المغني - كتاب عشرة النساء والخلع

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

المغني موفق الدين أبو محمد عبد الله بن قدامة المقدسي الحنبلي

(الجزء الخامس الثلاثون – كتاب عشرة النساء والخلع) • كتاب عشرة النساء والخلع o فصل: إذا تزوج امرأة مثلها يوطأ فطلب تسليمها إليه وجب ذلك o فصل: للزوج إجبار زوجته على الغسل من الحيض والنفاس o فصل: طاعة الزوج أوجب على زوجته من طاعة أمها o فصل: ليس على المرأة خدمة زوجها من العجن والخبز والطبخ وأشباهه o فصل: إن وطئ زوجته في دبرها فلا حد عليه لأن له في ذلك شبهة ويعزر لفعله المحرم o فصل: لا بأس بالتلذذ بالزوجة بين الأليتين من غير إيلاج o فصل: كراهة العزل o فصل: يجوز العزل عن أمته بغير إذنها o فصل: إن عزل عن زوجته أو أمته ثم أتت بولد لحقه نسبه o فصل: آداب الجماع o فصل: ليس للرجل أن يجمع بين امرأتيه في مسكن واحد بغير رضاهما o فصل: غير ة سعد o مسألة: على الرجل أن يساوي بين زوجاته في القسم o فصل: قسم المريض والمجبوب والعنين والخنثى والخصي o فصل: المريضة والرتقاء والحائض والنفساء والمحرمة والصغيرة سواء في القسم o فصل: وجوب قسم الابتداء o فصل: الوطء واجب على الرجل إذا لم يكن له عذر o فصل: إن سافر الزوج عن امرأته لعذر وحاجة سقط حقها من القسم والوطء o فصل: هل يؤجر الرجل أن يأتي أهله وليس له شهوة؟ o فصل: ليس عليه التسوية بين نسائه في النفقة والكسوة إذا قام بالواجب لكل واحدة منهن o مسألة: عماد القسم الليل o فصل: دخول النهار في القسم تبعًا لليل o فصل: خروج الزوج من عند بعض نسائه في النهار أو أول الليل o فصل: دخول الزوج على ضرة زوجته إن كان ليلًا لم يجز إلا الضرورة o فصل: الأولى أن يكون لكل زوجة منهن مسكن يأتيها فيه o مسألة: لو وطئ زوجته ولم يطأ الأخرى فليس بعاص o مسألة: يقسم لزوجته الأمة ليلة وللحرة ليلتين وإن كانت كتابية o فصل: المسلمة والكتابية سواء في القسم o فصل: إن أعتقت الأمة في أثناء مدتها أضاف إلى ليلتها ليلة أخرى o فصل: الحق في القسم للأمة دون سيدها فلها أن تهب ليلتها لزوجها ولبعض ضرائرها o فصل: لا قسم على الرجل في ملك يمينه o فصل: يقسم بين نسائه ليلة ليلة فإن أحب الزيادة على ذلك لم يجز إلا برضاهن o فصل: إن كانت امرأتاه في بلدين فعليه العدل بينهما o فصل: يجوز للمرأة أن تهب حقها من القسم لزوجها أو لبعض ضرائرها o فصل: فإن بذلت ليلتها بمال لم يصح o مسألة: إذا سافرت زوجته بإذنه فلا نفقة لها ولا قسم وإن كان هو أشخصها فهي على حقها من ذلك o مسألة: إذا أراد سفرًا فلا يخرج معه منهن إلا بقرعة فإذا قدم ابتدأ القسم بينهن o فصل: قرعة السفر بإحدى الزوجات لا توجب وإنما تعين من تستحق o فصل: إذا أراد الانتقال بنسائه إلى بلد آخر فأمكنه استصحابهن كلهن في سفره فعل o فصل: كيفية القسم بين البكر والثيب o مسألة: إذا أعرس عند بكر أقام عندها سبعًا o فصل: للبكر سبع وللثيب ثلاث عند الدخول بهن o فصل: كراهة زفاف امرأتين لرجل واحد في ليلة واحدة o فصل: إذا كانت عنده امرأتان فبات عند إحداهما ليلة ثم تزوج ثالثة قبل ليلة الثانية o فصل: عماد القسم الليل o مسألة: التدرج في عقاب الزوجة اتي يخشى نشوزها o فصل: للزوج تأديب زوجته على ترك فرائض الله o فصل: إذا خافت المرأة نشوز زوجها وإعراضه عنها o فصل: إن غاب الزوجان أو أحدهما بعد بعث حكمين جاز للحكمين إمضاء رأيهما o فصل: إن شرط الحكمان شرطًا أو شرطه الزوجان لم يلزم

كتاب عشرة النساء والخلع: قال الله تعالى: {وعاشروهن بالمعروف} وقال تعالى: {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف} وقال أبو زيد: يتقون الله فيهن كما عليهن أن يتقين الله فيهم وقال ابن عباس: إني لأحب أن أتزين للمرأة, كما أحب أن تتزين لي لأن الله تعالى يقول: {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف} وقال الضحاك في تفسيرها: إذا أطعن الله وأطعن أزواجهن فعليه أن يحسن صحبتها, ويكف عنها أذاه وينفق عليها من سعته وقال بعض أهل العلم: التماثل ها هنا في تأدية كل واحد منهما ما عليه من الحق لصاحبه بالمعروف ولا يمطله به, ولا يظهر الكراهة بل ببشر وطلاقة ولا يتبعه أذى ولا منة لقول الله تعالى: {وعاشروهن بالمعروف} وهذا من المعروف, ويستحب لكل واحد منهما تحسين الخلق مع صاحبه والرفق به واحتمال أذاه لقول الله تعالى: {وبالوالدين إحسانا وبذي القربى} إلى قوله {والصاحب بالجنب} قيل: هو كل واحد من الزوجين وقال النبي --: (استوصوا بالنساء خيرا, فإنهن عوان عندكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله) رواه مسلم وقال النبي --: (إن المرأة خلقت من ضلع أعوج, لن تستقيم على طريقة فإن ذهبت تقيمها كسرتها وإن استمتعت بها استمتعت بها وفيها عوج) متفق عليه وقال (خياركم خياركم لنسائهم) رواه ابن ماجه وحق الزوج عليها أعظم من حقها عليه لقول الله تعالى: {وللرجال عليهن درجة} وقال النبي --: (لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد, لأمرت النساء أن يسجدن لأزواجهن لما جعل الله لهم عليهن من الحق) رواه أبو داود وقال: (إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى ترجع) متفق عليه (وقال لامرأة أذات زوج أنت؟ قالت: نعم قال: فإنه جنتك ونارك وقال: لا يحل لامرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه, ولا تأذن في بيته إلا بإذنه وما أنفقت من نفقة من غير إذنه فإنه يرد إليه شطره) رواه البخاري.

 فصل: 

إذا تزوج امرأة مثلها يوطأ, فطلب تسليمها إليه وجب ذلك وإن عرضت نفسها عليه لزمه تسلمها, ووجبت نفقتها وإن طلبها فسألت الإنظار أنظرت مدة جرت العادة أن تصلح أمرها فيها, كاليومين والثلاثة لأن ذلك يسير جرت العادة بمثله وقد قال النبي --: (لا تطرقوا النساء ليلا حتى تمتشط الشعثة, وتستحد المغيبة) فمنع من الطروق وأمر بإمهالها لتصلح أمرها مع تقدم صحبته لها فهاهنا أولى ثم إن كانت حرة, وجب تسليمها ليلا ونهارا وله السفر بها لأن النبي -- كان يسافر بنسائه إلا أن يكون سفرا مخوفا, فلا يلزمها ذلك وإن كانت أمة لم يلزم تسليمها إلا بالليل لأنها مملوكة عقد على إحدى منفعتيها فلم يلزم تسليمها في غير وقتها, كما لو أجرها لخدمة النهار لم يلزم تسليمها بالليل ويجوز للمولى بيعها (لأن النبي - - أذن لعائشة في شراء بريرة وهي ذات زوج ولا ينفسخ النكاح بذلك, بدليل أن بيع بريرة لم يبطل نكاحها).

 فصل: 

وللزوج إجبار زوجته على الغسل من الحيض والنفاس مسلمة كانت أو ذمية حرة كانت أو مملوكة لأنه يمنع الاستمتاع الذي هو حق له, فملك إجبارها على إزالة ما يمنع حقه وإن احتاجت إلى شراء الماء فثمنه عليه لأنه لحقه وله إجبار المسلمة البالغة على الغسل من الجنابة لأن الصلاة واجبة عليها ولا تتمكن منها إلا بالغسل فأما الذمية ففيها روايتان: إحداهما, له إجبارها عليه لأن كمال الاستمتاع يقف عليه فإن النفس تعاف من لا يغتسل من جنابة والثانية ليس له إجبارها عليه وهو قول مالك والثوري لأن الوطء لا يقف عليه, فإنه مباح بدونه وللشافعي قولان كالروايتين وفي إزالة الوسخ والدرن وتقليم الأظفار وجهان بناء على الروايتين في غسل الجنابة وتستوي في هذا المسلمة والذمية لاستوائهما في حصول النفرة ممن ذلك حالها وله إجبارها على إزالة شعر العانة إذا خرج عن العادة, رواية واحدة ذكره القاضي وكذلك الأظفار وإن طالا قليلا بحيث تعافه النفس ففيه وجهان وهل له منعها من أكل ما له رائحة كريهة, كالبصل والثوم والكرات؟ على وجهين أحدهما له منعها من ذلك لأنه يمنع القبلة وكمال الاستمتاع والثاني, ليس له منعها منه لأنه لا يمنع الوطء وله منعها من السكر وإن كانت ذمية لأنه يمنع الاستمتاع بها فإنه يزيل عقلها ويجعلها كالزق المنفوخ, ولا يأمن أن تجني عليه وإن أرادت شرب ما لا يسكرها فله منع المسلمة لأنهما يعتقدان تحريمه وإن كانت ذمية لم يكن له منعها منه نص عليه أحمد لأنها تعتقد إباحته في دينها وله إجبارها على غسل فمها منه ومن سائر النجاسات ليتمكن من الاستمتاع بفيها ويتخرج أن يملك منعها منه لما فيه من الرائحة الكريهة, وهو كالثوم وهكذا الحكم لو تزوج مسلمة تعتقد إباحة يسير النبيذ هل له منعها منه؟ على وجهين ومذهب الشافعي على نحو من هذا الفصل كله.

