبو محمد وقد كنت في عنفوان الشباب وتطلب الآداب أحب أن أتعلق من كل علم بسبب وأن أضرب فيه بسهم فربما حضرت بعض مجالسهم وأنا مغتر بهم طامع أن أصدر عنه بفائدة أو كلمة تدل على خير أو تهدي لرشد فأرى من جرأتهم على الله تبارك وتعالى وقلة توقيهم وحملهم أنفسهم على العظائم لطرد القياس أو لئلا يقع انقطاع ما أرجع معه خاسرا نادما وقد ذكرهم محمد بن بشير الشاعر وقد أصاب في وصفهم حين يقول

دع من يقول الكلام ناحية ** فما يقول الكلام ذو ورع

كل فريق بدوهم حسن ** ثم يصيرون بعد للشنع

أكثر ما فيه أن يقال له ** لم يك في قوله بمنقطع

وقال عبد الله بن مصعب

ترى المرء بعجبه أن يقولا ** وأسلم للمرء أن لا يقولا

فأمسك عليك فضول الكلام ** فإن لكل كلام فضولا

ولا تصحبن أخا بدعة ** ولا تسمعن له الدهر قيلا

فإن مقالتهم كالظلال ** يوشك أفياؤها أن تزولا

وقد أحكم الله آياته ** وكان الرسول عليها دليلا

وأوضح للمسلمين السبيل ** فلا تتبعن سواها سبيلا

أناس بهم ريبة في الصدور ** ويخفون في الجوف منها غليلا

إذا أحدثوا بدعة في القران ** تعادوا عليها فكانوا عدولا

فخلهم والتي يهضبون ** وولهم منك صمتا طويلا

قال أبو محمد وقد كنت سمعت بقول عمر بن عبد العزيز رحمه الله من جعل دينه غرضا للخصومات أكثر التنقل وكنت أسمعهم يقولون إن الحق يدرك بالمقايسات والنظر ويلزم من لزمته الحجة أن ينقاد لها ثم رأيتهم في طول تناظرهم وإلزام بعضهم بعضا الحجة في كل مجلس مرات لا يزولون عنها ولا ينتقلون وسأل رجل من أصحاب هشام بن الحكم رجلا من المعتزلة فقال له أخبرني عن العالم هل له نهاية وحد فقال المعتزلي النهاية عندي على ضربين أحدهما نهاية الزمان من وقت كذا إلى وقت كذا والآخر نهاية الأطراف والجوانب وهو متناه بهاتين الصفتين ثم قال له فأخبرني علن الصانع عز وجل هل هو متناه فقال محال قال فتزعم أنه يجوز أن يخلق المتناهي من ليس بمتناه فقال نعم قال فلم لا يجوز أن يخلق الشيء من ليس بشيء كما جاز أن يخلق المتناهي من ليس بمتناه قال لأن ما ليس بشيء هو عدم وإبطال قال له وما ليس بمتناه عدم وإبطال قال لا شيء هو نفي قال له وما ليس بمتناه نفي قال قد أجمع الناس على أنه شيء إلا جهما وأصحابه قال قد أجمع الناس أنه متناه قال وجدت كل شيء متناه محدثا مصنوعا عاجزا قال ووجدت كل شيء محدثا مصنوعا عاجزا قال لما أن وجدت هذه الأشياء مصنوعة علمت أن صانعها شيء قال ولما أن وجدت هذه الأشياء متناهية علمت أن صانعها متناه قال لو كان متناهيا كان محدثا إذ وجدت كل متناه محدثا قال ولو كان شيئا كان محدثا عاجزا إذ وجدت كل شيء محدثا عاجزا وإلا فما الفرق فأمسك قال وسأل آخر آخر عن العلم فقال له أتقول أن سميعا في معنى عليم قال نعم قال لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير هل سمعه حين قالوه قال نعم قال فهل سمعه قبل أن يقولوا قال لا قال فهل علمه قبل أن يقولوه قال نعم قال له فأرى في سميع معنى غير معنى عليم فلم يجب

