بعد مائة عام
المظهر
بعد مائة عام
من هذه الرّوح و هذا الجبين
يضيء في مصر منار السّنين
أشعّة من بسمات المنى
و من رجاء كالصّباح المبين
و من قوى مشبوبة كاللّظى
عارمة، لا تنثني، لا تلين
خطّت بناء الملك ثم ارتقت
تبني له المجد الرّفيع المكين
أوّل بان أنت بعد الذي
شيّده فرعون في الأوّلين
قدّ من الصّخر تماثيله
حجارة خرساء ليست تبين
و أنت أطلعت منار الحجا
و شعلة العلم و فجر الفنون
بناء دنيا و حياة معا
عزّ به الشّعب الغبين المهين
بعثته خلقا جديدا إلى
منزلة عزّت على الطّامحين
قالوا: الحضارات، فقلت انظروا
أين كهذا الشّعب في المحسنين
من قطنه يلبس هذا الورى
و من يديه مغزل النّاسجين
و المدفع الصّخاب من صنعه
و الحمم الحمر كرات المنون
قد ماجت الأرض براياته
و خوّضت ملء البحار السفين
و جيشه منقذ أفريقيا
و حارس الشرق القويّ الأمين
بهؤلاء السّمر جبت الثّرى
و دنت في سلطانك العالمين
و من بنيك الصّيد أبطاله
و من كإبراهيم في الفاتحين؟
تاج البطولات على رأسه
مؤتلق و الغار فوق الجبين
من زخرف الوادي و أجرى به
جداول التّبر كماء معين؟
و أخضع النّهر لسلطانه
و هو إله ساد في الأقدمين؟
و من بنى تلك السّدود التي
تختزن السّحب و لا يمتلين؟
غوائث الأرض إذا أقلعت
حوامل الغيث الدّفوق الهتون
و من أتى الصحراء في دوّها
بهذه الأسوار شمّ الحصون؟
يا عبقريّ الدّهر إنّ الذي
صنعته معجزة الصّانعين
مهندس أنت سما فنّه
و عالم أوتي علم السّنين
أدركت ما للفنّ من قوة
فدنت بالقوّة فيما تدين
أبيات شعر أنا بنّاؤها
آجرّها اللفظ السريّ السّمين
ريمتها بعض خطوط كما
يرسم أفق الكون للنّاظرين
يبدأ فيها الفكر لا ينتهي
و تسبح الأعين لا يلتقين
لسيّد النّيل و فاروقه
رفعتها في موكب الخالدين
مولاي، من جدّك أنشودة
مزهرها التاريخ عذب الرّنين
ألهمها والداك المجتبي
و أنت من أبنائه الملهمين
و أنت من روحيهما آية
كآية الله إلى المرسلين
و صورة مشرقة سمحة
إطارها الحبّ و نور اليقين