 فصل: 

وللزوج منعها من الخروج من منزله إلى ما لها منه بد سواء أرادت زيارة والديها أو عيادتهما, أو حضور جنازة أحدهما قال أحمد في امرأة لها زوج وأم مريضة: طاعة زوجها أوجب عليها من أمها إلا أن يأذن لها وقد روى ابن بطة, في " أحكام النساء " عن أنس (أن رجلا سافر ومنع زوجته من الخروج فمرض أبوها, فاستأذنت رسول الله -- في عيادة أبيها فقال لها رسول الله -- اتقي الله ولا تخالفي زوجك فمات أبوها, فاستأذنت رسول الله -- في حضور جنازته فقال لها: اتقي الله ولا تخالفي زوجك فأوحى الله إلى النبي -- إني قد غفرت لها بطاعة زوجها) ولأن طاعة الزوج واجبة, والعيادة غير واجبة فلا يجوز ترك الواجب لما ليس بواجب ولا يجوز لها الخروج إلا بإذنه ولكن لا ينبغي للزوج منعها من عيادة والديها, وزيارتهما لأن في ذلك قطيعة لهما وحملا لزوجته على مخالفته وقد أمر الله تعالى بالمعاشرة بالمعروف, وليس هذا من المعاشرة بالمعروف وإن كانت زوجته ذمية فله منعها من الخروج إلى الكنيسة لأن ذلك ليس بطاعة ولا نفع وإن كانت مسلمة, فقال القاضي: له منعها من الخروج إلى المساجد وهو مذهب الشافعي وظاهر الحديث يمنعه من منعها لقول النبي --: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله) وروي أن الزبير تزوج عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل فكانت تخرج إلى المساجد وكان غيورا, فيقول لها: لو صليت في بيتك فتقول: لا أزال أخرج أو تمنعني فكره منعها لهذا الخبر وقال أحمد في الرجل تكون له المرأة أو الأمة النصرانية يشتري لها زنارا؟ قال: لا بل تخرج هي تشتري لنفسها فقيل له: جاريته تعمل الزنانير؟ قال: لا.

 فصل: 

وليس على المرأة خدمة زوجها من العجن والخبز, والطبخ وأشباهه نص عليه أحمد وقال أبو بكر بن أبي شيبة وأبو إسحاق الجوزجاني: عليها ذلك واحتجا (بقصة علي وفاطمة فإن النبي -- قضى على ابنته فاطمة بخدمة البيت وعلى على ما كان خارجا من البيت من عمل) رواه الجوزجاني من طرق قال الجوزجاني: وقد قال النبي --: (لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد, لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها ولو أن رجلا أمر امرأته أن تنقل من جبل أسود إلى جبل أحمر أو من جبل أحمر إلى جبل أسود, كان عليها أن تفعل) ورواه بإسناده قال: فهذه طاعته فيما لا منفعة فيه فكيف بمؤنة معاشه؟ (وقد كان النبي -- يأمر نساءه بخدمته فقال: يا عائشة اسقينا يا عائشة أطعمينا, يا عائشة هلمي الشفرة واشحذيها بحجر) وقد روي (أن فاطمة أتت رسول الله -- تشكو إليه ما تلقى من الرحى وسألته خادما يكفيها ذلك) ولنا - أن المعقود عليه من جهتها الاستمتاع, فلا يلزمها غيره كسقي دوابه وحصاد زرعه فأما قسم النبي -- بين علي وفاطمة, فعلى ما تليق به الأخلاق المرضية ومجرى العادة لا على سبيل الإيجاب, كما قد روي عن أسماء بنت أبي بكر أنها كانت تقوم بفرس الزبير وتلتقط له النوى, وتحمله على رأسها ولم يكن ذلك واجبا عليها ولهذا لا يجب على الزوج القيام بمصالح خارج البيت ولا الزيادة على ما يجب لها من النفقة والكسوة, ولكن الأولى لها فعل ما جرت العادة بقيامها به لأنه العادة ولا تصلح الحال إلا به ولا تنتظم المعيشة بدونه.

 فصل: 

فإن وطئ زوجته في دبرها, فلا حد عليه لأن له في ذلك شبهة ويعزر لفعله المحرم وعليها الغسل لأنه إيلاج فرج في فرج, وحكمه حكم الوطء في القبل في إفساد العبادات وتقرير المهر ووجوب العدة وإن كان الوطء لأجنبية, وجب حد اللوطي ولا مهر عليه لأنه لم يفوت منفعة لها عوض في الشرع ولا يحصل بوطء زوجته في الدبر إحصان إنما يحصل بالوطء الكامل, وليس هذا بوطء كامل والإحلال للزوج الأول لأن المرأة لا تذوق به عسيلة الرجل ولا تحصل به الفينة ولا الخروج من العنة لأن الوطء فيهما لحق المرأة, وحقها الوطء في القبل ولا يزول به الاكتفاء بصمتها في الإذن بالنكاح لأن بكارة الأصل باقية.

 فصل: 

ولا بأس بالتلذذ بها بين الأليتين من غير إيلاج لأن السنة إنما وردت بتحريم الدبر فهو مخصوص بذلك ولأنه حرم لأجل الأذى, وذلك مخصوص بالدبر فاختص التحريم به.

 فصل: 

والعزل مكروه ومعناه أن ينزع إذا قرب الإنزال, فينزل خارجا من الفرج رويت كراهته عن عمر وعلي, وابن عمر وابن مسعود وروي ذلك عن أبي بكر الصديق أيضا لأن فيه تقليل النسل وقطع اللذة عن الموطوءة, وقد حث النبي -- على تعاطي أسباب الولد فقال: (تناكحوا تناسلوا, تكثروا) وقال: (سوداء ولود خير من حسناء عقيم) إلا أن يكون لحاجة مثل أن يكون في دار الحرب, فتدعوه حاجته إلى الوطء فيطأ ويعزل ذكر الخرقي هذه الصورة, أو تكون زوجته أمة فيخشى الرق على ولده أو تكون له أمة, فيحتاج إلى وطئها وإلى بيعها وقد روى عن علي رضي الله عنه أنه كان يعزل عن إمائه فإن عزل من غير حاجة كره ولم يحرم ورويت الرخصة فيه عن علي, وسعد بن أبي وقاص وأبي أيوب وزيد بن ثابت, وجابر وابن عباس والحسن بن علي, وخباب بن الأرت وسعيد بن المسيب وطاوس, وعطاء والنخعي ومالك, والشافعي وأصحاب الرأي وروى أبو سعيد قال: (ذكر - يعني - العزل, عند رسول الله -- قال: ولم يفعل ذلك أحدكم؟ ولم يقل: فلا يفعل فإنه ليس من نفس مخلوقة إلا الله خالقها) متفق عليه وعنه (أن رجلا قال: يا رسول الله إن لي جارية, وأنا أعزل عنها وأنا أكره أن تحمل وأنا أريد ما يريد الرجال, وإن اليهود تحدث أن العزل الموءودة الصغرى قال: كذبت يهود لو أراد الله أن يخلقه ما استطعت أن تصرفه) رواه أبو داود.

فصل: 

ويجوز العزل عن أمته بغير إذنها نص عليه أحمد وهو قول مالك وأبي حنيفة, والشافعي وذلك لأنه لا حق لها في الوطء ولا في الولد ولذلك لم تملك المطالبة بالقسم ولا الفيئة, فلأن لا تملك المنع من العزل أولى ولا يعزل عن زوجته الحرة إلا بإذنها قال القاضي: ظاهر كلام أحمد وجوب استئذان الزوجة في العزل ويحتمل أن يكون مستحبا لأن حقها في الوطء دون الإنزال بدليل أنه يخرج به من الفيئة والعنة وللشافعية في ذلك وجهان والأول أولى لما روي عن عمر رضي الله عنه قال: (نهى رسول الله -- أن يعزل عن الحرة إلا بإذنها) رواه الإمام أحمد, في " المسند " وابن ماجه ولأن لها في الولد حقا وعليها في العزل ضرر فلم يجز إلا بإذنها فأما زوجته الأمه, فيحتمل جواز العزل عنها بغير إذنها وهو قول الشافعي استدلالا بمفهوم هذا الحديث وقال ابن عباس: تستأذن الحرة ولا تستأذن الأمة ولأن عليه ضررا في استرقاق ولده بخلاف الحرة ويحتمل أن لا يجوز إلا بإذنها لأنها زوجة تملك المطالبة بالوطء في الفيئة, والفسخ عند تعذره بالعنة وترك العزل من تمامه فلم يجز بغير إذنها, كالحرة.

 فصل: 

فإن عزل عن زوجته أو أمته ثم أتت بولد لحقه نسبه لما روى أبو داود, عن جابر قال: (جاء رجل من الأنصار إلى رسول الله -- فقال: إن لي جارية وأنا أطوف عليها وأنا أكره أن تحمل, فقال: اعزل عنها إن شئت فإنه سيأتيها ما قدر لها) وقال أبو سعيد: كنت أعزل عن جارية لي فولدت أحب الناس إلى ولأن لحوق النسب حكم يتعلق بالوطء, فلم يعتبر فيه الإنزال كسائر الأحكام وقد قيل: إن الوطء في الفرج يحصل به الإنزال ولا يحس به.