قال أبو محمد قلت له وللأول قد لزمتكما الحجة فلم لا تنتقلان عما تعتقدان إلى ما ألزمتكماه الحجة فقال أحدهما لو فعلنا ذلك لانتقلنا في كل يوم مرات وكفى بذلك حيرة قلت فإذا كان الحق إنما يعرف بالقياس والحجة وكنت لا تنقاد لهما بالاتباع كما تنقاد بالانقطاع فما تصنع بهما التقليد أربح لك والمقام على أثر الرسول أولى بك قال واختلفوا في ثبوت الخبر فقال بعضهم يثبت الخبر بالواحد الصادق وقال آخر يثبت باثنين لأن الله تعالى أمر بإشهاد اثنين عدلين وقال آخر يثبت بثلاثة لأن الله عز وجل قال فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم قالوا وأقل ما تكون الطائفة ثلاثة وغلطوا في هذا القول لأن الطائفة تكون واحدا واثنين وثلاثة وأكثر لأن الطائفة بمعنى القطعة والواحد قد يكون قطعة من القوم وقال الله تعالى وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين يريد الواحد والاثنين وقال آخر يثبت بأربعة لقول الله تعالى لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء وقال آخر يثبت باثني عشر لقول الله تعالى وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا وقال آخر يثبت بعشرين رجلا لقول الله تعالى إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وقال آخر يثبت بسبعين رجلا لقول الله عز وجل واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا فجعلوا كل عدد ذكر في القرآن حجة في صحة الخبر ولو قال قائل إن الخبر لا يثبت إلا بثمانية لقول الله تعالى في أصحاب الكهف وهم الحجة على أهل ذلك الزمان سبعة وثامنهم كلبهم ولا يجوز أن يكونوا ثمانية حتى يكون الكلب ثامنهم أو قال لا يثبت الخبر إلا بتسعة عشر لقول الله تعالى في خزنة جهنم حين ذكرها فقال عليها تسعة عشر لكان أيضا قولا وعددا مستخرجا من القرآن وهذه الاختيارات إنما اختلفت هذا الاختلاف لاختلاف عقول الناس وكل يختار على قدر عقله ولو رجعوا إلى أن الله تعالى إنما أرسل إلى الخلق كافة رسولا واحدا وأمرهم باتباعه وقبول قوله وأنه لم يرسل اثنين ولا أربعة ولا عشرين ولا سبعين في وقت واحد لدلهم ذلك على أن الصادق العدل صادق الخبر كما أن الرسول الواحد المبلغ عن الله تعالى صادق الخبر ولم يكن قصدنا لهذا الباب فنطيل فيه

قال أبو محمد وفسروا القرآن بأعجب تفسير يريدون أن يردوه إلى مذاهبهم ويحملوا التأويل على نحلهم فقال فريق منهم في قوله تعالى وسع كرسيه السماوات والأرض أي علمه وجاءوا على ذلك بشاهد لا يعرف وهو قول الشاعر

ولا يكرسي علم الله مخلوق كأنه عندهم ولا يعلم علم الله مخلوق والكرسي غير مهموز ويكرسئ مهموز يستوحشون أن يجعلوا لله تعالى كرسيا أو سريرا ويجعلون العرش شيئا آخر والعرب لا تعرف العرش إلا السرير وما عرش من السقوف والآبار يقول الله تعالى ورفع أبويه على العرش أي على السرير وأمية بن أبي الصلت يقول

مجدوا الله وهو للمجد أهل ** ربنا في السماء أمسى كبيرا

بالبناء الأعلى الذي سبق الناس ** وسوى فوق السماء سريرا

شرجعا ما ينله بصر العين ** ترى دونه الملائك صورا

وقال فريق منهم في قول الله تعالى ولقد همت به وهم بها إنها همت بالفاحشة وهم هو بالفرار منها أو الضرب لها والله تعالى يقول لولا أن رأى برهان ربه أفتراه أراد الفرار منها أو الضرب لها فلما رأى البرهان أقام عندها وليس يجوز في اللغة أن تقول هممت بفلان وهم بي وأنت تريد اختلاف الهمين حتى تكون أنت تهم بإهانته ويهم هو بإكرامك وإنما يجوز هذا الكلام إذا اتفق الهمان وقال فريق منهم في قول الله تعالى وعصى آدم ربه فغوى إنه أتخم من أكل الشجرة فذهبوا إلى قول العرب غوى الفصيل يغوى غوى إذا أكثر من شرب اللبن حتى يبشم وذلك غوى يغوي غيا وهو من البشم غوي يغوى غوى وقال فريق منهم في قول الله تعالى ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس أي ألقينا فيها يذهب إلى قول الناس ذرته الريح ولا يجوز أن يكون ذرأنا من ذرته الريح لأن ذرأنا مهموز وذرته الريح تذروه غير مهموز ولا يجوز أيضا أن نجعله من أذرته الدابة عن ظهرها أي ألقته لأن ذلك من ذرأت تقدير فعلت بالهمز وهذا من أذريت تقدير أفعلت بلا همز واحتج بقول المثقب العبدي

