الموئل البشري الثاني: إعلان من اللجنة الدولي
عقد مؤتمر الأمم المتحدة بشأن المستوطنات البشرية (الموئل البشري الثاني) في اسطنبول من 3 إلى 14 حزيران/يونيه 1996. وقد أدلي فيه جان فورستر، العضو في اللجنة الدولية وباسمها، ببيان عنوانه "بقاء السكان المدنيين في زمن الحرب". وفيما يلي بعض مقتطفات من هذا البيان.
إذ كانت المدن تتضرر في زمن السلم من اكتظاظ السكان، وتردي أحوال البيئة، وتهدم المساكن والبنية التحتية والخدمات، وكذلك من المشكلات الاجتماعية، فإن هذه المدن ذاتها تتعرض بصورة خطيرة بالأولي في زمن الحرب لمشكلات مأساوية ترتبط بتدمير الممتلكات التي لا غني عنها لبقاء السكان المدنيين، مثل الماء والمسكن والغذاء. ولما كانت اللجنة الدولية مكلفة من المجتمع الدولي بالعمل في سياقات كل نزاع مسلح، فإنني أود أن أحدثكم الآن عن هذه الإشكالية المحددة (...).
تطوير أشكال جديدة لمساعدة ضحايا الحروب
تحتم على اللجنة الدولية، كما تحتم على غيرها من المنظمات، أن تبتكر أشكالا جديدة للمساعدة، للرد على هذه المآسي. فظهرت إلى الوجود قطاعات جديدة لمواجهة هذه المشكلات الملحة حقا، وللسماح أيضا بالتغلب على الحالات العاجلة حتى لا تدوم، ويتمكن السكان من المعيشة من جديد والحياة في موئلهم الجديد أو استئناف أعمالهم في الأماكن التي خربتها هذه النكبات التي سببها الإنسان.
وبناء على ذلك، ظهرت إلى الوجود قطاعات جديدة مثل قطاع المياه وتطهير المياه، والقطاعات التي تدخل ضمن اختصاصات المهندسين الزراعيين والأطباء البيطريين، لأنه لم يعد بالإمكان التطرق إلى هذه الحالات العاجلة بالطريقة التقليدية. وفضلا عن ذلك، لما لم يكن بوسع برامج المساعدة التقليدية الباهظة التكاليف على الأجل الطويل أن تقدم سوي حلول جزئية، فقد تطلب الأمر التفكير في تقديم المساعدة على أساس ثابت تفاديا لخلق جماعة من المستفيدين الدائمين من المساعدة، وبغية إحياء الأمل لدي ملايين الضحايا في استنئاف الحياة من جديد.
توضيح مشكلة المياه الخطيرة
يكفي لتوضيح هذا النهج نذكر برنامج المساندة لمحطات وإنتاج مياه الشرب في العراق، وهو البرنامج الذي تديره اللجنة الدولية بالاشتراك مع اليونيسيف، فقد سمح ذلك البرنامج في عام 1995 بإعادة تشغيل نحو 90 محطة لضخ المياه أو لمعالجة المياه المستعملة، وإعادة تشغيل 62 محطة هذا العام (إحدى عشرة محطة في محافظات الشمال الثلاث، وتسع محطات في مدينة بغداد نفسها، واثنين وأربعين محطة في ثلاثة عشرة محافظة أخرى، بلغت ميزانيتها السنوية نحو خمسة ملايين فرنك سويسري).
غير أن المشكلات هائلة أيضا في بعض المناطق الأخرى، وفي روندا مثلا حيث تشمل مشروعات اللجنة الدولية التي تديرها بالاشتراك مع جمعيات وطنية للصليب الأحمر 35 بلدية في ثماني محافظات، وتزويد ملايين المواطنين الروانديين بمياه الشرب، وتجعلهم بذلك على وعي بقيمة هذا المورد الحيوي.
وبإمكاني أن أذكر الأوضاع السائدة في البوسنة الصومال، وبخاصة في مقديشيو، وفي الاتحاد الروسي (في جمهورية الشيشان) وفي بلدان أخرى حيث تسمح هذه البرامج بتزويد سكانها الذين يعيشون في وضع مزعزع بمياه الشرب، كما تسمح بإعادة تشغيل المنشآت وصيانتها لكي يتمكن هؤلاء الضحايا من استئناف حياتهم العادية تدريجيا.
مرحلة وسيطة بين تقديم المساعدات العاجلة وإعادة تشغيل المنشآت وتنفيذ برامج التنمية
الماء ما هو إلا أحد مقومات الحفاظ على الصحة، ولا يمكن بدونه تحقيق أي تنمية. وهذا المفهوم للصحة، بل للصحة العامة، هو الذي يتزايد مغزاه في كل تدخل سواء كان عاجلا أو على أجل أطول.
وبناء على ذلك، فإن بعض البرامج التي تنفذ في مجالات حيوية مثل برنامج المياه وتطهيرها أو برنامج توزيع موارد الإغاثة الغذائية أو غير الغذائية، تصحب الحالات العاجلة وتدمج في استراتيجية المساعدة الشاملة. ونكتفي هنا بالتذكير بأن اللجنة الدولية أشرفت على تلقيح مليون بقرة في جنوب السودان، وعلي علاج مليون جمل في الصومال، وعلي توزيع البذور وأدوات الزراعة على عشرات الآلاف من العائلات في بوروندي وجنوب السودان وأفغانستان، وكذلك على ضحايا النزاع في البوسنة، كي نكتشف إلى حد تولي اللجنة الدولية أهمية لهذه البرامج. ومن الملاحظ في هذا الصدد أن هذه البرامج تتجاوز الحالات العاجلة، وتسمح بضمان مرحلة وسيطة أكثر انسجاما بين الحرب والسلم، وبإعادة الأمل للسكان المتضررين في حياة أفضل في المستقبل. وهكذا، يتبين لنا أن اللجنة الدولية تلتزم أكثر فأكثر بتنفيذ برامج ذات مفهوم إنمائي، أو بصورة أدق بمفهوم استمرارية قوي (...).
- عن المجلة الدولية للصليب الأحمر، السنة التاسعة، العدد 50، تموز/يوليه-آب/أغسطس 1996، ص 485-487.