 فصل: 

آداب الجماع تستحب التسمية قبله لقول الله تعالى: {وقدموا لأنفسكم} قال عطاء: هي التسمية عند الجماع وروى ابن عباس, قال: قال رسول الله --: (لو أن أحدكم حين يأتي أهله قال: بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فولد بينهما ولد, لم يضره الشيطان أبدا) متفق عليه ويكره التجرد عند المجامعة لما روى عتبة بن عبد قال: قال رسول الله --: (إذا أتى أحدكم أهله فليستتر ولا يتجرد تجرد العيرين) رواه ابن ماجه وعن عائشة, قالت: (كان رسول الله -- إذا دخل الخلاء غطى رأسه وإذا أتى أهله غطى رأسه) ولا يجامع بحيث يراهما أحد أو يسمع حسهما ولا يقبلها ويباشرها عند الناس قال أحمد: ما يعجبني إلا أن يكتم هذا كله وقال الحسن, في الذي يجامع المرأة والأخرى تسمع قال: كانوا يكرهون الوجس وهو الصوت الخفي ولا يتحدث بما كان بينه وبين أهله لما روي عن الحسن, قال: (جلس رسول الله -- بين الرجال والنساء فأقبل على الرجال فقال: لعل أحدكم يحدث بما يصنع بأهله إذا خلا؟ ثم أقبل على النساء فقال: لعل إحداكن تحدث النساء بما يصنع بها زوجها؟ قال: فقالت امرأة: إنهم ليفعلون, وإنا لنفعل فقال: لا تفعلوا فإنما مثل ذلكم كمثل شيطان لقي شيطانة فجامعها والناس ينظرون) وروى أبو داود, عن أبي هريرة عن النبي -- مثله بمعناه ولا يستقبل القبلة حال الجماع لأن عمرو بن حزم وعطاء, كرها ذلك ويكره الإكثار من الكلام حال الجماع لما روى قبيصة بن ذؤيب أن رسول الله -- قال: (لا تكثروا الكلام عند مجامعة النساء فإن منه يكون الخرس والفأفاء) ولأنه يكره الكلام حالة البول وحال الجماع في معناه, وأولى بذلك منه ويستحب أن يلاعب امرأته قبل الجماع لتنهض شهوتها فتنال من لذة الجماع مثل ما ناله وقد روى عن عمر بن عبد العزيز عن النبي - - أنه قال: (لا تواقعها إلا وقد أتاها من الشهوة مثل ما أتاك, لكي لا تسبقها بالفراغ قلت: وذلك إلي؟ قال: نعم إنك تقبلها وتغمزها, وتلمزها فإذا رأيت أنه قد جاءها مثل ما جاءك واقعتها) فإن فرغ قبلها, كره له النزع حتى تفرغ لما روى أنس بن مالك قال: قال رسول الله - -: (إذا جامع الرجل أهله فليصدقها ثم إذا قضى حاجته, فلا يعجلها حتى تقضى حاجتها) ولأن في ذلك ضررا عليها ومنعا لها من قضاء شهوتها ويستحب للمرأة أن تتخذ خرقة تناولها الزوج بعد فراغه, فيتمسح بها فإن عائشة قالت: ينبغي للمرأة إذا كانت عاقلة أن تتخذ خرقة فإذا جامعها زوجها, ناولته فمسح عنه ثم تمسح عنها, فيصليان في ثوبهما ذلك ما لم تصبه جنابة ولا بأس أن يجمع بين نسائه وإمائه بغسل واحد لما روى عن أنس قال: (سكبت لرسول الله - - من نسائه غسلا واحدا, في ليلة واحدة) فإن حدث الجنابة لا يمنع الوطء بدليل إتمام الجماع قال أحمد: إذا أراد أن يعود فأعجب إلى الوضوء فإن لم يفعل, فأرجو أن لا يكون به بأس ولأن الوضوء يزيده نشاطا ونظافة فاستحب وإن اغتسل بين كل وطأين فهو أفضل, فإن أبا رافع روى (أن رسول الله -- طاف على نسائه جميعا فاغتسل عند كل امرأة منهن غسلا فقلت: يا رسول الله, لو جعلته غسلا واحدا؟ قال: هذا أزكى وأطيب وأطهر) رواه أحمد في " المسند " وروى أحاديث هذا الفصل كلها أبو حفص العكبري وروى ابن بطة, بإسناده عن أبي سعيد قال: قال رسول الله --: (إذا جامع الرجل أول الليل ثم أراد أن يعود, توضأ وضوءه للصلاة).

 فصل: 

وليس للرجل أن يجمع بين امرأتيه في مسكن واحد بغير رضاهما صغيرا كان أو كبيرا لأن عليهما ضررا لما بينهما من العداوة والغيرة واجتماعهما يثير المخاصمة والمقاتلة, وتسمع كل واحدة منهما حسه إذا أتى إلى الأخرى أو ترى ذلك فإن رضيتا بذلك جاز لأن الحق لهما, فلهما المسامحة بتركه وكذلك إن رضيتا بنومه بينهما في لحاف واحد وإن رضيتا بأن يجامع واحدة بحيث تراه الأخرى, لم يجز لأن فيه دناءة وسخفا وسقوط مروءة فلم يبح برضاهما وإن أسكنهما في دار واحدة كل واحدة في بيت, جاز إذا كان ذلك مسكن مثلها.

 فصل: 

روى عن النبي -- أنه قال: (أتعجبون من غيرة سعد؟؟ لأنا أغير منه والله أغير مني) وعن على رضي الله عنه قال: بلغني أن نساءكم ليزاحمن العلوج في الأسواق, أما تغارون؟ إنه لا خير في من لا يغار وقال محمد بن علي بن الحسين: كان إبراهيم عليه السلام غيورا وما من امرئ لا يغار إلا منكوس القلب.

 مسألة: 

قال أبو القاسم: [وعلى الرجل أن يساوى بين زوجاته في القسم] لا نعلم بين أهل العلم في وجوب التسوية بين الزوجات في القسم خلافا وقد قال الله تعالى: {وعاشروهن بالمعروف} وليس مع الميل معروف وقال الله تعالى: (فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة) وروى أبو هريرة, قال: قال رسول الله --: (من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل) وعن عائشة قالت: (كان رسول الله -- يقسم بيننا فيعدل, ثم يقول: اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما لا أملك) رواهما أبو داود إذا ثبت هذا فإنه إذا كان عنده نسوة, لم يجز له أن يبتدئ بواحدة منهن إلا بقرعة لأن البداءة بها تفضيل لها والتسوية واجبة, ولأنهن متساويات في الحق ولا يمكن الجمع بينهن فوجب المصير إلى القرعة, كما لو أراد السفر بإحداهن فإن كانتا اثنتين كفاه قرعة واحدة ويصير في الليلة الثانية إلى الثانية بغير قرعة لأن حقها متعين وإن كن ثلاثا, أقرع في الليلة الثانية للبداية بإحدى الباقيتين وإن كن أربعا أقرع في الليلة الثالثة ويصير في الليلة الرابعة إلى الرابعة بغير قرعة ولو أقرع في الليلة الأولى فجعل سهما للأولى, وسهما للثانية وسهما للثالثة وسهما للرابعة, ثم أخرجها عليهن مرة واحدة جاز وكان لكل واحدة ما خرج لها.

 فصل: 

ويقسم المريض والمجبوب والعنين والخنثى والخصي وبذلك قال الثوري, والشافعي وأصحاب الرأي لأن القسم للأنس وذلك حاصل ممن لا يطأ وقد روت عائشة (أن رسول الله -- لما كان في مرضه, جعل يدور في نسائه ويقول: أين أنا غدا؟ أين أنا غدا؟) رواه البخاري فإن شق عليه ذلك استأذنهن في الكون عند إحداهن, كما فعل النبي -- قالت عائشة (إن رسول الله -- بعث إلى النساء فاجتمعن قال: إني لا أستطيع أن أدور بينكن فإن رأيتن أن تأذن لي, فأكون عند عائشة فعلتن فأذن له) رواه أبو داود فإن لم يأذن له أقام عند إحداهن بالقرعة أو اعتزلهن جميعا إن أحب فإن كان الزوج مجنونا لا يخاف منه, طاف به الولي عليهن وإن كان يخاف منه فلا قسم عليه لأنه لا يحصل منه أنس ولا فائدة وإن لم يعدل الولي في القسم بينهن, ثم أفاق المجنون فعليه أن يقضي للمظلومة لأنه حق ثبت في ذمته فلزمه إيفاؤه حال الإفاقة كالمال.

 فصل: 

ويقسم للمريضة, والرتقاء والحائض والنفساء, والمحرمة والصغيرة الممكن وطؤها وكلهن سواء في القسم وبذلك قال مالك, والشافعي وأصحاب الرأي ولا نعلم عن غيرهم خلافهم وكذلك التي ظاهر منها لأن القصد الإيواء والسكن والأنس, وهو حاصل لهن وأما المجنونة فإن كانت لا يخاف منها, فهي كالصحيحة وإن خاف منها فلا قسم لها لأنه لا يأمنها على نفسه, ولا يحصل لها أنس ولا بها.