تقول إذا ذرأت لها وضيني ** أهذا دبنه أبدا وديني

وهذا تصحيف لأنه قال تقول إذا درأت أي دفعت بالدال غير معجمة وقالوا في قوله عز وجل وذا النون إذا ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه أنه ذهب مغاضبا لقومه استيحاشا من أن يجعلوه مغاضبا لربه مع عصمة الله فجعلوه خرج مغاضبا لقومه حين آمنوا ففروا إلى مثل ما استقبحوا وكيف يجوز أن يغضب نبي الله على قومه حين آمنوا وبذلك بعث وبه أمر وما الفرق بينه وبين عدو الله إن كان يغضب من إيمان مائة ألف أو يزيدون ولم يخرج مغاضبا لربه ولا لقومه وهذا مبين في كتابي المؤلف في مشكل القرآن ولم يكن قصدي في هذا الكتاب الإخبار عن هذه الحروف وأشباهها وإنما كان القصد به الإخبار عن جهلهم وجرأتهم على الله تعالى بصرف الكتاب إلى ما يستحسنون وحمل التأويل على ما ينتحلون وقالوا في قوله تعالى واتخذ الله إبراهيم خليلا أي فقيرا إلى رحمته وجعلوا من الخلة بفتح الخاء استيحاشا من أن يكون الله تعالى خليلا لأحد من خلقه واحتجوا بقول زهير

وإن أتاه خليل يوم مسألة ** يقول لا غائب مالي ولا حرم

أي إن أتاه فقير فأية فضيلة في هذا القول لإبراهيم أما تعلمون أن الناس جميعا فقراء إلى الله تعالى وهل إبراهيم في خليل الله إلا كما قيل موسى كليم الله وعيسى روح الله وقالوا في قوله تعالى وقالت اليهود يد الله مغلولة إن اليد ههنا النعمة لقول العرب لي عند فلان يد أي نعمة ومعروف وليس يجوز أن تكون اليد ههنا النعمة لأنه قال غلت أيديهم معارضة عما قالوه فيها ثم قال بل يداه مبسوطتان ولا يجوز أن يكون أراد غلت نعمهم بل نعمتاه مبسوطتان لأن النعم لا تغل ولأن المعروف لا يكنى عنه باليدين كما يكنى عنه باليد إلا أن يريد جنسين من المعروف فيقول لي عنده يدان ونعم الله تعالى أكثر من أن يحاط بها

قال أبو محمد وأعجب من هذه التفسير تفسير الروافض للقرآن وما يدعونه من علم باطنه بما وقع إليهم من الجفر الذي ذكره هارون بن سعد العجلي وكان رأس الزيدية فقال

ألم تر أن الرافضين تفرقوا ** فكلهم في جعفر قال منكرا

فطائفة قالوا إمام ومنهم ** طوائف سمته النبي المطهرا

ومن عجب لم أقضه جلد جفرهم ** برئت إلى الرحمن ممن تجفرا

برئت إلى الرحمن من كل رافض ** بصير بباب الكفر في الدين أعورا

إذا كف أهل الحق عن بدعة مضى ** عليها وإن يمضوا على الحق قصرا

ولو قال إن الفيل ضب لصدقوا ** ولو قال زنجي تحول أحمرا

وأخلف من بول البعير فإنه ** إذا هو للإقبال وجه أدبرا

فقبح أقوام رموه بفرية ** كما قال في عيسى الفرى من تنصرا

قال أبو محمد وهو جلد جفر ادعوا أنه كتب فيه لهم الإمام كل ما يحتاجون إلى علمه وكل ما يكون إلى يوم القيامة فمن ذلك قولهم في قول الله عز وجل وورث سليمان داود أنه الإمام وورث النبي علمه وقولهم في قول الله عز وجل إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة أنها عائشة رضي الله عنها وفي قوله تعالى فقلنا اضربوه ببعضها أنه طلحة والزبير وقولهم في الخمر والميسر إنهما أبو بكر وعمر رضي الله عنهما والجبت والطاغوت إنهما معاوية وعمرو بن العاص مع عجائب أرغب عن ذكرها ويرغب من بلغه كتابنا هذا عن استماعه وكان بعض أهل الأدب يقول ما أشبه تفسير الرافضة للقرآن إلا بتأويل رجل من أهل مكة للشعر فإنه قال ذات يوم ما سمعت بأكذب من بني تميم زعموا أن قول القائل

