المحبرة في التاريخ/الفصل الثالث

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
​المحبرة في التاريخ​ المؤلف علي بن الجهم
ملاحظات: الفصل الثالث


فَأَرسَلَ اللَهُ إِلَيهِم نوحا
عَبداً لِمَن أَرسَلَهُ نَصوحا
فَعاشَ أَلفاً غَيرَ خَمسينَ سَنَهْ
يَدعو إِلى اللَهِ وَتَمضي الأَزمِنَهْ
يَدعوهُمُ سِرّاً وَيَدعو جَهرا
فَلَم يَزِدهُم ذاكَ إِلّا كُفرا
وَاِنهَمَكوا في الكُفرِ وَالطُغيانِ
وَأَظهَروا عِبادَةَ الأَوثانِ
حَتّى إِذا اِستَيأَسَ أَن يُطاعا
وَحَجَبوا مِن دونِهِ الأَسماعا
دَعا عَلَيهِم دَعوَةَ البَوارِ
مِن بَعدِ ما أَبلَغَ في الإِنذارِ
وَاِتَّخَذَ الفُلكَ بِأَمرِ رَبِّهِ
حَتّى نَجا بِنَفسِهِ وَحِزبِهِ
وَأَقبَلَ الطوفانُ ماءً طاغِيا
فَلَم يَدَع في الأَرضِ خَلقاً باقِيا
غَيرَ الَّذينَ اِعتَصَموا في الفُلكِ
فَسَلِموا مِن غَمَراتِ الهُلكِ
وَكانَ هذا كُلُّهُ في آبِ
قَبلَ اِنتِصافِ الشَهرِ في الحِسابِ
فَعَزَموا عِندَ اِقتِرابِ المَعمَعَهْ
أَن يَركَبوا الفُلكَ وَأَن يَنجوا مَعَهْ
وَكانَ مِن أَولادِ نوحٍ واحِدُ
مُخالِفٌ لِأَمرِهِ مُعانِدُ
فَبادَ فيمَن بادَ مِن عِبادِهِ
وَسَلِمَ الباقونَ مِن أَولادِهِ
سامٌ وَحامٌ وَالصَغيرُ الثالِثُ
وَهُوَ في التَوراةِ يُدعى يافِثُ
فَأَكثَرُ البيضانِ نَسلُ سامِ
وَأَكثَرُ السودانِ نَسلُ حامِ
وَيافِثٌ في نَسلِهِ عَجائِبُ
يَأجوجُ وَالأَتراكُ وَالصَقالِبُ
وَمِن بَني سامِ بنِ نوحٍ إِرَمُ
وَاَرْفَخْشَدٌ وَلاوِذٌ وَغَيلَمُ
فَكَثُرَت مِن بَعدِ نوحٍ عادُ
وَشاعَ مِنها العَيثُ وَالفَسادُ
وَعادُ مِن أَولادِ عوصِ بنِ إِرَمْ
وَمِن بَني عوصٍ جَديسٌ وَطَسَمْ
فَأَرسَلَ اللَهُ إِلَيهِم هودا
فَجَرَّدَ الحَقَّ لَهُم تَجريدا
فَعانَدوهُ شَرَّ ما عِنادِ
وَاِنهَمَكوا في الكُفرِ وَالإِلحادِ
فَقالَ يا رَبِّ أَعِزَّ القَطرا
عَنهُم فَعَدّاهُم سِنينَ عَشرا
وَأَرسَلَ الريحَ عَلَيهِم عاصِفا
فَلَم تَدَع مِن آلِ عادٍ طائِفا
وَكانَ وَفدٌ مِنهُم سَبعونا
ساروا إِلى مَكَّةَ يَستَقونا
فَاِبتَهَلوا وَرَفَعوا أَيديهِمُ
وَكانَ لُقمانُ بنُ عادٍ مِنهُمُ
فَسَأَلَ البَقاءَ وَالتَعميرا
فَعاشَ حَتّى أَهلَكَ النُسورا
وَوافَقَت دَعوَتُهُ إِجابَهْ
إِذ لَم يَكُن بِمُرتَضٍ أَصحابَهْ
وَأَثمَرَت ثَمودُ بَعدَ عادِ
فَسَكَنَت حِجراً وَبَطنَ الوادي
فَأَرسَلَ اللَهُ إِلَيهِم صالِحا
فَتىً حَديثَ السِنِّ مِنهُم راجِحا
فَلَم يَزَل يَدعوهُمُ حَتّى اِكتَهَلْ
وَلَم يُجِبهُ مِنهُمُ إِلّا الأَقَلْ
وَأَحضَروهُ صَخرَةً مَلساءَ
وَقالوا أَخلِص عِندَها الدُعاءَ
فَهَل لِمَن تَعبُدُهُ مِن طاقَهْ
أَن تَتَشَظّى وَلَداً عَن ناقَهْ
فَاِنفَلَقَت حَتّى بَدا زَجيلُها
عَن ناقَةٍ يَتبَعُها فَصيلُها
فَعَقَروا الناقَةَ لِلشَقاءِ
فَعاجَلَتهُم صَيحَةُ الفَناءِ
فَتِلكَ حِجرٌ مِن ثَمودٍ خالِيَهْ
فَهَل تَرى في الأَرضَ مِنهُم باقِيَهْ