 فصل: 

ويجب قسم الابتداء ومعناه أنه إذا كانت له امرأة لزمه المبيت عندها ليلة من كل أربع ليال, ما لم يكن عذر وإن كان له نساء فلكل واحدة منهن ليلة من كل أربع وبه قال الثوري وأبو ثور وقال القاضي, في " المجرد " لا يجب قسم الابتداء إلا أن يترك الوطء مصرا فإن تركه غير مصر لم يلزمه قسم, ولا وطء لأن أحمد قال: إذا وصل الرجل إلى امرأته مرة بطل أن يكون عنينا أي لا يؤجل وقال الشافعي: لا يجب قسم الابتداء بحال لأن القسم لحقه فلم يجب عليه ولنا قول (النبي -- لعبد الله بن عمرو بن العاص: يا عبد الله, ألم أخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل؟ قلت: بلى يا رسول الله قال: فلا تفعل صم, وأفطر وقم ونم فإن لجسدك عليك حقا وإن لعينك عليك حقا, وإن لزوجك عليك حقا) متفق عليه فأخبر أن للمرأة عليه حقا وقد اشتهرت قصة كعب بن سور ورواها عمر بن شبة في كتاب " قضاة البصرة " من وجوه إحداهن عن الشعبي أن كعب بن سور كان جالسا عند عمر بن الخطاب, فجاءت امرأة فقالت: يا أمير المؤمنين ما رأيت رجلا قط أفضل من زوجي, والله إنه ليبيت ليله قائما ويظل نهاره صائما فاستغفر لها وأثنى عليها واستحيت المرأة, وقامت راجعة فقال كعب: يا أمير المؤمنين هلا أعديت المرأة على زوجها؟ فقال: وما ذاك؟ فقال إنها جاءت تشكوه, إذا كانت حاله هذه في العبادة متى يتفرغ لها؟ فبعث عمر إلى زوجها فجاء, فقال لكعب: اقض بينهما فإنك فهمت من أمرهما ما لم أفهم قال: فإني أرى كأنها امرأة عليها ثلاث نسوة هي رابعتهن, فأقضى له بثلاثة أيام ولياليهن يتعبد فيهن ولها يوم وليلة فقال عمر: والله ما رأيك الأول بأعجب إلى من الآخر اذهب فأنت قاض على أهل البصرة وفي رواية, فقال عمر: نعم القاضي أنت وهذه قضية انتشرت فلم تنكر فكانت إجماعا ولأنه لو لم يكن حقا لم تستحق فسخ النكاح لتعذره بالجب والعنة, وامتناعه بالإيلاء ولأنه لو لم يكن حقا للمرأة لملك الزوج تخصيص إحدى زوجتيه به كالزيادة في النفقة على قدر الواجب إذا ثبت هذا, فقال أصحابنا: حق المرأة ليلة من كل أربع وللأمة ليلة من كل سبع لأن أكثر ما يمكن أن يجمع معها ثلاث حرائر ولها السابعة, والذي يقوى عندي أن لها ليلة من ثمان لتكون على النصف مما للحرة, فإن حق الحرة من كل ثمان ليلتان ليس لها أكثر من ذلك فلو كان للأمة ليلة من سبع لزاد على النصف, ولم يكن للحرة ليلتان وللأمة ليلة ولأنه إذا كان تحته ثلاث حرائر وأمه فلم يرد أن يزيدهن على الواجب لهن, فقسم بينهن سبعا فماذا يصنع في الليلة الثامنة؟ إن أوجبنا عليه مبيتها عند حرة فقد زادها على ما يجب لها, وإن باتها عند الأمة جعلها كالحرة ولا سبيل إليه وعلى ما اخترن تكون هذه الليلة الثامنة له, إن أحب انفرد فيها وإن أحب بات عند الأولى مستأنفا للقسم وإن كان عنده حرة وأمة قسم لهن ليال من ثمان, وله الانفراد في خمس وإن كان تحته حرتان وأمة فلهن خمس وله ثلاث وإن كان حرتان وأمتان فلهن ست وله اثنتان وإن كانت أمة واحدة, فلها ليلة وله سبع وعلى قولهم لها ليلة وله ست. فصل: والوطء واجب على الرجل إذا لم يكن له عذر وبه قال مالك وعلى قول القاضي: لا يجب إلا أن يتركه للإضرار وقال الشافعي لا يجب عليه لأنه حق له فلا يجب عليه, كسائر حقوقه ولنا ما تقدم في الفصل الذي قبله وفي بعض روايات حديث كعب أنه حين قضى بين الرجل وامرأته, قال: إن لها عليك حقا يا بــعل ** تصيبها في أربع لمن عدل فأعطها ذاك ودع عنك العلل ** فاستحسن عمر قضاءه ورضيه ولأنه حق واجب بالاتفاق وإذا حلف على تركه, فيجب قبل أن يحلف كسائر الحقوق الواجبة يحقق هذا أنه لو لم يكن واجبا, لم يصر باليمين على تركه واجبا كسائر ما لا يجب ولأن النكاح شرع لمصلحة الزوجين, ودفع الضرر عنهما وهو مفض إلى دفع ضرر الشهوة عن المرأة كإفضائه إلى دفع ذلك عن الرجل فيجب تعليله بذلك, ويكون النكاح حقا لهما جميعا ولأنه لو لم يكن لها فيه حق لما وجب استئذانها في العزل, كالأمة إذا ثبت وجوبه فهو مقدر بأربعة أشهر نص عليه أحمد ووجهه إن الله تعالى قدره بأربعة أشهر في حق المولى فكذلك في حق غيره لأن اليمين لا توجب ما حلف على تركه, فيدل على أنه واجب بدونها فإن أصر على ترك الوطء وطالبت المرأة فقد روى ابن منصور, عن أحمد في رجل تزوج امرأة ولم يدخل بها يقول: غدا أدخل بها, إلى شهر هل يجبر على الدخول؟ فقال: أذهب إلى أربعة أشهر إن دخل بها, وإلا فرق بينهما فجعله أحمد كالمولى وقال أبو بكر بن جعفر: لم يرو مسألة ابن منصور غيره وفيها نظر وظاهر قول أصحابنا أنه لا يفرق بينهما لذلك, وهو قول أكثر الفقهاء لأنه لو ضرب له المدة لذلك وفرق بينهم لم يكن للإيلاء أثر, ولا خلاف في اعتباره.

 فصل: 

وإن سافر عن امرأته لعذر وحاجة سقط حقها من القسم والوطء وإن طال سفره, ولذلك لا يصح نكاح المفقود إذا ترك لامرأته نفقة وإن لم يكن له عذر مانع من الرجوع فإن أحمد ذهب إلى توقيته بستة أشهر فإنه قيل له: كم يغيب الرجل عن زوجته؟ قال: ستة أشهر, يكتب إليه فإن أبى أن يرجع فرق الحاكم بينهما وإنما صار إلى تقديره بهذا الحديث عمر رواه أبو حفص, بإسناده عن زيد بن أسلم قال: بينما عمر بن الخطاب يحرس المدينة فمر بامرأة في بيتها وهي تقول: تطاول هذا الليل واسود جانبه ** وطال علي أن لا خليل ألاعبه ووالله لولا خشية الله وحـده ** لحرك من هذا السرير جوانبه فسأل عنها عمر فقيل له: هذه فلانة زوجها غائب في سبيل الله فأرسل إليها امرأة تكون معها, وبعث إلى زوجها فأقفله ثم دخل على حفصة فقال: يا بنية, كم تصبر المرأة عن زوجها؟ فقالت: سبحان الله مثلك يسأل مثلي عن هذا فقال: لولا إني أريد النظر للمسلمين ما سألتك قالت: خمسة أشهر ستة أشهر فوقت للناس في مغازيهم ستة أشهر يسيرون شهرا, ويقيمون أربعة ويسيرون شهرا راجعين وسئل أحمد كم للرجل أن يغيب عن أهله؟ قال: يروى ستة أشهر وقد يغيب الرجل أكثر من ذلك لأمر لا بد له فإن غاب أكثر من ذلك لغير عذر, فقال بعض أصحابنا: يراسله الحاكم فإن أبى أن يقدم فسخ نكاحه ومن قال: لا يفسخ نكاحه إذا ترك الوطء وهو حاضر فهاهنا أولى وفي جميع ذلك, لا يجوز الفسخ عند من يراه إلا بحكم حاكم لأنه مختلف فيه.

 فصل: 

وسئل أحمد يؤجر الرجل أن يأتي أهله وليس له شهوة؟ فقال: أي والله يحتسب الولد وإن لم يرد الولد؟ يقول: هذه امرأة شابة, لم لا يؤجر؟ وهذا صحيح فإن أبا ذر روى (أن رسول الله -- قال: مباضعتك أهلك صدقة قلت يا رسول الله أنصيب شهوتنا ونؤجر؟ قال: أرأيت لو وضعه في غير حقه كان عليه وزر؟ قال: قلت: بلى قال: أفتحتسبون بالسيئة, ولا تحتسبون بالخير) ولأنه وسيلة إلى الولد وإعفاف نفسه وامرأته وغض بصره, وسكون نفسه أو إلى بعض ذلك.

 فصل: 

وليس عليه التسوية بين نسائه في النفقة والكسوة إذا قام بالواجب لكل واحدة منهن قال أحمد في الرجل له امرأتان: له أن يفضل إحداهما على الأخرى في النفقة والشهوات والكسي إذا كانت الأخرى في كفاية, ويشتري لهذه أرفع من ثوب هذه وتكون تلك في كفاية وهذا لأن التسوية في هذا كله تشق فلو وجب لم يمكنه القيام به إلا بحرج, فسقط وجوبه كالتسوية في الوطء .