بيت زرارة محتب بفنائه ** ومجاشع وأبو الفوارس نهشل

أنه في رجال منهم قيل له فما تقول أنت فيهم قال البيت بيت الله وزرارة الحجر قيل فمجاشع قال زمزم جشعت بالماء قيل فأبو الفوارس قال أبو قبيس قيل له فنهشل قال نهشل أشده وفكر ساعة ثم قال نهشل مصباح الكعبة لأنه طويل أسود فذلك نهشل وهم أكثر أهل البدع افتراقا ونحلا فمنهم قول يقال لهم البيانية ينسبون إلى رجل يقال له بيان قال لهم إلي أشار الله تعالى إذ قال هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين وهم أول من قال بخلق القرآن ومنهم المنصورية أصحاب أبي منصور الكسف وكان قال لأصحابه في نزل قوله وإن يروا كسفا من السماء ساقطا ومنهم الخناقون والشداخون ومنهم الغرابية وهم الذين ذكروا أن عليا رضي الله عنه كان أشبه بالنبي من الغراب بالغراب فغلط جبريل عليه السلام حين بعث إلى علي لشبهه به

قال أبو محمد ولا نعلم في أهل البدع والأهواء أحدا ادعى الربوبية لبشر غيرهم فإن عبد الله بن سبأ ادعى الربوبية لعلي فأحرق علي أصحابه بالنار وقال في ذلك

لما رأيت الأمر أمرا منكرا ** أجحت ناري ودعوت قنبرا

ولا نعلم أحدا ادعى النبوة لنفسه غيرهم فإن المختار بن أبي عبيد ادعى النبوة لنفسه وقال إن جبريل وميكاءيل يأتيان إلى جهته فصدقه قوم واتبعوه وهم الكيسانية

ذكر أصحاب الحديث

[عدل]

قال أبو محمد فأما أصحاب الحديث فإنهم التمسوا الحق من وجهته وتتبعوه من مظانه وتقربوا من الله تعالى باتباعهم سنن رسول الله وطلبهم لآثاره وأخباره برا وبحرا وشرقا وغربا يرحل الواحد منهم راجلا مقويا في طلب الخبر الواحد أو السنة الواحدة حتى يأخذها من الناقل لها مشافهة ثم لم يزالوا في التنقير عن الأخبار والبحث لها حتى فهموا صحيحها وسقيمها وناسخها ومنسوخها وعرفوا من خالفها من الفقهاء إلى الرأي فنبهوا على ذلك حتى نجم الحق بعد أن كان عافيا وبسق بعد أن كان دارسا واجتمع بعد أن كان متفرقا وانقاد للسنن من كان عنها معرضا وتنبه عليها من كان عنها غافلا وحكم بقول رسول الله بعد أن كان يحكم بقول فلان وفلان وإن كان فيه خلاف على رسول الله وقد يعيبهم الطاعنون بحملهم الضعيف وطلبهم الغرائب في الغريب الداء ولم يحملوا الضعيف والغريب لأنهم رأوهما حقا بل جمعوا الغث والسمين والصحيح والسقيم ليميزوا بينهما ويدلوا عليهما وقد فعلوا ذلك فقالوا في الحديث المرفوع شرب الماء على الريق يعقد الشحم هو موضوع وضعه عاصم الكوزي وفي حديث بن عباس أنه كان يبصق في الدواة ويكتب منها وضعه عاصم الكوزي قالوا وحديث الحسن أن رسول الله لم يجز طلاق المريض موضوع وضعه سهل السراج قالوا وسهل كان يروى أنه رأى الحسن يصلي بين سطور القبور وهذا باطل لأن الحسن روى أن النبي نهى عن الصلاة بين القبور قالوا وحديث أنس أن رسول الله قال لا يزال الرجل راكبا ما دام منتعلا باطل وضعه أيوب بن خوط وحديث عمرو بن حريث رأيت النبي يشار بين يديه يوم العيد بالحراب هو باطل وضعه المنذر بن زياد وحديث بن أبي أوفى رأيت رسول الله يمس لحيته في الصلاة وضعه المنذر بن زياد وحديث يونس عن الحسن أن رسول الله نهى عن عشر كنى موضوع وضعه أبو عصمة قاضي مرو وقالوا في أحاديث موجودة على ألسنة الناس ليس لها أصل منها من سعادة المرء خفة عارضيه ومنها سموهم بأحب الأسماء إليهم وكنوهم بأحب الكنى إليهم ومنها خير تجارتكم البز وخير أعمالكم الخرز ومنها لو صدق السائل ما أفلح من رده ومنها الناس أكفاء إلا حائكا أو حجاما مع حديث كثير لا يحاط به قد رووه وأبطلوه وقال بن المبارك في أحاديث أبي بن كعب من قرأ سورة كذا فله كذا ومن قرأ سورة كذا فله كذا أظن الزنادقة وضعته وكذلك هذه الأحاديث التي يشنع بها عليهم من عرق الخيل وزغب الصدر وقفص الذهب وعيادة الملائكة هي كلها باطل لا طرق لها ولا رواة ولا نشك في وضع الزنادقة لها