 مسألة: 

قال: [وعماد القسم الليل] لا خلاف في هذا وذلك لأن الليل للسكن والإيواء يأوي فيه الإنسان إلى منزله, ويسكن إلى أهله وينام في فراشه مع زوجته عادة والنهار للمعاش, والخروج والتكسب والاشتغال قال الله تعالى {وجعل الليل سكنا} وقال تعالى: {وجعلنا الليل لباسا وجعلنا النهار معاشا} وقال {ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله} فعلى هذا يقسم الرجل بين نسائه ليلة وليلة, ويكون في النهار في معاشه وقضاء حقوق الناس وما شاء مما يباح له, إلا أن يكون ممن معاشه بالليل كالحراس ومن أشبههم فإنه يقسم بين نسائه بالنهار, ويكون الليل في حقه كالنهار في حق غيره.

 فصل: 

والنهار يدخل في القسم تبعا لليل بدليل ما روي أن سودة وهبت يومها لعائشة متفق عليه وقالت عائشة (قبض رسول الله - - في بيتي وفي يومي وإنما قبض النبي -- نهارا) ويتبع اليوم الليلة الماضية لأن النهار تابع لليل ولهذا يكون أول الشهر الليل ولو نذر اعتكاف شهر دخل معتكفه قبل غروب شمس الشهر الذي قبله, ويخرج منه بعد غروب شمس آخر يوم منه فيبدأ بالليل وإن أحب أن يجعل النهار مضافا إلى الليل الذي يتعقبه جاز لأن ذلك لا يتفاوت.

 فصل: 

وإن خرج من عند بعض نسائه في زمانها فإن كان ذلك في النهار أو أول الليل, أو آخره الذي جرت العادة بالانتشار فيه والخروج إلى الصلاة جاز فإن المسلمين يخرجون لصلاة العشاء, ولصلاة الفجر قبل طلوعه وأما النهار فهو للمعاش والانتشار وإن خرج في غير ذلك, ولم يلبث أن عاد لم يقض لها لأنه لا فائدة في قضاء ذلك وإن أقام قضاه لها سواء كانت إقامته لعذر من شغل أو حبس, أو لغير عذر لأن حقها قد فات بغيبته عنها وإن أحب أن يجعل قضاءه لذلك غيبته عن الأخرى مثل ما غاب عن هذه جاز لأن التسوية تحصل بذلك ولأنه إذا جاز له ترك الليلة بكمالها في حق كل واحدة منهما, فبعضها أولى ويستحب أن يقضي لها في مثل ذلك الوقت لأنه أبلغ في المماثلة والقضاء تعتبر المماثلة فيه كقضاء العبادات والحقوق وإن قضاه في غيره من الليل, مثل إن فاتها في أول الليل فقضاه في آخره أو من آخره, فقضاه في أوله ففيه وجهان أحدهما يجوز لأنه قد قضى قدر ما فاته من الليل والآخر لا يجوز لعدم المماثلة إذا ثبت هذا, فإنه لا يمكن قضاؤه كله من ليلة الأخرى لئلا يفوت حق الأخرى فتحتاج إلى قضاء, ولكن إما أن ينفرد بنفسه في ليلة فيقضي منها وإما أن يقسم ليلة, بينهن ويفضل هذه بقدر ما فات من حقها وإما أن يترك من ليلة كل واحدة مثل ما فات من ليلة هذه, وإما أن يقسم المتروك بينهما مثل أن يترك من ليلة إحداهما ساعتين فيقضي لها من ليلة الأخرى ساعة واحدة, فيصير الفائت على كل واحدة منهما ساعة.

 فصل: 

وأما الدخول على ضرتها في زمنها فإن كان ليلا لم يجز إلا الضرورة مثل أن تكون منزولا بها, فيريد أن يحضرها أو توصي إليه أو ما لا بد منه, فإن فعل ذلك ولم يلبث أن خرج لم يقض وإن أقام وبرئت المرأة المريضة, قضى للأخرى من ليلتها بقدر ما أقام عندها وإن خرج لحاجة غير ضرورية أتم والحكم في القضاء كما لو دخل لضرورة, لأنه لا فائدة في قضاء اليسير وإن دخل عليها فجامعها في زمن يسير ففيه وجهان: أحدهما لا يلزمه قضاؤه لأن الوطء لا يستحق في القسم, والزمن اليسير لا يقضي والثاني يلزمه أن يقضيه وهو أن يدخل على المظلومة في ليلة المجامعة, فيجامعها ليعدل بينهما ولأن اليسير مع الجماع يحصل به السكن, فأشبه الكثير وأما الدخول في النهار إلى المرأة في يوم غيرها فيجوز للحاجة من دفع النفقة, أو عيادة أو سؤال عن أمر يحتاج إلى معرفته أو زيارتها لبعد عهده بها, ونحو ذلك لما روت عائشة قالت: (كان رسول الله -- يدخل على في يوم غيري فينال مني كل شيء إلا الجماع) وإذا دخل إليها لم يجامعها, ولم يطل عندها لأن السكن يحصل بذلك وهي لا تستحقه وفي الاستمتاع منها بما دون الفرج وجهان: أحدهما, يجوز لحديث عائشة والثاني لا يجوز لأنه يحصل لها به السكن فأشبه الجماع فإن أطال المقام عندها, قضاه وإن جامعها في الزمن اليسير ففيه وجهان على ما ذكرنا ومذهب الشافعي على نحو ما ذكرنا إلا أنهم قالوا: لا يقضي إذا جامع في النهار ولنا, أنه زمن يقضيه إذا طال المقام فيقضيه إذا جامع فيه كالليل.

 فصل: 

والأولى أن يكون لكل واحدة منهن مسكن يأتيها فيه لأن رسول الله -- كان يقسم هكذا, ولأنه أصون لهن وأستر حتى لا يخرجن من بيوتهن وإن اتخذ لنفسه منزلا يستدعي إليه كل واحدة منهن في ليلتها ويومها كان له ذلك لأن للرجل نقل زوجته حيث شاء, ومن امتنعت منهن من إجابته سقط حقها من القسم لنشوزها وإن اختار أن يقصد بعضهن في منازلهن ويستدعي البعض كان له ذلك لأن له أن يسكن كل واحدة منهن حيث شاء وإن حبس الزوج, فأحب القسم بين نسائه بأن يستدعي كل واحدة في ليلتها فعليهن طاعته, إن كان ذلك سكني مثلهن وإن لم يكن لم تلزمهن إجابته لأن عليهن في ذلك ضررا وإن أطعنه, لم يكن له أن يترك العدل بينهن ولا استدعاء بعضهن دون بعض كما في غير الحبس.

  مسألة: 

قال: [ولو وطئ زوجته, ولم يطأ الأخرى فليس بعاص] لا نعلم خلافا بين أهل العلم في أنه لا تجب التسوية بين النساء في الجماع, وهو مذهب مالك والشافعي وذلك لأن الجماع طريقه الشهوة والميل ولا سبيل إلى التسوية بينهن في ذلك فإن قلبه قد يميل إلى إحداهما دون الأخرى, قال الله تعالى: {ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم} قال عبيدة السلماني في الحب والجماع وإن أمكنت التسوية بينهما في الجماع كان أحسن وأولى فإنه أبلغ في العدل (وقد كان النبي -- يقسم بينهن فيعدل ثم يقول: اللهم هذا قسمي فيما أملك, فلا تلمني فيما لا أملك) وروي أنه كان يسوي بينهن حتى في القبل ولا تجب التسوية بينهن في الاستمتاع فيما دون الفرج من القبل واللمس ونحوهما لأنه إذا لم تجب التسوية في الجماع, ففي دواعيه أولى.

 مسألة: 

قال: [ويقسم لزوجته الأمة ليلة وللحرة ليلتين وإن كانت كتابية] وبهذا قال على بن أبي طالب وسعيد بن المسيب, ومسروق والشافعي وإسحاق وأبو عبيد وذكر أبو عبيد أنه مذهب الثوري والأوزاعي وأهل الرأي وقال مالك في إحدى الروايتين عنه: يسوي بين الحرة والأمة في القسم لأنهما سواء في حقوق النكاح من النفقة والسكنى وقسم الابتداء, كذلك ها هنا ولنا ما روي عن علي رضي الله عنه أنه كان يقول: إذا تزوج الحرة على الأمة قسم للأمة ليلة وللحرة ليلتين رواه الدارقطني, واحتج به أحمد ولأن الحرة يجب تسليمها ليلا ونهارا فكان حظها أكثر في الإيواء ويخالف النفقة والسكنى, فإنه مقدر بالحاجة وحاجتها إلى ذلك كحاجة الحرة وأما قسم الابتداء فإنما شرع ليزول الاحتشام من كل واحد منهما من صاحبه ولا يختلفان في ذلك, وفي مسألتنا يقسم لهما لتساوي حظهما.

 فصل: 

والمسلمة والكتابية سواء في القسم فلو كانت له امرأتان أمه مسلمة, وحرة كتابية قسم للأمة ليلة وللحرة ليلتين وإن كانتا جميعا حرتين, فليلة وليلة قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن القسم بين المسلمة والذمية سواء كذلك قال سعيد بن المسيب والحسن والشعبي والنخعي والزهري والحكم وحماد, ومالك والثوري والأوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي وذلك لأن القسم من حقوق الزوجية فاستوت فيه المسلمة والكتابية كالنفقة والسكنى ويفارق الأمة لأن الأمة لا يتم تسليمها, ولا يحصل لها الإيواء التام بخلاف الكتابية.

 فصل: 

فإن أعتقت الأمة في أثناء مدتها أضاف إلى ليلتها ليلة أخرى, لتساوي الحرة وإن كان بعد انقضاء مدتها استؤنف القسم متساويا, ولم يقض لها ما مضى لأن الحرية حصلت بعد استيفاء حقها وإن عتقت وقد قسم للحرة ليلة لم يزدها على ذلك لأنهما تساويا, فيسوي بينهما.