قال أبو محمد وقد جاءت أحاديث صحاح مثل قلب المؤمن بين أصبعين من أصابع الرحمن وإن الله تعالى خلق آدم على صورته وكلتا يديه يمين ويحمل الله الأرض على أصبع ويجعل كذا على أصبع ولا تسبوا الريح فإنها من نفس الرحمن وكثافة جلد الكافر في النار أربعون ذراعا بذراع الجبار

قال أبو محمد ولهذه الأحاديث مخارج سنخبر بها في مواضعها من هذا الكتاب إن شاء الله وربما نسي الرجل منهم الحديث قد حدث به وحفظ عنه ويذاكر به فلا يعرفه ويخبر بأنه قد حدث به فيرويه عمن سمعه منه ضنا بالحديث الجيد ورغبة في السنة كرواية ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله قضى باليمين مع الشاهد قال ربيعة ثم ذاكرت سهيلا بهذا الحديث فلم يحفظه وكان بعد ذلك يرويه عن نفسه عن أبيه عن أبي هريرة وكرواية وكيع وأبي معاوية عن بن عيينة حديثين أحدهما عن بن أبي نجيح عن مجاهد قال حدثناه محمد بن هارون قال نا إبراهيم بن بشار قال نا بن عيينة عن أبي معاوية عن بن أبي نجيح عن مجاهد في قول الله يوم تمور السماء مورا قال تدور دورا وعن عمرو عن عكرمة في قول الله تعالى من صياصيهم قال الحصون فسئل بن عيينة عنهما فلم يعرفهما وحدث بن عيينة بهما عنهما عن نفسه وروى بن علية عن بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عمر بن عبد العزيز أنه كان لا يرى طلاق المكره شيئا فسأل عنه بن عيينة فلم يعرفه ثم حدث به بعد عن بن علية عن نفسه

قال أبو محمد وكان معتمر بن سليمان يقول حدثني منقذ عني عن أيوب عن الحسن قال ويح كلمة رحمة وقد نبهوا على الطرق الضعاف كحديث عمرو بن سعيد عن أبيه عن جده لأنها مأخوذة عندهم من كتاب وكان مغيرة لا يعبأ بحديث سالم بن أبي الجعد ولا بحديث خلاس ولا بصحيفة عبد الله بن عمرو وقال مغيرة كانت لعبد الله بن عمرو صحيفة تسمى الصادقة ما تسرني أنها لي بفلسين وقال حديث أصحاب عبد الله بن مسعود عن علي أصح من حديث أصحاب علي عنه وقال شعبة لأن أزني كذا وكذا زنية أحب إلي من أن أحدث عن أبان بن أبي عياش وأما طعنهم عليهم بقلة المعرفة لما يحملون وكثرة اللحن والتصحيف فإن الناس لا يتساوون جميعا في المعرفة والفضل وليس صنف من الناس إلا وله حشو وشوب فأين هذا الغائب لهم عن الزهري أعلم الناس بكل فن وحماد بن سلمة ومالك بن أنس وابن عون وأيوب ويونس بن عبيد وسليمان التيمي وسفيان الثوري ويحيى بن سعيد وابن جريج والأوزاعي وشعبة وعبد الله بن المبارك وأمثال هؤلاء من المتقنين على أن المنفرد بفن من الفنون لا يعاب بالزلل في غيره وليس على المحدث عيب أن يزل في الإعراب ولا على الفقيه أن يزل في الشعر وإنما يجب على كل ذي علم أن يتقن فنه إذا احتاج الناس إليه فيه وانعقدت له الرئاسة به وقد يجتمع للواحد علوم كثيرة والله يؤتى الفضل من يشاء وقد قيل لأبي حنيفة وكان في الفتيا ولطف النظر واحد زمانه ما تقول في رجل تناول صخرة فضرب به رأس رجل فقتله أتقيده به فقال لا ولو رماه بأبا قبيس وكان بشر المريسي يقول لجلسائه قضى الله لكم الحوائج على أحسن الأمور وأهنؤها فنظر قاسم التمار قوما يضحكون من قول بشر فقال هذا كما قال الشاعر

إن سليمى والله يكلؤها ** ضنت بشيء ما كان يرزؤها

وبشر رأس في الرأي وقاسم التمار متقدم في أصحاب الكلام واحتجاجه لبشر أعجب من لحن بشر وقال بلال لشبيب بن شيبة وهو يستعدي على عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر أحضرنيه فقال قد دعوته فكل ذلك يأبى علي قال بلال فالذنب لكل ولا أعلم أحدا من أهل العلم والأدب إلا وقد أسقط في علمه كالأصمعي وأبي زيد وأبي عبيدة وسيبويه والأخفش والكسائي والفراء وأبي عمرو الشيباني وكالأئمة من قراء القرآن والأئمة من المفسرين وقد أخذ الناس على الشعراء في الجاهلية والإسلام الخطأ في المعاني وفي الإعراب وهم أهل اللغة وبهم يقع الاحتجاج فهل أصحاب الحديث في سقطهم إلا كصنف من الناس على أنا لا نخلى أكثرهم من العذل في كتبنا في تركهم الاشتغال بعلم ما قد كتبوا والتفقه بما جمعوا وتهافتهم على طلب الحديث من عشرة أوجه وعشرين وجها وقد كان في الوجه الواحد الصحيح والوجهين مقنع لمن أراد الله عز وجل بعلمه حتى تنقضي أعمارهم ولم يحلوا من ذلك إلا بأسفار أتعبت الطالب ولم تنفع الوارث فمن كان من هذه الطبقة فهو عندنا مضيع لحظه مقبل على ما كان غيره أنفع له منه وقد لقبوهم بالحشوية والنابتة والمجبرة وربما قالوا الجبرية وسموهم الغثاء والغثر وهذه كلها أنباز لم يأت بها خبر عن رسول الله كما أتى عنه في القدرية أنهم مجوس هذه الأمة فإن مرضوا فلا تعودوهم وإن ماتوا فلا تشهدوا جنائزهم وفي الرافضة برواية ميمون بن مهران عن بن عباس قال سمعت رسول الله يقول يكون قوم في آخر الزمان يسمون الرافضة يرفضون الإسلام ويلفظونه فاقتلوهم فإنهم مشركون وفي المرجئة صنفان من أمتي لا تنالهم شفاعتي لعنوا على لسان سبعين نبيا المرجئة والقدرية وفي الخوارج يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية وهم كلاب أهل النار فهذه أسماء من رسول الله وتلك أسماء مصنوعة وقد يحمل بعضهم الحمية على أن يقول الجبرية هم القدرية ولو كان هذا الاسم يلزمهم لاستغنوا به عن الجبرية ولو ساغ هذا لأهل القدر لساغ مثله للرافضة والخوارج والمرجئة وقال كل فريق منهم لأهل الحديث مثل الذي قالته القدرية والأسماء لا تقع غير مواقعها ولا تلزم إلا أهلها ويستحيل أن تكون الصياقلة هم الأساكفة والنجار هو الحداد والفطرة التي فطر الناس عليها والنظر يبطل ما قذفوهم به أما الفطر فإن رجلا لو دخل المصر واستدل على القدرية فيه أو المرجئة لدله الصبي والكبير والمرأة والعجوز والعامي والخاصي والحشوة والرعاع على المسمين بهذا الاسم ولو استدل على أهل السنة لدلوه على أصحاب الحديث ولو مرت جماعة فيهم القدري والسني والرافضي والمرجئ والخارجي فقذف رجل القدرية أو لعنهم لم يكن المراد بالشتم أو اللعن عندهم أصحاب الحديث هذا أمر لا يدفعه دافع ولا ينكره منكر وأما النظر فإنهم أضافوا القدر إلى أنفسهم وغيرهم يجعله لله تعالى دون نفسه ومدعي الشيء لنفسه أولى بأن ينسب إليه ممن جعله لغيره ولأن الحديث جاءنا بأنهم مجوس هذه الأمة وهم أشبه قوم بالمجوس لأن المجوس تقول بإلهين وإياهم أراد الله بقوله لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد وقالت القدرية نحن نفعل مالا يريد الله تعالى ونقدر على مالا يقدر وبلغني أن رجلا من أصحاب الكلام قال لرجل من أهل الذمة ألا تسلم يا فلان فقال حتى يريد الله تعالى فقال له قد أراد الله ولكن إبليس لا يدعك فقال له الذمي فأنا مع أقواهما وحدثني إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد قال حدثنا قريش بن أنس قال سمعت عمرو بن عبيد يقول يؤتى بي يوم القيامة فأقام بين يدي الله فيقول لي لم قلت إن القاتل في النار فأقول أنت قلته ثم تلا هذه الآية ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها قلت له وما في البيت أصغر مني أرأيت إن قال لك قد قلت إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء من أين علمت أني لا أشاء أن أغفر قال فما استطاع أن يرد علي شيئا حدثني أبو الخطاب قال نا داود بن المفضل عن محمد بن المفضل عن محمد بن سليمان عن الأصبغ بن جامع عن أبيه قال كنت أطوف مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالبيت فأتى الملتزم بين الباب والحجر فألصق به بطنه وقال اللهم اغفر لي ما قضيته علي ولا تغفر لي ما لم تقضه علي وحدثني سهل بن محمد قال نا الأصمعي عن معاذ بن معاذ قال سمع الفضل الرقاشي رجلا يقول اللهم اجعلني مسلما فقال هذا محال فقال الرجل ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وحدثني سهل قال أنا الأصمعي عن أبي معشر المدني قال قال محمد بن كعب القرظي العباد أذل من أن يكون لأحد منهم في ملك الله تعالى شيء هو كاره أن يكون وحدثني سهل قال حدثنا الأصمعي قال قال أبو عمرو أشهد أن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء ولله علينا الحجة ومن قال تعال أخاصمك قلت له أغن عنا نفسك وحدثني أبو الخطاب قال أنا أبو داود عن الحسن بن أبي الحسن قال سمعت الحجاج يخطب وهو بواسط وهو يقول اللهم أرني الهدى هدى فأتبعه وأرني الضلالة ضلالة فأجتنبها ولا تلبس علي هداي فأضل ضلالا بعيدا