 فصل: 

والحق في القسم للأمة دون سيدها فلها أن تهب ليلتها لزوجها ولبعض ضرائرها, كالحرة وليس لسيدها الاعتراض عليها ولا أن يهبه دونها لأن الإيواء والسكن حق لها دون سيدها, فملكت إسقاطه وذكر القاضي أن قياس قول أحمد إنه يستأذن سيد الأمة في العزل عنها أن لا تجوز هبتها لحقها من القسم إلا بإذنه ولا يصح هذا لأن الوطء لا يتناوله القسم فلم يكن للولى فيه حق, ولأن المطالبة بالفيئة للأمة دون سيدها وفسخ النكاح بالجب والعنة لها دون سيدها فلا وجه لإثبات الحق له ها هنا.

 فصل: 

ولا قسم على الرجل في ملك يمينه, فمن كان له نساء وإماء فله الدخول على الإماء كيف شاء والاستمتاع بهن إن شاء كالنساء, وإن شاء أقل وإن شاء أكثر وإن شاء ساوى بين الإماء, وإن شاء فضل وإن شاء استمتع من بعضهن دون بعض بدليل قول الله تعالى: {فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم} وقد (كان للنبى - - مارية القبطية وريحانة, فلم يكن يقسم لهما) ولأن الأمة لا حق لها في الاستمتاع ولذلك لا يثبت لها الخيار بكون السيد مجبوبا أو عنينا, ولا تضرب لها مدة الإيلاء لكن إن احتاجت إلى النكاح فعليه إعفافها, إما بوطئها أو تزويجها أو بيعها.

 فصل: 

ويقسم بين نسائه ليلة ليلة فإن أحب الزيادة على ذلك لم يجز إلا برضاهن وقال القاضي: له أن يقسم ليلتين ليلتين, وثلاثا ثلاثا ولا تجوز الزيادة على ذلك إلا برضاهن والأولى مع هذا ليلة وليلة لأنه أقرب لعهدهن به وتجوز الثلاث لأنها في حد القلة فهي كالليلة, وهذا مذهب الشافعي ولنا أن النبي - - إنما قسم ليلة وليلة ولأن التسوية واجبة, وإنما جوز بالبداية بواحدة لتعذر الجمع فإذا بات عند واحدة ليلة, تعينت الليلة الثانية حقا للأخرى فلم يجز جعلها للأولى بغير رضاها ولأنه تأخير لحقوق بعضهن, فلم يجز بغير رضاهن كالزيادة على الثلاث ولأنه إذا كان له أربع نسوة, فجعل لكل واحدة ثلاثا حصل تأخير الأخيرة في تسع ليال وذلك كثير, فلم يجز كما لو كان له امرأتان فأراد أن يجعل لكل واحدة تسعا, ولأن للتأخير آفات فلا يجوز مع إمكان التعجيل بغير رضي المستحق كتأخير الدين الحال, والتحديد بالثلاث تحكم لا يسمع من غير دليل وكونه في حد القلة لا يوجب جواز تأخير الحق كالديون الحالة وسائر الحقوق. فصل: فإن كانت امرأتاه في بلدين, فعليه العدل بينهما لأنه اختار المباعدة بينهما فلا يسقط حقهما عنه بذلك فإما أن يمضي إلى الغائبة في أيامها, وإما أن يقدمها إليه ويجمع بينهما في بلد واحد فإن امتنعت من القدوم مع الإمكان, سقط حقها لنشوزها وإن أحب القسم بينهما في بلديهما لم يمكن أن يقسم ليلة وليلة فيجعل المدة بحسب ما يمكن, كشهر وشهر أو أكثر أو أقل, على حسب ما يمكنه وعلى حسب تقارب البلدين وتباعدهما.

 فصل: 

ويجوز للمرأة أن تهب حقها من القسم لزوجها أو لبعض ضرائرها, أو لهن جميعا ولا يجوز إلا برضا الزوج لأن حقه في الاستمتاع بها لا يسقط إلا برضاه فإذا رضيت هي والزوج جاز لأن الحق في ذلك لهما, لا يخرج عنهما فإن أبت الموهوبة قبول الهبة لم يكن لها ذلك لأن حق الزوج في الاستمتاع بها ثابت في كل وقت, إنما منعته المزاحمة بحق صاحبتها فإذا زالت المزاحمة بهبتها ثبت حقه في الاستمتاع بها, وإن كرهت كما لو كانت منفردة وقد ثبت أن (سودة وهبت يومها لعائشة فكان رسول الله -- يقسم لعائشة يومها ويوم سودة) متفق عليه ويجوز ذلك في جميع الزمان وفي بعضه, فإن سودة وهبت يومها في جميع زمانها وروى ابن ماجه عن عائشة (أن رسول الله -- وجد على صفية بنت حيي في شيء فقالت صفية لعائشة: هل لك أن ترضي عني رسول الله -- ولك يومي؟ فأخذت خمارا مصبوغا بزعفران, فرشته ليفوح ريحه ثم اختمرت به وقعدت إلى جنب النبي -- فقال رسول الله: إليك يا عائشة, إنه ليس يومك قالت: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء فأخبرته بالأمر فرضي عنها) فإذا ثبت هذا فإن وهبت ليلتها لجميع ضرائرها, صار القسم بينهن كما لو طلق الواهبة وإن وهبتها للزوج فله جعله لمن شاء لأنه لا ضرر على الباقيات في ذلك إن شاء جعله للجميع, وإن شاء خص بها واحدة منهن وإن شاء جعل لبعضهن فيها أكثر من بعض وإن وهبتها لواحدة منهن كفعل سودة جاز ثم إن كانت تلك الليلة تلي ليلة الموهوبة, وإلى بينهما وإن كانت لا تليها لم يجز له الموالاة بينهما, إلا برضا الباقيات ويجعلها لها في الوقت الذي كان للواهبة ولأن الموهوبة قامت مقام الواهبة في ليلتها فلم يجز تغييرها عن موضعها, كما لو كانت باقية للواهبة ولأن في ذلك تأخير حق غيرها وتغييرا لليلتها بغير رضاها, فلم يجز وكذلك الحكم إذا وهبتها للزوج فآثر بها امرأة منهن بعينها وفيه وجه آخر إنه يجوز الموالاة بين الليلتين لعدم الفائدة في التفريق والأول أصح, وقد ذكرنا فيه فائدة فلا يجوز اطراحها ومتى رجعت الواهبة في ليلتها فلها ذلك في المستقبل لأنها هبة لم تقبض, وليس لها الرجوع فيما مضى لأنه بمنزلة المقبوض ولو رجعت في بعض الليل كان على الزوج أن ينتقل إليها فإن لم يعلم حتى أتم الليلة, لم يقض لها شيئا لأن التفريط منها.

 فصل: 

فإن بذلت ليلتها بمال لم يصح لأن حقها في كون الزوج عندها وليس ذلك بمال, فلا يجوز مقابلته بمال فإذا أخذت عليه مالا لزمها رده, وعليه أن يقضي لها لأنها تركته بشرط العوض ولم يسلم لها, وإن كان عوضها غير المال مثل إرضاء زوجها أو غيره عنها, جاز فإن عائشة أرضت رسول الله -- عن صفية وأخذت يومها وأخبرت بذلك رسول الله -- فلم ينكره.

 مسألة: 

قال: [وإذا سافرت زوجته بإذنه, فلا نفقة لها ولا قسم وإن كان هو أشخصها, فهي على حقها من ذلك] وجملة الأمر أنها إذا سافرت في حاجتها بإذن زوجها لتجارة لها, أو زيارة أو حج تطوع أو عمرة, لم يبق لها حق في نفقة ولا قسم هكذا ذكر الخرقي والقاضي وقال أبو الخطاب في ذلك وجهان وللشافعي فيه قولان: أحدهما لا يسقط حقها لأنها سافرت بإذنه أشبه ما لو سافرت معه ولنا, أن القسم للأنس والنفقة للتمكين من الاستمتاع وقد تعذر ذلك بسبب من جهتها, فسقط كما لو تعذر ذلك قبل دخول بها وفارق ما إذا سافرت معه لأنه لم يتعذر ذلك ويحتمل أن يسقط القسم وجها واحدا لأنه لو سافر عنها لسقط قسمها, والتعذر من جهته فإذا تعذر من جهتها بسفرها كان أولى, ويكون في النفقة الوجهان وفي هذا تنبيه على سقوطهما إذا سافرت بغير إذنه فإنه إذا سقط حقها من ذلك لعدم التمكين بأمر ليس فيه نشوز ولا معصية فلأن يسقط بالنشوز والمعصية أولى وهذا لا خلاف فيه نعلمه فأما إن أشخصها, وهو أن يبعثها لحاجته أو يأمرها بالنقلة من بلدها لم يسقط حقها من نفقة ولا قسم لأنها لم تفوت عليه التمكين, ولا فات من جهتها وإنما حصل بتفويته فلم يسقط حقها, كما لو أتلف المشتري المبيع لم يسقط حق البائع من تسليم ثمنه إليه فعلى هذا يقضي لها بحسب ما أقام عند ضرتها وإن سافرت معه, فهي على حقها منهما جميعا.