قال أبو محمد وهذا نحو قول الله تعالى وللبسنا عليهم ما يلبسون وقال عمرو بن عون القيسي وكان من البكائين حتى ذهب بصره سمعت سعيد بن أبي عروبة يقول ما في القرآن آية هي أشد علي من قول موسى إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء فقلت له فالقرآن يشتد عليك والله لا أكلمك كلمة أبدا فما كلمته حتى مات وحدثني إسحاق بن إبراهيم الشهيدي عن يحيى بن حميد الطويل عن عمرو بن النضر قال مررت بعمرو بن عبيد فجلست إليه فذكر شيئا فقلت ما هكذا يقول أصحابنا قال ومن أصحابك قلت أيوب وابن عون ويونس والتيمي فقال أولئك أرجاس أنجاس أموات غير أحياء

قال أبو محمد وهؤلاء الأربعة الذين ذكرهم غرة أهل زمانهم في العلم والفقه والاجتهاد في العبادة وطيب المطعم وقد درجوا على ما كان عليه من قبلهم من الصحابة والتابعين وهذا يدل على أن أولئك أيضا عند أرجاس أنجاس فإن ادعوا أن الذين درجوا من الصحابة والتابعين لم يكونوا على ما كان عليه هؤلاء وأنهم يقولون بمثل مقالتهم في القدر قلنا لهم فلم تعلقتم بالحسن وعمرو بن عبيد وغيلان ألا تعلقتم بعلي وابن مسعود وأبي عبيدة ومعاذ وسعيد بن المسيب وأشباه هؤلاء فإنهم كانوا أعظم في القدوة وأثبت في الحجة من قتادة والحسن وابن أبي عروبة وأما قولهم إنهم يكتبون الحديث عن رجال من مخالفيهم كقتادة وابن أبي نجيح وابن أبي ذئب ويمتنعون عن الكتاب عن مثلهم مثل عمرو بن عبيد وعمرو بن فائد ومعبد الجهني فإن هؤلاء الذين كتبوا عنهم أهل علم وأهل صدق في الرواية ومن كان بهذه المنزلة فلا بأس بالكتاب عنه والعمل بروايته إلا فيما اعتقده من الهوى فإنه لا يكتب عنه ولا يعمل به كما أن الثقة العدل تقبل شهادته على غيره ولا تقبل شهادته لنفسه ولا لابنه ولا لأبيه ولا فيما جر إليه نفعا أو دفع عنه ضرر وإنما منع من قبول قول الصادق فيما وافق نحلته وشاكل هواه لأن نفسه تريه أن الحق فيما اعتقده وأن القربة إلى الله عز وجل في تثبيته بكل وجه ولا يؤمن مع ذلك التحريف والزيادة والنقصان فإن قالوا فإن أهل المقالات المختلفة يرى كل فريق منهم أن الحق فيما اعتقده وأن مخالفه على ضلال وهوى وكذلك أصحاب الحديث فيما انتحلوا فمن أين علموا علما يقينا أنهم على الحق قيل لهم إن أهل المقالات وإن اختلفوا ورأى كل صنف منهم أن الحق فيما دعا إليه فإنهم مجمعون لا يختلفون على أن من اعتصم بكتاب الله عز وجل وتمسك بسنة رسول الله فقد استضاء بالنور واستفتح باب الرشد وطلب الحق من مظانه وليس يدفع أصحاب الحديث عن ذلك إلا ظالم لأنهم لا يردون شيئا من أمر الدين إلى استحسان ولا إلى قياس ونظر ولا إلى كتب الفلاسفة المتقدمين ولا إلى أصحاب الكلام المتأخرين فإن ادعوا عليهم الخطأ بحملهم الكذب والمتناقض قيل لهم أما الكذب والغلط والضعيف فقد نبهوا عليه على ما أعلمتك وأما المتناقض فنحن مخبروك بالمخارج منه ومنبهوك على ما تأخر عنه علمك وقصر عنه نظرك وبالله الثقة وهو المستعان