 مسألة: 

قال: [وإذا أراد سفرا فلا يخرج معه منهن إلا بقرعة فإذا قدم ابتدأ القسم بينهن) وجملته أن الزوج إذا أراد سفرا, فأحب حمل نسائه معه كلهن أو تركهن كلهن لم يحتج إلى قرعة لأن القرعة لتعيين المخصوصة منهن بالسفر, وهاهنا قد سوى وإن أراد السفر ببعضهن لم يجز له أن يسافر بها إلا بقرعة وهذا قول أكثر أهل العلم وحكي عن مالك أن له ذلك من غير قرعة وليس بصحيح فإن عائشة روت (أن النبي -- كان إذا أراد سفرا, أقرع بين نسائه وأيتهن خرج سهمها خرج بها معه) متفق عليه ولأن في المسافرة ببعضهن من غير قرعة تفضيلا لها, وميلا إليها فلم يجز بغير قرعة كالبداية بها في القسم وإن أحب المسافرة بأكثر من واحدة أقرع أيضا, فقد روت عائشة (أن النبي -- كان إذا خرج أقرع بين نسائه فصارت القرعة لعائشة وحفصة) رواه البخاري ومتى سافر بأكثر من واحدة سوى بينهن كما يسوي بينهن في الحضر, ولا يلزمه القضاء للحاضرات بعد قدومه وهذا معنى قول الخرقي " فإذا قدم ابتدأ القسم بينهن " وهذا قول أكثر أهل العلم وحكي عن داود أنه يقضي لقول الله تعالى: (فلا تميلوا كل الميل) ولنا أن عائشة لم تذكر قضاء في حديثها ولأن هذه التي سافر بها يلحقها من مشقة السفر بإزاء ما حصل لها من السكن, ولا يحصل لها من السكن مثل ما يحصل في الحضر فلو قضى للحاضرات لكان قد مال على المسافرة كل الميل, لكن إن سافر بإحداهن بغير قرعة أثم وقضى للبواقي بعد سفره وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة, ومالك: لا يقضي لأن قسم الحضر ليس بمثل لقسم السفر فيتعذر القضاء ولنا أنه خص بعضهن بمدة, على وجه تلحقه التهمة فيه فلزمه القضاء كما لو كان حاضرا إذا ثبت هذا, فينبغي أن لا يلزمه قضاء المدة وإنما يقضي منها ما أقام منها معها بمبيت ونحوه فأما زمان السير, فلم يحصل لها منه إلا التعب والمشقة فلو جعل للحاضرة في مقابلة ذلك مبيتا عندها واستمتاعا بها لمال كل الميل.

 فصل: 

إذا خرجت القرعة لإحداهن, لم يجب عليه السفر بها وله تركها والسفر وحده لأن القرعة لا توجب وإنما تعين من تستحق التقديم وإن أراد السفر بغيرها, لم يجز لأنها تعينت بالقرعة فلم يجز العدول عنها إلى غيرها وإن وهبت حقها من ذلك لغيرها جاز إذا رضي الزوج لأن الحق لها, فصحت هبتها له كما لو وهبت ليلتها في الحضر ولا يجوز بغير رضي الزوج لما ذكرنا في هبة الليلة في الحضر وإن وهبته للزوج أو للجميع, جاز وإن امتنعت من السفر معه سقط حقها إذا رضي الزوج وإن أبى, فله إكراهها على السفر معه لما ذكرنا وإن رضي بذلك أستأنف القرعة بين البواقي وإن رضي الزوجات كلهن بسفر واحدة معه من غير قرعة جاز لأن الحق لهن, إلا أن لا يرضى الزوج ويريد غير من اتفقن عليها فيصار إلى القرعة ولا فرق في جميع ما ذكرنا بين السفر الطويل والقصير لعموم الخبر والمعنى وذكر القاضي احتمالا ثانيا, أنه يقضي للبواقي في السفر القصير لأنه في حكم الإقامة وهو وجه لأصحاب الشافعي ولنا أنه سافر بها بقرعة, فلم يقض كالطويل ولو كان في حكم الإقامة لم يجز المسافرة بإحداهن دون الأخرى كما لا يجوز إفراد إحداهن بالقسم دون الأخرى ومتى سافر بإحداهن بقرعة, ثم بدا له بعد السفر نحو أن يسافر إلى بيت المقدس ثم يبدو له فيمضي إلى مصر, فله استصحابها معه لأنه سفر واحد قد أقرع له وإن أقام في بلدة مدة إحدى وعشرين صلاة فما دون لم يحتسب عليه بها لأنه في حكم السفر تجري عليه أحكامه وإن زاد على ذلك, قضى الجميع مما أقامه لأنه خرج عن حكم السفر وإن أزمع على المقام قضى ما أقامه وإن قل لأنه خرج عن حكم السفر ثم إذا خرج بعد ذلك إلى بلده أو بلد أخرى, لم يقض ما سافره لأنه في حكم السفر الواحد وقد أقرع له. فصل: وإذا أراد الانتقال بنسائه إلى بلد آخر فأمكنه استصحابهن كلهن في سفره فعل, ولم يكن له إفراد إحداهن به لأن هذا السفر لا يختص بواحدة بل يحتاج إلى نقل جميعهن فإن خص إحداهن, قضى للباقيات كالحاضر فإن لم يمكنه صحبة جميعهن أو شق عليه ذلك, وبعث بهن جميعا مع غيره ممن هو محرم لهن جاز ولا يقضي لأحد, ولا يحتاج إلى قرعة لأنه سوى بينهن وإن أراد إفراد بعضهن بالسفر معه لم يجز إلا بقرعة فإذا وصل إلى البلد الذي انتقل إليه فأقامت معه فيه, قضى للباقيات مدة كونها معه في البلد خاصة لأنه صار مقيما وانقطع حكم السفر عنه.

 فصل: 

إذا كانت له امرأة فتزوج أخرى, وأراد السفر بهما جميعا قسم للجديدة سبعا إن كانت بكرا وثلاثا إن كانت ثيبا, ثم يقسم بعد ذلك بينها وبين القديمة وإن أراد السفر بإحداهما أقرع بينهما فإن خرجت قرعة الجديدة, سافر بها معه ودخل حق العقد في قسم السفر لأنه نوع قسم وإن وقعت القرعة للأخرى سافر بها, فإذا حضر قضى للجديدة حق العقد لأنه سافر بعد وجوبه عليه وإن تزوج اثنتين وعزم على السفر, أقرع بينهما فسافر بالتي تخرج لها القرعة ويدخل حق العقد في قسم السفر, فإذا قدم قضى للثانية حق العقد في أحد الوجهين لأنه حق وجب لها قبل سفره, لم يؤده إليها فلزمه قضاؤه كما لو لم يسافر بالأخرى معه والثاني, لا يقضيه لئلا يكون تفضيلا لها على التي سافر بها لأنه لا يحصل للمسافرة من الإيواء والسكن والمبيت عندها مثل ما يحصل في الحضر, فيكون ميلا فيتعذر قضاؤه فإن قدم من سفره قبل مضى مدة ينقضي فيها حق عقد الأولى أتمه في الحضر وقضى للحاضرة مثله, وجها واحدا وفيما زاد الوجهان ويحتمل في المسألة الأولى وجها ثالثا وهو أن يستأنف قضاء حق العقد لكل واحدة منهما, ولا يحتسب على المسافرة بمدة سفرها كما لا يحتسب به عليها فيما عدا حق العقد وهذا أقرب إلى الصواب من إسقاط حق العقد الواجب بالشرع بغير مسقط.

 مسألة: 

قال: [وإذا أعرس عند بكر أقام عندها سبعا, ثم دار ولا يحتسب عليها بما أقام عندها وإن كانت ثيبا, أقام عندها ثلاثا ثم دار ولا يحتسب عليها أيضا بما أقام عندها] متى تزوج صاحب النسوة امرأة جديدة قطع الدور, وأقام عندها سبعا إن كانت بكرا ولا يقضيها للباقيات وإن كانت ثيبا أقام عندها ثلاثا, ولا يقضيها إلا أن تشاء هي أن يقيم عندها سبعا فإنه يقيمها عندها, ويقضي الجميع للباقيات روي ذلك عن أنس وبه قال الشعبي والنخعي ومالك والشافعي وإسحاق وأبو عبيد وابن المنذر وروى عن سعيد بن المسيب والحسن وخلاس بن عمرو ونافع مولى ابن عمر: للبكر ثلاث وللثيب ليلتان ونحوه قال الأوزاعي وقال الحكم وحماد وأصحاب الرأي: لا فضل للجديدة في القسم, فإن أقام عندها شيئا قضاه للباقيات لأنه فضلها بمدة فوجب قضاؤها كما لو أقام عند الثيب سبعا ولنا, ما روى أبو قلابة عن أنس قال: من السنة إذا تزوج البكر على الثيب, أقام عندها سبعا وقسم وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثا, ثم قسم قال أبو قلابة: لو شئت لقلت: أن أنسا رفعه إلى النبي -- متفق عليه وعن أم سلمة (أن رسول الله -- لما تزوج أم سلمة أقام عندها ثلاثا وقال: ليس بك على أهلك هوان, إن شئت سبعت لك وإن سبعت لك سبعت لنسائي) رواه مسلم وفي لفظ: (وإن شئت ثلثت ثم درت) وفي لفظ: (وإن شئت زدتك ثم حاسبتك به, للبكر سبع وللثيب ثلاث) وفي لفظ رواه الدارقطني: (إن شئت أقمت عندك ثلاثا خالصة لك وإن شئت سبعت لك, ثم سبعت لنسائي) وهذا يمنع قياسهم ويقدم عليه قال ابن عبد البر الأحاديث المرفوعة في هذا الباب على ما قلناه وليس مع من خالفنا حديث مرفوع والحجة مع من أدلى بالسنة

 فصل: 

والأمة والحرة في هذا سواء ولأصحاب الشافعي في هذا ثلاثة أوجه: أحدهما: كقولنا والثاني: الأمة على النصب من الحرة, كسائر القسم والثالث: للبكر من الإماء أربع وللثيب ليلتان تكميلا لبعض الليلة ولنا عموم قوله عليه السلام: (للبكر سبع, وللثيب ثلاث) ولأنه يراد للأنس وإزالة الاحتشام والأمة والحرة سواء في الحاجة إليه فاستويا فيه, كالنفقة.

 فصل: 

يكره أن يزف إليه امرأتان في ليلة واحدة أو في مدة حق عقد إحداهما لأنه لا يمكنه أن يوفيهما حقهما وتستضر التي لا يوفيها حقها وتستوحش فإن فعل, فأدخلت إحداهما قبل الأخرى بدأ بها فوفاها حقها, ثم عاد فوفى الثانية ثم ابتدأ القسم وإن زفت الثانية في أثناء مدة حق العقد أتمه للأولى, ثم قضى حق الثانية وإن أدخلتا عليه جميعا في مكان واحد أقرع بينهما وقدم من خرجت لها القرعة منهما, ثم وفي الأخرى بعدها.

 فصل: 

وإذا كانت عنده امرأتان فبات عند إحداهما ليلة ثم تزوج ثالثة قبل ليلة الثانية, قدم المزفوفة بلياليها لأن حقها آكد لأنه ثبت بالعقد وحق الثانية ثبت بفعله, فإذا قضى حق الجديدة بدأ بالثانية فوفاها ليلتها, ثم يبيت عند الجديدة ثم يبتدئ القسم وذكر القاضي أنه إذا وفي الثانية ليلتها بات عند الجديدة نصف ليلة ثم يبتدئ القسم لأن الليلة التي يوفيها للثانية نصفها من حقها ونصفها من حق الأخرى, فيثبت للجديدة في مقابلة ذلك نصف ليلة بإزاء ما حصل لكل واحدة من ضرتيها وعلى هذا القول يحتاج أن ينفرد بنفسه في نصف ليلة وفيه حرج فإنه ربما لا يجد مكانا ينفرد فيه, أو لا يقدر على الخروج إليه في نصف الليلة أو المجيء منه وفيما ذكرناه من البداية بها بعد الثانية وفاء بحقها بدون هذا الحرج, فيكون أولى إن شاء الله.

 فصل: 

وحكم السبعة والثلاثة التي يقيمها عند المزفوفة حكم سائر القسم في أن عماده الليل, وله الخروج نهارا لمعاشه وقضاء حقوق الناس وإن تعذر عليه المقام عندها ليلا لشغل أو حبس, أو ترك ذلك لغير عذر قضاه لها وله الخروج لصلاة الجماعة فإن النبي -- لم يكن يترك الجماعة لذلك, ويخرج لما لا بد له منه فإن أطال قضاه وإن كان يسيرا فلا قضاء عليه.

 مسألة: 

قال: [وإذا ظهر منها ما يخاف معه نشوزها وعظها فإن أظهرت نشوزا هجرها, فإن أردعها وإلا فله أن يضربها ضربا لا يكون مبرحا) معنى النشوز معصية الزوج فيما فرض الله عليها من طاعته مأخوذ من النشز, وهو الارتفاع فكأنها ارتفعت وتعالت عما فرض الله عليها من طاعته فمتى ظهرت منها أمارات النشوز, مثل أن تتثاقل وتدافع إذا دعاها ولا تصير إليه إلا بتكره ودمدمة فإنه يعظها, فيخوفها الله سبحانه ويذكر ما أوجب الله له عليها من الحق والطاعة وما يلحقها من الإثم بالمخالفة والمعصية, وما يسقط بذلك من حقوقها من النفقة والكسوة وما يباح له من ضربها وهجرها لقول الله تعالى {واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن} فإن أظهرت النشوز, وهو أن تعصيه وتمتنع من فراشه أو تخرج من منزله بغير إذنه, فله أن يهجرها في المضجع لقول الله تعالى: {واهجروهن في المضاجع} قال ابن عباس لا تضاجعها في فراشك فأما الهجران في الكلام فلا يجوز أكثر من ثلاثة أيام لما روى أبو هريرة أن النبي -- قال: {لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام} وظاهر كلام الخرقي أنه ليس له ضربها في النشوز في أول مرة وقد روي عن أحمد إذا عصت المرأة زوجها, فله ضربها ضربا غير مبرح فظاهر هذا إباحة ضربها بأول مرة لقول الله تعالى: {واضربوهن} ولأنها صرحت بالمنع فكان له ضربها كما لو أصرت ولأن عقوبات المعاصي لا تختلف بالتكرار وعدمه كالحدود ووجه قول الخرقي المقصود زجرها عن المعصية في المستقبل, وما هذا سبيله يبدأ فيه بالأسهل فالأسهل كمن هجم منزله فأراد إخراجه وأما قوله: {واللاتي تخافون نشوزهن} الآية ففيها إضمار تقديره واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن, فإن نشزن فاهجروهن في المضاجع فإن أصررن فاضربوهن كما قال سبحانه: {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض} والذي يدل على هذا أنه رتب هذه العقوبات على خوف النشوز ولا خلاف في أنه لا يضربها لخوف النشوز قبل إظهاره وللشافعي قولان كهذين فإن لم ترتدع بالوعظ والهجر, فله ضربها لقوله تعالى: {واضربوهن} وقال النبي - - {إن لكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه فإن فعلن فاضربوهن ضربا غير مبرح) رواه مسلم ومعنى " غير مبرح " أي ليس بالشديد قال الخلال: سألت أحمد بن يحيى عن قوله: " ضربا غير مبرح " قال: غير شديد وعليه أن يجتنب الوجه والمواضع المخوفة لأن المقصود التأديب لا الإتلاف وقد روى أبو داود عن (حكيم بن معاوية القشيري, عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: أن تطعمها إذا طعمت, وتكسوها إذا اكتسيت ولا يقبح ولا يهجر إلا في البيت) وروى عبد الله بن زمعة, عن النبي -- قال: (لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد ثم يضاجعها في آخر اليوم ولا يزيد في ضربها على عشرة أسواط لقول رسول الله - -: لا يجلد أحد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله) متفق عليه.

 فصل: 

وله تأديبها على ترك فرائض الله وسأل إسماعيل بن سعيد أحمد عما يجوز ضرب المرأة عليه, قال: على ترك فرائض الله وقال في الرجل له امرأة لا تصلي: يضربها ضربا رفيقا غير مبرح وقال علي رضي الله عنه في تفسير قوله تعالى: {قوا أنفسكم وأهليكم نارا} قال: علموهم أدبوهم وروى أبو محمد الخلال بإسناده عن جابر قال: قال رسول الله --: (رحم الله امرأ علق في بيته سوطا يؤدب أهله) فإن لم تصل فقد قال أحمد أخشى أن لا يحل لرجل أن يقيم مع امرأة لا تصلي, ولا تغتسل من جنابة ولا تتعلم القرآن قال أحمد في الرجل يضرب امرأته: لا ينبغي لأحد أن يسأله ولا أبوها لم ضربها؟ والأصل في هذا ما روى (الأشعث, عن عمر أنه قال يا أشعث احفظ عني شيئا سمعته من رسول الله --: لا تسألن رجلا فيما ضرب امرأته) رواه أبو داود ولأنه قد يضربها لأجل الفراش, فإن أخبر بذلك استحيا وإن أخبر بغيره كذب.

 فصل: 

وإذا خافت المرأة نشوز زوجها وإعراضه عنها لرغبة عنها, إما لمرض بها أو كبر أو دمامة, فلا بأس أن تضع عنه بعض حقوقها تسترضيه بذلك لقول الله تعالى {وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا} روى البخاري عن عائشة {وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا والصلح خير} قالت: هي المرأة تكون عند الرجل لا يستكثر منها, فيريد طلاقها ويتزوج عليها فتقول له أمسكني, ولا تطلقني ثم تزوج غيري فأنت في حل من النفقة علي, والقسمة لي وعن عائشة (أن سودة بنت زمعة حين أسنت وفرقت أن يفارقها رسول الله -- قالت: يا رسول الله, يومي لعائشة فقبل ذلك رسول الله -- منها) قالت: وفي ذلك أنزل الله جل ثناؤه وفي أشباهها أراه قال: {وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا} رواه أبو داود ومتى صالحته على ترك شيء من قسمها أو نفقتها أو على ذلك كله جاز فإن رجعت, فلها ذلك قال أحمد في الرجل يغيب عن امرأته فيقول لها: إن رضيت على هذا وإلا فأنت أعلم فتقول: قد رضيت فهو جائز, فإن شاءت رجعت.

 فصل: 

فإن غاب الزوجان أو أحدهما بعد بعث حكمين جاز للحكمين إمضاء رأيهما إن قلنا: إنهما وكيلان لأن الوكالة لا تبطل بالغيبة وإن قلنا: إنهما حاكمان لم يجز لهما إمضاء الحكم لأن كل واحد من الزوجين محكوم له وعليه, والقضاء للغائب لا يجوز إلا أن يكونا قد وكلاهما فيفعلان ذلك بحكم التوكيل, لا بالحكم وإن كان أحدهما قد وكل جاز لوكيله فعل ما وكله فيه مع غيبته وإن جن أحدهما بطل حكم وكيله لأن الوكالة تبطل بجنون الموكل وإن كان حاكما لم يجز له الحكم لأن من شرط ذلك بقاء الشقاق, وحضور المتداعيين ولا يتحقق ذلك مع الجنون.

فصل:[عدل]

فإن شرط الحكمان شرطا أو شرطه الزوجان لم يلزم مثل أن يشترطا ترك بعض النفقة والقسم, لم يلزم الوفاء به لأنه إذا لم يلزم برضا الموكلين فبرضا الوكلين أولى وإن أبرأ وكيل المرأة من الصداق أو دين لها لم يبرأ الزوج إلا في الخلع وإن أبرأ وكيل الزوج من دين له, أو من الرجل لم تبرأ الزوجة لأنهما وكيلان فيما يتعلق بالإصلاح لا في إسقاط الحقوق.