ذكر الأحاديث التي ادعوا عليها التناقض والأحاديث التي تخالف عندهم كتاب الله تعالى والأحاديث التي يدفعها النظر وحجة العقل

[عدل]

فمن ذلك حديث ذكروا أنه يخالف كتاب الله تعالى قالوا رويتم أن الله تعالى مسح على ظهر آدم عليه السلام وأخرج منه ذريته إلى يوم القيامة أمثال الذر وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى وهذا خلاف قول الله تعالى وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى لأن الحديث يخبر أنه أخذ من ظهر آدم والكتاب يخبر أنه أخذ من ظهور بني آدم

قال أبو محمد ونحن نقول إن ذلك ليس كما توهموا بل المعنيان متفقان بحمد الله ومنه صحيحان لأن الكتاب يأتي بجمل يكشفها الحديث واختصار تدل عليه السنة ألا ترى أن الله تعالى حين مسح ظهر آدم عليه السلام على ما جاء في الحديث فأخرج منه ذريته أمثال الذر إلى يوم القيامة أن في تلك الذرية الأبناء وأبناء الأبناء وأبناءهم إلى يوم القيامة فإذا أخذ من جميع أولئك العهد وأشهدهم على أنفسهم فقد أخذ من بني آدم جميعا من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ونحو هذا قول الله تعالى في كتابه ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فجعل قوله للملائكة اسجدوا لآدم بعد خلقناكم وصورناكم وإنما أراد بقوله تعالى خلقناكم وصورناكم خلقنا آدم وصورناه ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم وجاز ذلك لأنه حين خلق آدم خلقنا في صلبه وهيأنا كيف شاء فجعل خلقه لآدم خلقه لنا إذ كنا منه ومثل هذا مثل رجل أعطيته من الشاء ذكرا وأنثى وقلت له قد وهبت لك شاء كثيرا تريد أني وهبت لك بهبتي هذين الإثنين من النتاج شاء كثيرا وكان عمر بن عبد العزيز وهب لدكين الراجز ألف درهم فاشترى به دكين عدة من الإبل فرمى الله تعالى في أذنابها بالبركة فنمت وكثرت فكان دكين يقول هذه منائح عمر بن عبد العزيز ولم تكن كلها عطاءه وإنما أعطاه الآباء والأمهات فنسبها إليه إذ كانت نتائج ما وهب له ومما يشبه هذا قول العباس بن عبد المطلب في رسول الله

من قبلها طبت في الظلال وفي ** مستودع حيث يخصف الورق

يريد طبت في ظلال الجنة وفي مستودع يعني الموضع الذي استودعه من الجنة حيث يخصف الورق أي حيث خصف آدم وحواء عليهما من ورق الجنة وإنما أراد أنه كان إذ ذاك طيبا في صلب آدم ثم قال

ثم هبطت البلاد لا بشر ** أنت ولا مضغة ولا علق

يريد أن آدم هبط البلاد فهبطت في صلبه وأنت إذ ذاك لا بشر ولا مضغة ولا دم ثم قال

بل نطفة تركب السفين وقد ** ألجم نسرا وأهله الغرق

يريد أنك نطفة في صلب نوح حين ركب الفلك ثم قال

تنقل من صالب إلى رحم ** إذا مضى عالم بدا طبق

يريد أنه ينتقل في الأصلاب والأرحام فجعله طيبا وهابطا للبلاد وراكبا للسفن من قبل أن يخلق وإنما يريد بذلك آباءه الذين اشتملت أصلابهم عليه